لاشك أن ما تسرب من أفكار تتعلق (بصفقة القرن) التي لم تعلن الرئاسة الأمريكية لغاية الآن عنها رسمياً، والتي قد كشفت خطوطها الأساسية، وأظهرت مدى تطابق تلك الأفكار مع رؤية اليمين الحاكم في الكيان الصهيوني (للسلام)، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي ترجم بمواقف الرئيس ترامب ونائبه مايك بنس بشأن مواضيع جوهرية مثل القدس واللاجئين والإستيطان والحدود ..الخ، والتي تمثل العناصر الموضوعية لأي إتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي بلا أدنى شك لن تجد القبول من أي طرف عربي وفي مقدمته الفلسطينيين الذين عبروا صراحة ودون مواربة عن رفضهم التام والمطلق لهذه الأفكار والمواقف المنحازة والتي خَرَجَتْ بالولايات المتحدة وأخرجتها عن دور الراعي والوسيط، ووضعتها في دور الطرف المتطرف في مواجهة الفلسطينيين والعرب والمجتمع الدولي لما تمثله من إنحياز مطلق للرؤية وللمواقف التي يعبر عنها اليمين الحاكم في الكيان الصهيوني، ولما تمثله من إعتداء على الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف وإعتداء على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، بل تمثل إرتداداً على سياسات الولايات المتحدة ومواقف رؤسائها السابقين.
ومن هنا تتضح مبررات الرفض الفلسطيني والعربي والدولي لهذه المواقف والأفكار التي لا يمكن بأي حال أن تشكل عناصر لخطة سلام بقدر ما تدفع إلى تأجيج الصراع وقذفه إلى أبعاد خطرة يصعب إحتواء آثارها وما قد ينجم عنها من تأجيج للصراع وإستمرار لتهديد السلم والأمن في المنطقة العربية وغيرها.
لذا فإن إستمرار الولايات المتحدة بإعتبارها راعية للسلام أو لأي مفاوضات مستقبلية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي محكومة بالفشل لهذا الإنحياز الأعمى، ومن الطبيعي إنهاء حالة الإستفراد الأمريكي بهذه المهمة لعدم صلاحيتها لها، وبالتالي لابد من طرح تصور آخر يكفل إعادة الإعتبار لعملية السلام بما يحقق أهدافها وأغراضها في إنهاء الصراع على أساس الإلتزام بقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية الخاصة به، وإحترام أسس المرجعية التفاوضية، التي يجب أن تحكم نتائجها والمتمثلة في:
(1)- إحترام مبدأ عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة.
(2)- عدم شرعية الإستيطان في أراضي الغير.
(3)- الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة أراضي فلسطينية محتلة وغير متنازع عليها.
(4)- الهدف من المفاوضات إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت في الرابع من حزيران للعام 1967م.
(5)- الإقرار بضرورة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 لسنة 1948م.
(6)- تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حق تقرير المصير بإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية والتي ينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع.
(7)- توفير الضمانات الدولية لتنفيذ ما يتم الإتفاق عليه بين الطرفين.
(8)- توفير كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني كي يتمكن من إستكمال بناء مؤسساته الوطنية، بما يحقق الأمن والإستقرار والتنمية والرفاه للشعب الفلسطيني.
(9)- ضمان مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات لكلا الطرفين في أي إتفاق يمكن التوصل إليه بما يحقق مصلحة أمن وإستقرار الطرفين والمنطقة.
على ضوء هذه الأسس التي تكفل الحد الأدنى لنجاح أي عملية تفاوضية بين الطرفين فإنها تحتاج لإطار دولي تكون الولايات المتحدة جزء منه مع بقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى تمثيل للمجموعة العربية تكون فيه (جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية والأردن ولبنان) وتمثيل لحركة عدم الإنحياز وآخر عن دول الإتحاد الأوروبي وتمثيل مجموعة الدول الأمريكية (البرازيل) ودول المجموعة الإفريقية (جنوب إفريقيا) مِثلَ هذا الإطار وإستناداً لتلك الأسس قد ينهي مرحلة المفاوضات العبثية، كما يضع حداً لسياسات الإستقواء والإستفراد وفرض الإملاءات التي لا يمكن لها أن تحقق التسوية والسلام والأمن بين الطرفين وفي المنطقة، ولذا فإن الدبلوماسية الفلسطينية والعربية الناشطة في هذا الإطار لابد أن تستمر وتتصاعد حتى يجري تهيئة المناخ الإقليمي والدولي لتشكيل مثل هذا الإطار الدولي الكفيل برعاية عملية السلام والعملية التفاوضية وإعادة الإعتبار لها ولأسسها التي تستطيع أن تكفل لهذه العملية تحقيق نتائجها المرجوة في التوصل إلى إتفاق وتسوية سلمية واقعية يكتب لها النجاح، وأما بغير ذلك فإن كافة الجهود سوف تذهب في مهب الريح بل تدفع إلى تأجيج الصراع وخلق المزيد من العقبات أمام تحقيق الأمن والسلام المفقود في المنطقة.
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس