كمين العلم

بقلم: جبريل عودة

عملية تفجير العبوة الناسفة شرق خان يونس , التي إستهدفت جنود الإحتلال , واطلق البعض على تلك العملية مصطلح " كمين العلم" , حيث أن الجنود ترجلوا من أجل إزالة علم فلسطين كان قد رفعه الشبان على الشريط الحدودي , ضمن فعاليات المواجهات الأسبوعية التي تشهدها المنطقة الحدودية .
أسفرت عملية " كمين العلم " عن إصابات صعبة في جنود الإحتلال , وشكلت ضربة نوعية لأنظمة التحكم والسيطرة الصهيونية على الحدود مع قطاع غزة , كما إنها ساهمت في تغيير قواعد الإشتباك التي يحاول الإحتلال من خلالها, فرض حالة من الهدوء النسبي على جبهة قطاع غزة , مع إظهار سطوته الجوية في حالة الرد على بعض الصواريخ , التي تنطلق من الفينة والأخرى , بقصفه مواقع للمقاومة ويحرص الإحتلال على الإمساك بزمام المبادرة مع عدم فقدان السيطرة على الأوضاع وتدحرجها نحو مواجهة مفتوحة .
عملية " كمين العلم " لم تكن الأولى على جبهة غزة , مؤخراً شهد قطاع غزة بعض العمليات التي إستهدفت أهدافاً للإحتلال , لتقطع حالة الصمت والهدوء ولو لفترة وجيزة , مثال ذلك قصف مكان إقامة حفل عيد الميلاد للجندي الأسير في غزة , شاؤول أرون قرب الحدود مع قطاع غزة , وصادف ذلك يوم الجمعة 29-12-2017م , كما تمت عملية إستهداف قوة هندسية تابعة للإحتلال , بأكثر من 15 قذيفة هاون يوم الخميس 30-11-2017م , الا أن عملية " كمين العلم" كانت ذات نتائج مؤلمة للإحتلال بخسائره المعلنة , وهذا ما جعلها تساهم بشكل أكبر في كسر معادلة الإحتلال على جبهة قطاع غزة , والتي سعى من خلالها عزل قطاع غزة , عن ساحة المقاومة الفاعلة والمؤثرة على مدار الوقت , حيث وضع التلويح بقرار شن الحرب في مقدمة التهديدات التي يواجه فيها قطاع غزة , معتقداً بأن ذلك سبيلاً لجلب الهدوء وتحقيق حالة الردع , ما جرى شرق خان يونس حطم هذه المعادلة وأبطل مفعولها وجعلها من الماضي , وأن ما قبل العملية ليس كما بعدها , وهكذا يجب أن تتصرف فصائل المقاومة في قطاع غزة.
ما يميز قطاع غزة كقلعة للمقاومة , أن نشاطات المقاومين , تتمتع بغطاء سياسي وإعلامي واسع , يمنحها شرعية التحرك والعمل بأريحية في الميدان , وتساهم في ذلك بلا شك حركة حماس بإعتبارها قوة المقاومة الرئيسية في قطاع غزة , وقد مارست دورة الحاضنة والداعمة السياسية لكافة قوة المقاومة أثناء قيادتها الحكومة الفلسطينية , ولا عجب أن يتهم الإحتلال حماس مباشرة بالمسؤولية عن كل عمل مقاومة يخرج من قطاع غزة , وقد يكون مقصد الإحتلال في ذلك الإيقاع بين حماس وفصائل المقاومة , لذا يتعمد الإحتلال الرد العسكري الأكبر على مواقع القسام في غاراته الجوية , الا أنه لم يفلح بمخططه حيث أن المقاومة كخيار إستراتيجي تتبناه جماهير قطاع غزة إلى حد الإجماع , فالمقاومة تتمتع بإلتفاف شعبي وإسناد سياسي وغطاء أمني ودعم إعلامي في جبهة قطاع غزة .
أفرط بعض القليل في تحليل عملية " كمين العلم " سلبياً , وقد ربطها في حدث مستقبلي ألا هو " مسيرة العودة الكبرى" , على إعتبار أن هذه العملية قد يكون هدفها إفشال هذه المسيرة , وهذا كلام لا يقوله عاقل , وهو كلام خطير فيه تجريح بالمقاومين في كل مكان من فلسطين , ويتساوق مع بضاعة الأوسلويين , الذين يرون في كل عمل مقاوم , خطراً على مشروعهم التفاوضي المأزوم ؟ ,وسمحوا لأنفسهم بتجريم المقاومة من أجل هذا المشروع البائس , وحاربوا المقاومة ورجالها من أجل بضاعتهم المزجاة , ولعلنا نحذر أن يقع في هذا الحقل الشائن , أياً من أصحاب الدعوات والمبادرات الوطنية الصادقة , وقد يشابه فعلهم هذا , حال التاجر الذي يبخس ببضاعة غيره الرائجة المثمرة , من أجل تسويق بضاعته والترويج لها , بالرغم أن ما بين يديه لا يحمل جودة البضاعة التي أقدم على تشويها , وهذا سلوك مرفوض البتة , فلقد بات من المؤكد الذي لا يقبل التشكيك أن إستخلاص الحقوق وإسترداد الأوطان , يحتاج كافة الجهود والإمكانيات والطاقات, فلا نغفل أبدا أهمية العمل العسكري في معركة التحرير ,كما لا نستهين بالدور السياسي والجماهيري والإعلامي والثقافي الملتزم بقضية الوطن المدافع عن حقوق شعبنا.
ما حدث في شرق خان يونس , عمل بطولي يشكل إستمرارية لروح المقاومة , التي تسري في نفوس الفلسطينيين , ويتكامل مع المشهد الفلسطيني المقاوم , في القدس ونابلس وجنين والخليل وكافة مدن فلسطين , فالمقاومة وحدة واحدة طلقة جنين كعبوة خان يونس.

بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
18-2-2017م