بصراحة: عن الناصرة والجبهة وانتخابات البلدية القادمة

بقلم: نبيل عودة

ما زال بعض الجهلة من رفاق شيوعيين وجبهويين يقارعونني بكلمات اللسان السيء حول نقدي للحزب والجبهة ووقوفي مع علي سلام بعد الانتخابات. هل سالوا أنفسهم ورفاقهم عن السبب؟ الم انشر في المعركة الانتخابية الأخيرة 25 مقالا على الأقل دعما لقائمة الجبهة؟ وفي الانتخابات السابقة الأربعة الأخيرة كتبت مئات المقالات دعما للجبهة أيضا؟ لماذا فرضت علي المقاطعة وكل ما كتبته كان تسويقا لقائمة الجبهة ومرشحها لرئاسة البلدية؟ هل تعرفون عدد ما نشر من مقالاتي الداعمة للجبهة ورامز جرايسي في جريدة الحزب الاتحاد، التي لم تقم باي دور اعلامي تسويقي الا اذا اعتبرنا نشر الإعلانات والأخبار عن الاجتماعات تسويقا، وهو من باب "قصر ديلك يا أزعر"!!

الجواب: صفر مقالات نشرت في الاتحاد في معارك الانتخابات الأربعة قبل الأخيرة لأن كاتبها اسمه نبيل عودة، يملك عقلا مفكرا نقديا ولا يساق كالقطيع السياسي!!

في الانتخابات الأخيرة لم أعد احتمل النفاق الحزبي والاعلام الحزبي قصير الذنب والعاجز بفكره الاعلامي وتفكيره المنغلق. نشرت مقالا انتقدت فيه مقاطعتي بكلمات حادة، وكنت أفكر بوقف دعمي ونفض يدي نهائيا من تنظيم لا يريد دعمي له وهو عاجز عن لعب الدور الذي أخذته على مسؤوليتي.

لفت المقال انتباه بعض أفراد جبهة الناصرة الغارقة بالنوم المطمئن على ريش النعام، ربما نوم الغزلان، فتدخل سهيل دياب واديب أبو راحمون بإيعاز من رامز جرايسي كما فهمت، "لفهم سبب مقاطعة جريدة الاتحاد لمقالاتي الداعمة للجبهة" يقظة نادرة من نومة اهل الكهف التي ميزت شخصيات الجبهة في السنوات الأربعين الماضية.. شرحت لهما بأن هذه ليست اول مقاطعة تفرض على نبيل عودة، بل هي مقاطعة متواصلة منذ آخر ثلاث او أربع معارك انتخابية، رغم إني كنت دائما المسوق الوحيد للجبهة في الناصرة في الكتابة والنشر .. وواجهت تحريضا وتهديدا من قوائم ومرشحين منافسين نُشرت أخبارها بوسائل الاعلام المحلية وغير المحلية وتجاهلتها الاتحاد. بل وحولت جريدة "الأهالي" التي صدرت بين عامي 2000- 2005 وكنت نائبا لرئيس تحريرها المفكر الشاعر والإعلامي سالم جبران الذي جرى انقلابا مخجلا ضده اضطره للاستقالة من تحرير الاتحاد ومن الحزب الشيوعي الذي كان عضوا في مكتبه السياسي، الى جريدة دعمت الجبهة، بل ورفضنا نشر أي اعلان معاد للجبهة على صفحات الأهالي ..

مع نهاية المعركة الانتخابية الأخيرة للبلدية، وقبل اجراء الانتخابات المعادة لرئاسة البلدية، نشرت مقالا حادا جدا حول مقاطعتي الغبية وقليلة العقل من صحيفة "الاتحاد" وقادة الحزب والجبهة.

جرى تدخل آخر.. واعترف ان باب النشر فتح أمامي على اتساعه، فنشرت مقالات ونقد ادبي وقصصا، لكن الربيع بيني وبين الحزب والجبهة والاتحاد، كان قصيرا جدا، إذ لم يستمر أكثر من شهرين، عادت بعدها حليمة لعادتها القديمة.

كان استمراري بالوقوف مع الجبهة في الناصرة، اشبه بمن يلعب بسخام جدته.

قررت ان اتعرف على رئيس بلديتنا الجديد علي سلام، أولا هنأته بالانتصار، رغم إني لم اكن من المصوتين له، لكنه فاز بشرف. وساءني عدم تهنئة الجبهة له .. وهو ليس نبتة غريبة على الساحة البلدية، بل جاء من صفوف الجبهة التي خدمها أكثر من 20 سنة، نائبا للرئيس وقائما بأعمال رئيس البلدية. أي إني لم ادعم معاديا للجبهة، او نبتة غريبة عن الجبهة، بل انسانا ترك إدارة عمله في المقاولات، وتفرغ لخدمة اهل مدينته باطار جبهة الناصرة الديموقراطية.

هنا بدأت التهجمات السوقية ضدي من قطاريز الجبهة. تبين لي بشكل قاطع أني وقفت مع تنظيم أفلس سياسيا، بلديا، أفراد وأخلاقا. لم يطرحوا نقاشا، بل شتائم واوصاف ضمن اللسان السيء. لكني اخترت الرد عليهم بقصص ساخرة اضحكت القراء، وهذا يكفيني. كنت على وعي ان الجبهة لم تعد ذلك التنظيم الذي ساهمت بتشكيله تحت قيادة المرحوم غسان حبيب.. بل بقايا خرق ممزقة.

الجبهة الأم تفككت للأسف الشديد بعد اول انتصار للجبهة. تركها 700 – 800 أكاديمي من أبناء الناصرة، تركها 300 -350 تاجر وحرفي، تركها مئات الطلاب الجامعيين أبناء الناصرة. بل واستقال عدد غير قليل من أعضاء الحزب الشيوعي، شكلوا قائمة منافسة للجبهة هي "القائمة التقدمية". التي حصلت كما اذكر على أربعة مقاعد في اول انتخابات للبلدية بعد انشقاقهم .. ثم شكلوا قائمة كنيست منافسة للجبهة.

لا اريد التعرض الآن لأسباب الانشقاق، لكني أقول جملة واحدة: فشلت قيادة الجبهة وقيادة البلدية في صيانة اهم تنظيم سياسي أقامه العرب في إسرائيل .. والمسؤولية هي مسؤولية قيادة الجبهة والحزب الشيوعي، وفشلهم الفكري والسياسي والتنظيمي والشخصي!!

خوض علي سلام لانتخابات البلدية بقائمة منفصلة كان ردا على نفس التصرفات التي فككت الجبهة سابقا. التآمر ضد الحلفاء، والاستهتار بقدراتهم ودورهم.

لم أتوقع ان يهزمهم علي سلام. هذه حقيقة، لكنه انجز ما كان يبدو مستحيلا.

نعود لصحيفة الاتحاد.

بعد ان ذاب الجليد بيننا وعدت انشر مقالاتي واعمالي الأدبية في صفحاتها، تفاجأت بعد فترة قصيرة، بعودة المقاطعة. توجهت لرفيق شيوعي ، عضو لجنة منطقة للحزب وصديق شخصي لي يعرف تفاصيل المقاطعة ويحاول ان يثني رفاقه عن مقاطعتي، مؤكدا ان خسارة نبيل عودة هي خسارة لحزبهم.

في مؤتمر للحزب او للجبهة ( لا فرق الحسن أخو الحسين) توجه ذلك الرفيق لأحد "قادة الحزب" ومسؤول عن جريدة الاتحاد مستفسرا عن سبب عودة المقاطعة لنبيل عودة. كان الجواب من ذلك "القائد" بالحرف الواحد كما نقل لي: "لأن فرع الناصرة "زب نمر" هدد بعض أعضائه بالاستقالة إذا واصلت الاتحاد النشر لنبيل عودة، ولا نستطيع عدم الاستجابة لفرع الناصرة".

بعد هذا الجواب، وبعد الترسبات الكثيرة التي احملها في صدري من طريقة تعامل الجبهة والحزب الشيوعي معي شخصيا، قررت ان تاريخهم انتهى وامامي مهمة تحجيمهم واعادتهم الى قيمتهم الفعلية، غوغائيين بلا ضمير، بلا فكر، ببغاوات يرددون مقولات وشعارات فارغة من المضمون، حزب فارغ من قيادة قادرة على التفكير، وعلى صياغة برنامج تنظيمي وفكري وسياسي يعيد لهم مكانتهم التي انحدرت الى الحضيض.

لا اعرف مدى مستوى ثقافة الرعيل الجديد، البعيد عن التثقيف الفكري والسياسي الذي كان سائدا في الأيام الجميلة من تاريخ الحركة الشيوعية في بلادنا.

أحدهم يهاجمني بأني أمس كنت جبهويا واليوم مع علي سلام، وماذا غدا؟

هذا الغبي الجاهل وزملائه (رغم شهاداتهم الأكاديمية) لم يستوعب بعد دوافعي لدعم علي سلام، في الوقت الذي كنت فيه المسوق الوحيد للجبهة في انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة، وفي جميع الانتخابات السابقة، ما عدا واحدة منها.

اولا انا من جيل مؤسسي جبهة الناصرة الديموقراطية، كما أسلفت، لكن مع اول انتخابات التي انتخب فيها المرحوم توفيق زياد رئيسا للبلدية، وقع الخلاف المدمر للجبهة الذي أثر بقوة على مكانة الجبهة ومبادئ الجبهة وتركيبة الجبهة، واستغرق الوقت 40 سنة حتى اضمحل هذا الجسم الرائع، وتفككت الجبهة الى قوى مختلفة.

لا اكتب لأني عدو، بل لأني متألم من هذا المسار المخجل والمدمر لأهم تحالف للعرب في إسرائيل. قناعتي انه يجب تفككيك الحزب الشيوعي وجبهته، تفكيك سائر التنظيمات الحزبية او شبه الحزبية والدينية، والبدء بتفكير لإقامة تنظيم "مجتمع مدني" وليس تنظيمات حزبية انتهى زمنها وفائدتها، واصبحت مدعاة للصراع الانتهازي والتفسخ الاجتماعي، تدار كما تدار القبائل، وعامة انتهت صلاحيتها الفكرية والتنظيمية مع اختلاف التركيبات الاجتماعية ومستوى التطور العلمي والتعليمي لمجتمعنا.

علي سلام ليس نبتة غريبة، بل انسان نشأ وتطورت قدراته لإدارة بلدية الناصرة عبر تكريس 20 سنة من حياته خدمة لأهل الناصرة والجبهة بشكل مباشر كنائب رئيس البلدية وقائما بأعمال الرئيس (أي رئيس بلدية بصلاحيات). هل كان وقتها سوبر ستار والآن أصبح سيئا وغير ملائم؟

إقامة الجبهة كان عملية خلق سياسي ابداعي هام جدا، ولا أرى انه يتكرر بناء على ميول ورغبات فقط. ما يسمى اليوم جبهة هي تنظيم سياسي تحت سيطرة الحزب الشيوعي ومجموعة من الانتهازيين الفاقدين للقدرة على الابداع السياسي والفكري والتنظيمي والاعلامي، جل صراعهم على مكاسبهم الشخصية. لا فكر جبهوي في

تركيبة ما يسمى جبهة اليوم، ولا فكر جبهوي في طروحاتها، بل فكر حزبي ضيق جدا، فاشل جدا ومأزوم جدا. كل ما تطرحه الجبهة اليوم هي مواقف قادة حزبيين لا أرى حتى صلاحيتهم لقيادة الحزب.

أرى انه حان الوقت للانتقال الى شكل تنظيمي جديد، أكثر حضارية، وأكثر تأهيلا وعقلانية لقيادة الجماهير العربية، واعني تنظيم "مجتمع مدني"، يقوم على أساس القدرات الشخصية للإنسان، وليس على أساس انتماء قبلي تحت صيغة حزب سياسي. الحزبيون ليسوا ابقارا مقدسن بل تحولوا الى عائق فكري واجتماعي وسياسي. مواقفهم تثير الشفقة والاستهتار من كل انسان يملك وعيا سياسيا وفكريا اوليا، ما نشهده اليوم هو ايصال شخصيات كل مؤهلاتها هو الانتماء والخضوع لتنظيم أفلس أيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا.. الحزبية اصبحت تشكل عائقا على تطور وتطوير خطابنا السياسي والمدني.

نصيحتي لكم، وهو ما سجلته بأول منشور في الانتخابات السابقة حين كتبت "لا تهدموا الجسور بينكم وبين علي سلام ستحتاجون اليه او يحتاج اليكم"، لكنكم واهمين بمكانتكم، تتجاهلون انكم من هبوط الى هبوط حتى هزيمتكم الأخيرة. لعلكم الآن تستعيدون بعض وعيكم، وتجدون الطريق لإعادة بناء العلاقة مع رئيس البلدية علي سلام. ولا تنسوا انه جاء من صفوف الجبهة، ويواصل تنفيذ المشاريع الحيوية الهامة لمدينة الناصرة، معكم او بدونكم !!

بقلم/ نبيل عودة