الطفلة غادة والأبارتهايد الإسرائيلي

بقلم: مصطفى البرغوثي

نشرت الصحف نبأ إعتقال الطفلة الفلسطينية غادة وعمرها لم يتجاوز الأربعة عشر عاما، أثناء زيارتها لخالتها في بلدة العيسوية، بحجة تواجدها في القدس العربية دون تصريح، وبعد إعتقالها تمت مصادرة هاتفها ومنعها من الإتصال بوالدتها المقيمة في بلدة الرام من ضواحي القدس.

وبعد إستجواب الطفلة، دون حضور أهلها، تم أقتيادها إلى المحكمة التي قررت الإفراج عنها بكافلة بعد حضور خالها للمحكمة وتعهده بدفع الكفالة. غير أن جيش الاحتلال قرر إبعاد الطفلة الى قطاع غزة لأن كمبيوتره قرر أنها من غزة، رغم أنها لم تزر غزة في حياتها، حيث أنها ولدت وكبرت في الضفة الغربية.

وإقتضى الأمر، ستة عشر يوما من جهود مؤسسات حقوق الإنسان والمحامين لإعادة هذه الطفلة البريئة من غزة الى حضن أمها.

وخلال الشهر الماضي وحده نفذ الاحتلال 520 عملية إعتقال ضد الفلسطينيين بمن فيهم 92 طفل و18 إمراة.

ورغم أن الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة كلها أراضي محثلة في عرف القانون الدولي، إلا أن إسرائيل تمنع سكانها من الإنتقال من منطقة إلى أخرى.

ملايين الفلسطينيين ممنوعون من دخول القدس، ومعظم سكان غزة ممنوعون من الوصول الى الضفة الغربية، مثلما أن سكان الضفة الغربية ممنوعون من الوصول الى قطاع غزة.

ومن يسوء حظه من سكان القطاع المقيمين في الضفة الغربية، بالوقوع بيد قوات الاحتلال، يتم ترحيله كالطفلة غادة بوحشية وشراسة.

وبالطبع فإن غالبية الفلسطينيين ممنوعون من الدخول إلى باقي مناطق فلسطين إلا من يحصل على تصريح من جيش الاحتلال.

نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا لم يجرؤ في حينه على منع تنقل الناس كما تفعل إسرائيل.

وهناك عدد لا يحصى من الأزواج والزوجات الممنوعون من العيش في بيت واحد بسبب إجراءات الإحتلال، كما أن مئات آلاف الفلسطينيين محرومون من رؤية أحبتهم، ومن زيارة آبائهم وأمهاتهم أومشاهدة أطفالهم وأطفالهن.

أي حقد عنصري ذلك الذي يحرم عشرات الآلاف من الشباب من فرص إستكمال دراستهم، ويسبب الموت المبكر لعشرات الآلاف بسبب منعهم من حرية التنقل للوصول الى المشافي الملائمة وتلقى العلاج؟

نتذكر كم أقام الإعلام الغربي، والحكومات الغربية، الدنيا ولم يقعدوها عندما كان الإتحاد السوفياتي أو الصين يمنعان معارضا من السفر الى خارج بلاده، ولكننا لم نسمع حتى الآن احتجاجهم على منع ملايين الفلسطينيين من حرية الحركة في وطنهم أو السفر الى خارج وطنهم.

ولم نسمع إحتجاجا واحدا على التنكيل بطفلة كغادة، وعلى ما ستعانيه من صدمة نفسية طوال حياتها.

قبل أيام زرت الطفل محمد في بلدة النبي صالح، وهو ايضا لم يتجاوز الخمسة عشر عاما، ورأيت كيف أطاحت رصاصة جندي إسرائيلي بعينه وجزء كبير من جمجمته وشوهت وجهه، وقد كان محظوظا لأن   الرصاصة لم تودى بحياته كما جرى لكثير من الشهداء الأطفال.

ما يجري في فلسطين ليس إحتلالا وتطهير عرقي فقط، بل منظومة تمييز عنصري وأبارتهايد إسرائيلي لم يرَ العالمُ لها مثيلا.

ومثل نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، فإن الظلم لن يزول بالمراهنة على التفاوض مع من يمارسونه، بل بمقاومته والصمود في وجهه، وفرض المقاطعة والعقوبات الشاملة عليه، ولا بديل عن ذلك.

بقلم/ د. مصطفى البرغوثي