في خطوة غير مسبوقة وتعدي سافر لحقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة وللشريعة الدولية والقرارات الدولية تعتزم الولايات المتحدة الأميريكة نقل مقر سفارتها من تل أبيب إلى القدس في الرابع عشر من أيار القادم والذي يصادف فيه تزامنا مع ذكرى النكبة الفلسطينية فى عام 1948، متحدية بذلك قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولى ، في خطوة تجاهر فيها الإدارة الأميركية العداء لشعبنا الفلسطيني والولاء للكيان الاسرائيلي في سبيل إنجاح ما يسمى "صفقة القرن " وقرب إعلان مقترحاتها وإغلاق كل الأبواب أمام أية مفاوضات تؤدي إلى حل للصراع ويضمن حقوق شعبنا الوطنية المقرة والمعترف بها دوليا .
أهم الأسباب التى دفعت واشنطن إلى نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس وتتلخص بعدة نقاط أهمها :
- الصراعات العربية ووهن الأمة العربية ونشر الإرهاب فيها:
يعود التسارع الأميريكي في نقل السفارة الأميريكية إلى القدس وذلك لحالة الضعف التي تعاني منها الدول العربية ونشر الإرهاب فيها لتدميرها وإنهاك جيوشها وشغلها عن القضية الفلسطينية التي هي أساس الصراع في المنطقة وخاصة بالدول المحيطة بكيان الاحتلال .
- خطة ترامب فى الشرق الأوسط واستغلال الوقت لصالح الكيان الاسرائيلي :
من الواضح جلياً أن الخطوات الأمريكية السريعة الخطى فى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، يُعد جزءاً أساسياً من خطة ترامب وإدارته فى الشرق الأوسط، خاصة أن إدارته عكفت على وضع خطة جديدة حول الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، تلك الخطة الأمريكية والتى تزعم أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سينهى الصراع الفلسطينى الإسرائيلي ويحسم المعركة لصالح الكيان الاسرائيلي .
- إنقاذ نتنياهو من قضايا الفساد التي تلاحقه :
يعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بمثابة طوق نجاة لـ نتنياهو رئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي الذى تحاصره قضايا الفساد من كل حدب و صوب ، وسط غضب إسرائيلي واحتجاجات عارمة تشهدها تل أبيب من وقت لآخر بسبب تورطه فى الفساد، إلا أن ترامب أكد على علاقاته القوية مع نتنياهو عقب توصية الشرطة الإسرائيلية رسميا النيابة العامة بتوجيه تهمتي تلقى الرشوة وخيانة الأمانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
حرب دينية يقرع طبولها الإحتلال :
كل المؤشرات تؤكد أن كيان الاحتلال سيشرع بالأسابيع القليلة المقبلة بحملة لإغلاق المسجد الأقصى لعدة أيام مع اقتراب موعد نقل السفارة ، في حين شرع الشارع الفلسطيني بتصعيد وتيرة انتفاضته ضد هذا القرار الجائر بحق المدينة المقدسة ، والمتابع للأحداث المتسارعة في مدينة القدس يلاحظ ازدياد هجمات الاحتلال وتوسيع مشاريعه باستهداف واضح لسكان المدينة ومقدساتها فمن الطبيعي أن تولد هذه الأفعال الإجرامية والمشاريع الاستيطانية الاسرائيلية ضدّ أبناء شعبنا الفلسطيني بمدينة القدس المحتلة وبعموم مناطق الضفة الغربية ردود فعل غاضبة من قبل أبناء الضفة الغربية خصوصاً بعد حديث الكيان الاسرائيلي عن مشروع تهويد كامل مدينة القدس بشكل كامل.
حالة الغضب الفلسطينية في المدينة ظهرت من خلال مجموعة ردود الفعل على التعديات والاستفزازت الصهيونية للمقدسيين، ومن هذه الاستفزازات قيام مجموعات من قطعان المتطرفين الاسرائيليين بمحاولات مستمرة لاقتحام وتدنيس المسجد الأقصى والتعدي على المقدسيين وفرض مشاريع الاستيطان على بلداتهم وتهجيرهم منها في حرب دينية يقرع الاحتلال طبولها ، ومن هنا فمن الطبيعي أن تمثل هذه الاستفزازت والتعديات الاسرائيلية سابقة خطيرة، وهذا ما دفع مواطنين من عموم مناطق الضفة الغربية للقيام بعمليات فدائية بطرق مبتكرة كردّ فعل على الاستفزازات الاسرائيلية بمدينة القدس المحتلة .
وفي هذه المرحلة الدقيقة يلاحظ بشكل واضح أنّ قادة الاحتلال يعدّون العدة لإعلان ساعة الصفر للحرب الدينية التي يقرعون طبولها والتي ستنطلق قريباً بمدينة القدس وبعموم مناطق الضفة الغربية، وفق ما تروج له السلطات الاسرائيلية الخاصة وذلك بتصفية القضية الفلسطينية، وهذا ما يؤكد أنّ الكيان الاسرائيلي يسعى إلى تحويل معركته بعموم مناطق الضفة إلى معركة بين اليهود والمسلمين، وهذا ما صرّح به أكثر من مسؤول اسرائيلي مؤخراً، وهذا ما يجرى العمل عليه الآن على أرض الواقع بعموم مناطق الضفة الغربية وبالقدس بشكل خاص.
وأخيراً ورغم كل ذلك، فإن شعبنا الفلسطيني لم ينسى أو يتنازل عن حقوقه في أرضه ووطنه، وسنظل على العهد الى أن نسترد كافة حقوقنا مهما طال الزمن أو قصر ، وإن كان التاريخ مدرسة ننهل منها، فصفقة القرن مقدمة لحروب قادمة وهي جوهر الصراع في منطقتنا العربية ، وكل ما يدور في منطقتنا من نشر للإرهاب والفوضى يقف خلفه كيان الاحتلال لإبعاد الأنظار عما يجري بالقدس وفي الجوهر لن تنجح أي صفقة سياسية وأمنية تهمش الشعب الفلسطيني وتستفز مكونات الأمة العربية والإسلامية في حقوقها وقيمها ولن تنجح صفقة تتنازل عن القدس وتقبل بالجدران والفصل العنصري والطرد الجماعي والفردي والقضاء على حق العودة فلا سلام مع الظلم، ولا استقرار مع التعدي على مقدساتنا وأرضنا، وستبقى القدس عاصمة فلسطين الأبدية فمصير هذه الصفقة الفشل فنقل السفارة إلى القدس كمن يصب الزيت على النار
بقلم / الأستاذ وسيم وني مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث
.