بعد لقاء نتنياهو بوتن الاخير في العاصمة الروسية وما طرح على الطاولة بينهما وبعد قدوم نائب رئيس الامن القومي الروسي الى المنطقة والتقائه بمستويات امنية كبيرة في اسرائيل و السلطة الفلسطينية , بدا المشهد اكثر وضوحا وبتنا نفهم ترانيم الحرب التي تعزفها اسرائيل منذ فترة وبالذات بعد ان ضمنت ان الولايات المتحدة باتت لن تعارض أي خطة او برنامج اسرائيلي يطرح للتخلص من قوي اشغلت بال اسرائيل سواء على الجبهة الشمالية او في غزة , مع ان الحديث الان يدور في اسرائيل على الجبهة الشمالية بالتحديد باعتبار ان لبنان اصبح غابة صواريخ والتهديد المستمر لإيران بمساعدتها حزب الله على انشاء عشرات مصانع الصواريخ على الارض اللبنانية , الا ان غزة تأتي في اول اهتمامات اسرائيل العسكرية لهذا فان التهديد لحماس في قطاع غزة لم يتوقف بل بات متوقعا يؤكد على احتماليه شن اسرائيل حرب لتحقيق عدة اهداف سياسية وامنية واستراتيجية , اليوم بات اكثر من نصف تصريحات قيادة اسرائيل السياسيين واركان حربها تصريحات تهديدية بحته تنم عن تعطش للقتل ليس لإعادة الردع فقط وانما للاشتراك في رسم خارطة جديدة للحدود مع لبنان وسوريا وقطاع غزة باعتبارهما اسخن جبهتين على حدود اسرائيل الان .
نتنياهو خلال لقائه مؤخرا مع رئيس الامن القومي الروسي قال ان هناك محاولات ايرانية لتحويل لبنان الى قاعدة لأطلاق الصواريخ على اسرائيل ,وقال اذا لم تتدخل روسيا لإبعاد التأثير الايراني عن المنطقة فان اسرائيل تعرف كيف تفعل ذلك كما وان اسرائيل ستعمل بكامل قوتها في حال لم يعمل المجتمع الدولي على وقف التمركز الإيراني في سوريا، و شكك في قدرة بوتن على فعل ذلك في اشارة واضحة الى ان اسرائيل ستلجأ الى الحرب ان عاجلا او اجلا , لعل رائحة حرب باتت تتصاعد من فم اسرائيل اكثر لتشير الى امكانية مهاجمة اسرائيل المقاومة الفلسطينية من جديد لحسم الامر نهائيا في غزة , وليس مستبعدا ان تقدم اسرائيل على تنفيذ خطة حربية لاستقطاع منطقة عازلة بعمق معين على الحدود السورية , واستهداف لبنان وخاصة بعد التهديدات التي وجهها ليبرمان لجيش لبنان والتي قال فيها ان جيش لبنان ولبنان كله سيدفعون الثمن وقال انه يمكن تفادي المواجهة العسكرية في لبنان من خلال ثلاثة امور التصميم والردع واستخدام كافة العوامل الدولية للضغط على ايران في اشارة للممارسة موسكو وواشنطن ضغوطا لإبعاد ايران عن الحدود الشمالية قبل ان تستخدم اسرائيل قوتها لفعل ذلك .
الحرب في المنطقة واقعة لا محالة لكن السر في التوقيت والمكان الذي ستقع فيه الحرب او تفتح فيه اسرائيل جبهة يبقي خاضع لحسابات سياسية كبيرة وبالتالي فانه بحاجة الى قرار سياسي مبني على اساس الاهداف السياسية والاستراتيجية التي ستحققها اسرائيل اكثر من الدواعي الامنية فلا تهتم اسرائيل للأمن بشكل مطلق لان كل خطط اسرائيل السياسية كانت تسبقها حروب تشنها اسرائيل لتحقيق سيناريو معين , اليوم نحن على ابواب تطبيق صفقة القرن المزعومة والتي ستلجأ اسرائيل والولايات المتحدة وبعض الاطراف الاقليمية لتطبيقها من طرف واحد وخاصة بعد رفضها فلسطينيا اصبح المدخل للصفقة هو الحرب وحرب سريعة وحاسمة في نفس الوقت وهذا ما نشتم رائحته بقوة من داخل المؤسستين العسكرية الإسرائيلية والسياسية. لا استبعد ان تكون الحرب على غزة للحسم وتغير الاوراق والمساحات الامنية والجغرافية وتحقيق متطلبات الصفقة الامريكية مع بقاء احتمالية شم حرب محدود في الجنوب اللبناني واطراف الجولان السوري لرسم خارطة جديدة للحدود .
ما يدعونا للميل الى ان غزة يمكن ان تقع تحت مقصلة الحرب الاسرائيلية العدوانية المجرمة من جديد بعض المؤشرات الهامة منها , الاتهامات المستمرة لحماس بانها وراء كثير من العمليات المسلحة بالضفة وتحاول الان ايجاد قواعد عسكرية لها بلبنان , المناورات الواسعة النطاق التي تجري على حواف غزة والتي تشمل كل تشكيلات جيش الاحتلال وبمشاركة امريكية كبيرة , اقدام قوات الاحتلال على ضرب كل ابراج الرصد على طول الحدود مع غزة وناهيك عن استدعاء اسرائيل لعشرات الالاف من الجنود المشاة والهندسة والبحرية والوحدات الخاصة وحدات التعامل مع الانفاق ووحدات الغازات , ولعل هذا تزامن مع اعلان وزارة الخارجية الامريكية عن ادراج السيد اسماعيل هنية على لائحة الارهاب الخاصة . ولا بد ان يعرف الجميع ان السبب الرئيس للحرب هو ان غزة جزء من صفقة القرن التي تستدعي التعامل معها لتغير كل ما هو على الارض فيها رضي الفلسطينيين ام لم يرضوا ليشمل التغير الوضع السياسي والجغرافي والامني وتفكيك قوة المقاومة وسحب سلاحها , ان صفقة القرن تعتبر غزة مركز الحل السياسي وليس الضفة الغربية فالاستيطان كفيل اليوم بإنهاء قضية الضفة وما يتبقى للفلسطينيين يتبع الاردن كونفدراليا , ولعل اسرائيل تعرف انه لا يمكن اقامة دويلة فلسطينية مركزها غزة مع بقاء الوضع في غزة على ما هو عليه. نعم التهديد للبنان لم يتوقف والوعيد لغزة لم ينتهي بل في تصاعد والاتهامات تتواصل من قبل اسرائيل على الجبهتين الشمالية والجنوبية الا ان الخطة مراد لها ان تبدأ من غزة وليس لبنان لان الولايات المتحدة تريد تهيئة الاجواء لتطبيق الجزء الخاص بالفلسطينيين في الصفقة الامريكية المسماة صفقة القرن .
بقلم/ د. هاني العقاد