القطاع الخيري في مصر..شريك أساسي في تنمية المجتمع

بقلم: عصام يوسف

تفصح جامعة القاهرة الشامخة بقبتها الشهيرة، وأبنيتها المستغرقة في العراقة عن أسرار مهابة العلم والمعرفة التي فاضت بها على مدى عشرات السنين، إلى جانب أسرار مكنونات العمل الخيري وقدرته على تجسيد التنمية المستدامة على أرض الواقع.

 

فالجامعة التي صنفت عام 2017 كواحدة من أفضل 500 جامعة في العالم، بنيت بأموال خيرية لتنمو كشجرة وارفة تمنح من ثمرها بسخاء كل طالب علم، ليس على مستوى مصر فحسب، بل على مستوى الدول العربية، إضافة لطلبة من مختلف دول العالم اختاروا أن ينهلوا من علوم وآداب إحدى أهم مؤسسات الشرق الأكاديمية المتميزة.

 

وقد كان لهذه المؤسسة التي أعلى العمل الخيري بنيانها في بدايات القرن العشرين، والمتفردة بتفوقها الأكاديمي على مستوى الإقليم الدور المهم في تنمية مجتمعات عربية وإسلامية بعدما رفدت الآلاف من أبنائها بالعلم، ليصبحوا فيما بعد الشرارة التي أطلقت مسيرة البناء والتعليم في مجتمعاتهم.

 

ويتقاسم العمل الخيري والإنساني مع المؤسسات التعليمية في مصر "رمزية" العراقة والفاعلية على مستوى المنطقة برمتها، فتاريخ العمل الخيري في أرض الكنانة استُهل منذ بواكير القرن التاسع عشر، لتنطلق معها واحدة من أهم مدارس العمل الخيري التي بدأ ينهل من علومها أبناء المنطقة.

 

وعرف العمل الخيري في مصر بشكل مبكر نوعاً من التقنين، حيث يوضح مؤشر التطور التشريعي لقوانين العمل الأهلي في البلاد إلى نشوء منظمات غير حكومية قبل عملية التقنين حتى فترة نهاية الثلاثينيات، عندما صدر القانون 17 لسنة 1938 لحرية التنظيم، ليتبعه قانون الجمعيات الخيرية عام 1945، أما عام 1948 فقد صدر القانون المدني رقم 131، حيث اختصت بعض مواده بتنظيم الجمعيات وعمل مؤسسات المجتمع المدني، ليأتي عام 1999 حاملاً معه إصدار قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 153، ثم قانون 84 للعام 2002 (كما يوضح ذلك الدكتور عصام العدوي، مستشار وزيرة التضامن الاجتماعي للجمعيات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية في مصر).

 

وبناءً على التشريعات المتبعة في مصر، فإن الجمعيات والمنظمات الخيرية تخضع للرقابة من جانب مؤسسات حكومية مختصة تقوم بفرز الجمعيات بحسب إنجازاتها وأنشطتها، وما قامت بتنفيذه من مشروعات، والإطلاع على ما وصلها من تبرعات، وفيم أنفقت الجمعيات أموال متبرعيها.

 

وتلبي العديد من المؤسسات الخيرية الفاعلة توجهات الشعب المصري الذي تتأصل فيه معاني العطاء الخيري، باعتبارها قنوات رئيسية لإتمام العمل الخيري والإنساني، وتوجيهه نحو أولوياته، بما يتكامل مع رغبات المتبرعين واهتماماتهم.

 

وتشير الإحصاءات من خلال تجربة "بنك الطعام"، إضافة لتجارب العديد من المؤسسات الخيرية كمؤسسة "رسالة" و"مصر الخير" و"مستشفى سرطان الأطفال"، إلى زيادة الدافعية والحافز لدى المواطن المصري بنسبة تقدر بـ 77%، حيث تفيد بتشجعه لرفع قيمة تبرعاته عند ارتفاع زيادة دخله بشكل مباشر.

 

كما أن العطاء الخيري لدى المصريين يتوزع على المؤسسات الخيرية إضافة للأفراد المحتاجين مباشرةً، حيث يفضل البعض إيصال تبرعاته للأشخاص والأسر الفقيرة بنفسه، فيما الغالبية تميل إلى التبرع لمؤسسات خيرية موثوقة وتتمتع بالمصداقية والشفافية.

 

ويظهر ذلك بشكل واضح في تأدية فريضة الزكاة، التي تشكل الجزء الأكبر من العطاء الخيري للمصريين، يأتي بعدها الصدقات والتبرعات التي تأخذ طريقها في أشكال متعددة كالإنفاق على موائد الرحمن في شهر رمضان المبارك، وتقديم الدعم للأيتام، والفقراء والمحتاجين، والمرضى، والمقبلين على الزواج..وغيرها من الفئات المعوزة.

 

ويعتبر "بنك الطعام" حالة إبداعية خيرية، تُرجمت إلى واقع بعدما كانت فكرة بسيطة تقوم على أهداف القضاء على الجوع، لتتحول إلى مشروع كبير يطعم الملايين من الفقراء، فضلاً عن نجاحه في خلق فرص العمل، إضافة للمساعدة في التقليل من هدر الطعام.

 

وتبرز الأرقام حجم إنجازات البنك الذي "ساعد في 2013 حوالي 3.5 مليون أسرة ضمن برنامج الإطعام الشهري والموسمي، كما ساهم في تأهيل حوالي 150 ألف معيل أسرة شهريا، وتوفير17 مليون وجبة شهريا مغلفة وجاهزة ضمن برنامج عدم هدر الطعام الذي تطبقه الفنادق، فضلا عن برامج توفير وجبات مدرسية وغيرها من البرامج التي يطبقها البنك من خلال 5 محاور"، (بحسب مديره التنفيذي الدكتور معز الشهدي خلال تصريحات صحفية).

 

ويفيض البنك بالخبرة التي اكتسبها نتيجة منهجيته الناجحة في إدارة مؤسسة خيرية تتكامل في وظائفها، وتنوع الخدمات التي تقدمها، بعدما بدأت الفكرة في إعلان الحرب على الجوع من خلال توزيع وجبات غذائية على المحتاج، لتصبح مشروعاً وطنياً في مصر يخدم الفقراء في كافة محافظاتها، ما لبث بعدها أن تحول إلى مشروع إنساني عابر لحدود الدولة.

 

ففي تأكيد على مبدأ قيام العمل الإنساني المؤسسي على أسس إنكار الهويات السياسية والعرقية والطائفية..وغيرها، ليعبر إلى آفاق كونية أرحب، تمد هذه المؤسسات يدها وهي مغمضة العينين لتطعم كل جائع، فقط لكونه جائع، وتساعد المحتاج كونه محتاجاً، حيث يقوم البنك بناءً على هذه الفكرة بتوسيع دائرة عمله الخيري ليشمل دولاً أخرى، ما دعاه خلال السنوات الماضية لافتتاح فروع له في كل من السعودية والأردن ولبنان وسورية والعراق وفلسطين وتونس وشمال السودان وباكستان وبنغلادش، والعمل جارٍ على افتتاح فروع له في دول أخرى.

 

ويتجاوز عمل البنك توفير الطعام بشكل دوري للفئات المستحقة غير القادرة على العمل، لتتعداها إلى التعليم والتأهيل لممارسة حرف ومهن، ودعم تأسيس مشاريع صغيرة، وتنفيذ برامج التوعية بضرورة تنظيم عشوائية العمل الخيري.

 

وينطلق نشاط التوعية في عدم إهدار الطعام الذي تنفذه المؤسسة من معطيات تشير إلى أن نسبة هدر الطعام في العالم تصل إلى حوالي 42 %، في الوقت الذي تقدر فيه نسبة الجوعى إلى عدد سكان العالم حوالي 12 %، وبأنّ توفير ثلث الطعام المهدور كفيل بأن يقضي على الجوع في العالم كله.

 

ومن بين آلاف الجمعيات التي لا يتسع المجال لتناولها جميعاً، يتصدر المشهد الخيري عدد منها نجح في بناء شبكة من العلاقات الداخلية والخارجية مع مؤسسات وجهات داعمة، كما اعتمدت نطاقات واسعة من التشبيك والتنسيق مع منظمات خيرية في مختلف دول العالم، تتعاون معها في تنفيذ المشروعات والبرامج الخيرية -الإغاثية والتنموية على حد سواء- داخل مصر وخارجها.

 

وتسعى جمعية الأورمان من خلال منهجية عملها على تأكيد دور العمل الأهلي في تنمية المجتمعات اقتصادياً واجتماعياً، ووضع الخطط الدورية لرفع المعاناة عن الأسر المصرية، وذلك من خلال المشاريع التي تنفذها كإعادة إعمار المنازل، حيث قامت بإعادة إعمار وتأهيل 17 ألف منزل منذ عام 2000 بتكلفة 220 مليون جنيه، ودعم المشاريع الصغيرة كتربية المواشي، حيث قامت بتسليم عدد 55 ألف رأس ماشية منذ عام 2000 بتكلفة 550 مليون جنيه، وتوزيع أكشاك بيع المواد التموينية، حيث قامت بتسليم عدد 4500 كشك منذ عام 2000 بتكلفة 44 مليون جنيه، إضافة لتنفيذها مشروع سداد ديون الغارمين، حيث قامت منذ 2011 بسداد ديون لعدد 3058 حالة بمبلغ 27,713,795 جنيه.

 

وقامت الجمعية بإجراء 800 عملية قلب بتكلفة إجمالية قدرها 17.6 مليون جنيه، وإجراء700 عملية متنوعة بالعين، بتكلفة قدرها 2.1 مليون جنيه، إلى جانب قيامها بالتكفل بتزويج 335 فتاة يتيمة بتكلفة 1.675 مليون جنيه.

 

وتدير الجمعية 6 دور لأيتام، إضافة للأيتام ذوي الإعاقة، كما تدير الجمعية دار ضيافة مرضى الأورام والذي يهدف إلى توفير الاستضافة للمرضى الذين يتلقون علاجهم في المعهد القومي للأورام ومرافقيهم مجانًا، بالإضافة إلى تنفيذها مشروع الصدقة الجارية والذي يهدف إلى خدمة الأرامل وذوي الإعاقة ممن يعولون أسرهم، إلى جانب المساعدات الطبية.

 

أما "الجمعية الشرعية" فقد تمكنت من رسم صورة الجمعية الأنموذج من ناحية الخبرات التي راكمتها على مدى سنوات طويلة، فهي الجمعية الخيرية الإسلامية الأقدم في البلاد، حيث تأسست عام 1912، كجمعية دعوية في الأساس، إلا أنها أثبتت أهمية الجانب الخيري باعتباره فرع من فروع الدين الإسلامي، وهي فعل المسلم ومنهاجه لتأسيس المجتمع المتكافل بين أبنائه، وهي ذاتها الفكرة التي جوهرها أن العطاء لدى المسلم هو في واقع الأمر فريضة تتمثل في الزكاة، إضافة لتعاليم الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، في حثه لأداء الصدقات وما لها من فوائد جمة على الفرد والمجتمع، على المديين القريب والبعيد.

 

وللجمعية إبداعاتها في إطار تنويع المشاريع الخيرية، من اجتماعية وإغاثية وتنموية، التي نالت عليها شهادات الروابط الإسلامية، إضافة لتكريم عدد من الدول على إنجازاتها التي اتسمت بتوخي الشفافية والنزاهة خلال عملها، فقد نالت الجمعية جائزة الملك فيصل بن عبد العزيز العالمية لخدمة الإسلام عام 2009، كما نالت عضوية "المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة" كشهادة على نجاحاتها في مجال العمل الإغاثي، لتضيف بذلك زخماً على رصيدها في مجال العمل الخيري الإغاثي.

 

وتراوحت المشاريع الخيرية في المجال الاجتماعي للجمعية بين كفالة اليتيم وتحفيظ القرآن الكريم، وتنفيذ برامج التوعية لمختلف شرائح المجتمع، أما مشاريعها في المجال الطبي فتتركز في إقامة وإدارة المراكز الطبية التي تؤدي خدماتها للفقراء دون تمييز، بشكل مجاني.

 

ويقوم عمل الجمعية الإغاثي من منطلقات عقائدية محورها يتلخص في الآية الكريمة (إنما المؤمنون إخوة)، واعتبارهم (كمثل الجسد الواحد)، بحسب الحديث النبوي الشريف، حيث سارت أعمال الإغاثة لدى الجمعية بشكل متوازٍ داخل البلاد وخارجها، أما المجال التنموي في عمل الجمعية فقد ارتكز منذ البداية على فكرة الإسهام في معالجة مشكلة البطالة عن طريق تحويل الأيدي العاطلة عن العمل إلى منتجة، وتحويل الأسر التي تتلقى المساعدات إلى أسر قادرة على الإنتاج وتوفير دخل مادي بنفسها.

 

وتؤدي "لجنة الإغاثة والطوارئ في اتحاد الأطباء العرب" دوراً ملحوظاً في تأطير العمل الخيري داخل الاتحادات النقابية، ويعد اتحاد الأطباء العرب الذي تأسس عام 1962 في القاهرة أنموذجاً يحتذى في التفاعل النقابي مع المجتمع بشكل مباشر، من خلال تلمس معاناة الفقراء، إضافة للتفاعل النقابي العربي المباشر مع قضية العرب المركزية، وتقديم الدعم الإنساني لأبناء الشعب الفلسطيني.

 

وتبلورت صورة الاتحاد منذ بداياته، كاتحاد ملتزم بقضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث كانت فكرة التأسيس تتضمن أن تكون القاهرة المقر الدائم للأمانة العامة للاتحاد لحين تحرير مدينة القدس التي هي المقر الدائم المنصوص عليه في القانون الأساسي للاتحاد.

 

ويعمل الاتحاد على تحقيق أهداف مجتمعية (إغاثية، وقائية، تنموية، علاجية)، ضمن جملة أهدافه العامة، في إطار: "تفعيل العمل القومي والإقليمي من خلال العمل الطبي، وتعزيز الصحة والوضع الصحي للمجتمعات العربية، والمشاركة في توصيل العلاج لغير القادرين، إضافة لدعم النظم الصحية في الدول العربية بما يمكنها من أداء أدوارها بكفاءة وفعالية، وتقديم الخدمات الطبية والعلاجية والاغاثية حيثما اقتضت الضرورة أو حلت الكارثة وفي الأماكن وللشرائح المحتاجة، فضلاً عن تشجيع تصنيع واستعمال الدواء العربي".

 

وللاتحاد بصماته الإغاثية الواضحة في العديد من الميادين، كقطاع غزة التي شارك في دعم وتجهيز مستشفياتها ومراكزها الصحية من خلال توفير كميات من الدواء والمستلزمات والمعدات الطبية، ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى مشاركته الفاعلة في إعداد القوافل الإنسانية والإغاثية للقطاع الذي يعاني من الحصار الإسرائيلي الجائر منذ سنوات طويلة.

 

ولا تقتصر جهود الاتحاد في إغاثة المحتاجين في الأقطار العربية، بل تتعداها إلى خارج حدود الوطن العربي، حيث ينفذ الاتحاد حملات دعم إنساني في دول افريقية كجمهورية بنين التي ينظم فيها حملة لمكافحة العمى، وفي الكاميرون، إضافة لمساهمته في مساعدة اللاجئين الروهنجيا، وغيرها من ميادين العمل المتعددة.

 

وفي طور الحديث عن اللجان الخيرية المنبثقة عن العمل المهني النقابي، تجدر الإشارة في هذا المقام إلى الأداء الإنساني المحترف لـ"لجنة الإغاثة الإنسانية في نقابة أطباء مصر"، ويتجلى ذلك في الحملات التي أطلقتها لدعم المرضى والفقراء والمحتاجين داخل مصر وخارجها قبل بضعة أعوام، من بينها حملة "دفاء" في صعيد مصر، وسيناء والمحافظات الحدودية، وحملاتها في دعم اللاجئين السوريين، من ضمنها حملة تجهيز مستشفى حلب بالمستلزمات الطبية والدوائية، فضلاً عن تقديم الدعم الطبي والإنساني لأشقائهم المحاصرين في قطاع غزة على مدى سنوات الحصار الصهيوني الجائر.

 

واستمر عطاء اللجنة الإنساني خلال السنوات الأخيرة تحت مسمى "لجنة مصر العطاء"، لتصبح مثالاً على إصرار العمل الخيري في البقاء والتجذر في مجتمعه أكثر وأكثر، ولتؤكد بالتالي على أن العمل الخيري إنما هو حاجة مجتمعية، وإنسانية بتفرعاتها النفسية والجسدية والروحية والفكرية، وبأن دوره في المجتمع يمكن تشبيهه بالخلية البانية لأي كائن حي، لا يحيى الإنسان والمجتمع دونها.

 

واستطاعت اللجنة خلال السنوات الماضية من تنفيذ العديد من المشروعات التي شملت إطلاق الحملات الطبية بهدف علاج الآلاف من المرضى في مختلف المحافظات المصرية، كحملتها على سبيل المثال في محافظة الوادي الجديد، في ديسمبر 2016، التي عالجت خلالها المئات من المرضى في تخصصات النسائية والقلب والباطنة والأطفال والمسالك والأسنان والجلدية.

 

واستهلت اللجنة العام الحالي بإطلاقها مشروع "توزيع مستلزمات طبية وأجهزة للمرضى، حيث سلمت المئات من المرضى السماعات الطبية التي بلغت قيمتها مليون و350 ألف جنيه، وقطع غيار لأجهزة زراعة القوقعة لـ100 طفل زرعوا قواقع، بتكلفة تزيد على نصف المليون جنيه، إضافة لتسليم أطراف صناعية ودراجات بخارية وكراسٍ متحركة لذوى الإعاقة، بخلاف المساهمة في تكاليف إجراء العمليات الجراحية والأجهزة الطبية، وتلبية احتياجات المرضى من الأدوية والمستلزمات الطبية.

 

كما تنظم لجنة العطاء قوافل طبية وتثقيفية على مستوى الجمهورية، لمساعدة غير القادرين، بداية من الإسكندرية حتى الواحات وجنوب الصعيد"، فضلاً عن إطلاق اللجنة من حين لآخر حملات التبرع لمرضى السرطان في مختلف المحافظات المصرية.

 

وتسطر "جمعية رسالة" أروع المثل للكيفية التي ينبت فيها الخير كنبت صالح في بيئة صالحة، حيث كانت بداياتها كبرعم نما في حفنة من تراب طيب بين أيدي طلبة العلم في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، حين أطلقوا مبادرة للتبرع بالدم وزيارة دور الأيتام والمسنين والمستشفيات، ليكبر بعدها النبت الصالح الذي تحول إلى شجرة وارف ظلها، بعدما تم الإعلان عن إشهار الجمعية وافتتاح أولى مقراتها.

 

وبدعم المحسنين للمبادرة الطيبة وللنوايا الحسنة افتتحت الجمعية عدة مقار لها خلال بضعة أعوام، ليكونوا بذلك الحاضنة الحقيقية للعمل الخيري المتأصل في نفوس أبناء الشعب المصري، وليتسنى للجمعية فيما بعد ممارسة العشرات من الأنشطة الخيرية المتنوعة، منها الطبي كتأسيس مركز رسالة الطبي، ومن ثم إطلاق القوافل الطبية وتقديم العلاج الشهري للأمراض الخطيرة لغير القادرين على توفيره، إضافة لتنفيذ الجمعية للأنشطة التعليمية كدروس التقوية لطلبة المدارس، وكذلك الأنشطة التدريبية والتثقيفية التي تعمل على توعية النشء في جوانب عدة دينياً وأخلاقياً وفكرياً ورياضياً، وغير ذلك.

 

وللجمعية مشاريعها الدائمة ذات الأثر الإيجابي الكبير والمباشر على أبناء المجتمع المصري، كمشروع "الأخ الأكبر"- كفالة اليتيم، والذي يستهدف بشكل خاص الأطفال مجهولي النسب، ومشروع مساعدات الأسر الفقيرة والذي يركز بشكل أساس على توفير المواد الغذائية للأسر المحتاجة، ومشروع معارض الملابس المستعملة، والذي يقوم على جمع الملابس المستعملة والجديدة وغسلها وتجهيزها وتوصيلها للأسر الفقيرة، إضافة لمشروع "ذوي القدرات الخاصة" الذي يعمل على تقديم ما يحتاجه ذوي الاحتياجات الخاصة واكتشاف إمكانياتهم، والعمل على دمجهم في المجتمع.

 

ويقوم "الأزهر" الذي يعتبر مركز إشعاع علمي وديني في العالمين العربي والإسلامي، بدور كبير في الحث على تصريف أموال العمل الخيري -وخاصة الزكاة والصدقات- في مصارفها الشرعية التي حددتها الشريعة الإسلامية، كما يقوم بدوره في تحفيز الموسرين من الأفراد، والمؤسسات، على أداء واجبهم في ترسيخ مفاهيم التكافل الاجتماعي في المجتمع، وتدعيم مشاريع التنمية في البلاد التي من شأنها أن تسهم بشكل فاعل في حل مشكلتي الفقر والبطالة على وجه الخصوص.

 

وللأزهر رؤيته العميقة في جمع إمكانيات الأمة الإسلامية الخيرية والدعوية، فقد أراد من وراء إطلاق "المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة" تحقيق غايات مهمة تتمثل في "تعريف العالم الخارجي بالإسلام الصحيح وقيمه وتعاليمه الرفيعة وحضارته الإنسانية السامية، من خلال تطوير أساليب الدعوة، والإعداد الصحيح للدعاة، والتنسيق بين نشاط الهيئات التي تقدم الدعوة الإسلامية".

 

كما تشمل غايات المجلس "التنسيق بين نشاط الهيئات التي تتولى أعمال الإغاثة، والسعي إلى التكامل بين نشاطي الدعوة والإغاثة"، فضلاً عن الاهتمام بقضايا أخرى كـ"قدسية الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، وشؤون الأقليات المسلمة ومسئولية المسلمين تجاهها، إضافة لكافة القضايا المعاصرة للأمة الإسلامية".

 

وضم المجلس العشرات من مؤسسات العمل الخيري والإغاثي، التي حرصت من خلال عضويتها في المجلس التأكيد على شفافية ومهنية العمل الخيري الإسلامي في العالم بأسره، وإعطاء الزخم الكبير لعملها عبر اكتساب المزيد من الخبرات من خلال العمل الخيري الإسلامي المؤسسي الجماعي، ما مكًنها بالتالي من توحيد جهودها وأولوياتها، وتقوية برامجها الإغاثية، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على الاستجابة السريعة والعاجلة للنداءات الإنسانية في مختلف بقاع الأرض، حيث كانت المؤسسات المنضوية تحت راية المجلس في صدارة المؤسسات التي تقدم الدعم الإغاثي لمستحقيه على مستوى العالم.

 

وفي مصر مؤسسات خيرية متخصصة تعمل في مجالات محددة، بهدف تركيز خبراتها وجهودها لتقديم خدمة خيرية متميزة، كالمجال الصحي الذي أبدعت فيه مؤسسات كمؤسسة "مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب" والتي تهدف للتركيز على علاج أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث استفاد من خبرتها المتخصصون داخل البلاد وخارجها، كما تتخصص مؤسسة "مستشفى الأطفال 57357" والتي تقوم على توفير العلاج لمرضى السرطان داخل مجمع طبي متكامل قائم على الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، ومؤسسة "مستشفى بهية" التي تعالج سرطان الثدي لدى السيدات بشكل مجاني، حيث يعد المستشفى الأول المتخصص في هذا المجال. يضاف إلى ذلك مؤسسات خيرية تعمل في مجالات أخرى محددة كدور رعاية الأيتام مثل "دار الهنا للأيتام" و"دار مبرة اليتيم" و"دار الفسطاط للأولاد".

 

وكما هو نيلها العظيم، تفيض مصر المحروسة بالخير، تنظمه مؤسسات ترعاه وتنميه وتطوره، وذلك بفضل وعي أهلها وعشقهم الكبير والأصيل لوطنهم وأرضهم، وإيمانهم العميق بخالقهم، والتزامهم بشرائعه وتعاليمه، واختيارهم حب الحياة، وصناعة الأمل، نمطاً للعيش والتفاعل فيما بينهم برغم مصاعب الحياة.

 

يوازي ذلك تشرّب المجتمع المصري للعمل الخيري كسلوك يومي وأسلوب حياة، ما أمد مؤسساته الخيرية بعناصر القوة والحيوية، التي أسهمت في تطويره وتبوئه مكانة رفيعة جعلته في صدارة صانعي المشروع التنموي المستدام للبلاد، بعدما أدت الأوضاع الاقتصادية المتردية على مدى عقود طويلة إلى إنهاك قطاعات كبيرة، ليقوم القطاع الخيري الذي يتميز بقدرته على التجدد، وتجميع عناصر القوة الذاتية، بالإسهام الفاعل في إمداد شرايين الاقتصاد القومي بالحياة، والصمود أمام التحديات.

 

وتتجلى في التجربة المصرية مكامن القوة التي يمكن أن يصنعها العمل الخيري انطلاقاً من مبدأ التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، حين تمكنت المؤسسات الخيرية من أن تكون القدم التي تقف عليها قطاعات هائلة من المجتمع لم تتمكن الدولة من أداء وظيفة توفير الدعم لها بسبب ما تعانيه من ضغوط اقتصادية كبيرة.

 

والشواهد على إسهامات القطاع الخيري في مصر، خلال تاريخه الطويل، في تنمية المجتمع المصري واضحة للعيان من خلال تنفيذه للمشروعات التنموية التي تطلقها عدد من الجمعيات ولها تأثيرها الإيجابي البارز في حياة المصريين، لا سيما ما يتعلق منها بحل المعضلتين الكبريين في المجتمع وهما الفقر والبطالة، حيث دأبت هذه الجمعيات من خلال مشاريعها على خلق فرص عمل للمتعطلين، وتحسين الظروف المعيشية للمواطن المصري، كما أنها تلعب دوراً اجتماعياً هاماً يتمثل في رعاية الأيتام وكفالتهم، إضافة لرعاية المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والمسنين..وغيرها من الفئات المستحقة للرعاية.

بقلم: الدكتور عصام يوسف – رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة