" لن نخلف أحدا ورائنا ، لينته العنف ضد النساء والفتيات " شعار جميل رفعته الأمم المتحدة ، ولكنه لم يغير شىء على أرض الواقع فيما يتعلق بالمرأة الفلسطينية التى تمارس سلطات الاحتلال الاسرائيلى بحقها كل أشكال العنف والاضطهاد والانتهاك على الصعيد النفسى والجسدى دون ضغوط حقيقية لوقف هذه الانتهاكات .
فنبيلة هى الأهداف التى سعى لها العالم بالتذكير بحقوق المرأة في الثامن من آذار لكل عام ، هذا اليوم الذى يعترف به الجميع بمكانتها وانجازاتها ومشاركتها الفاعلة والمنتجة في المجتمع ، بلا تقسيمات قومية واثنية وغير ذلك من اختلافات اللغة والثقافة والبيئة الاقتصادية والسياسية ، وتمكين المرأة والعمل على تحقيق التنمية المستدامة والسلام الأمن واحترام حقوق الإنسان .
وعلى الرغم من نقاء تلك الأهداف والمعايير النظرية ، فهنالك ازدواجية في التعامل مع المرأة الفلسطينية على أرض الواقع من قبل المؤسسات الدولية الحقوقية والانسانية ، لحرمانها من أبسط الحقوق الانسانية المشروعة في ظل الاحتلال الاسرائيلى الذى مارس القتل والابعاد والسجن بحقها .
وأتسائل : ما مدى جدوى الاحتفال بيوم المرأة العالمى - الذى من المفترض - أن لا يضع حدود وسدود دينية وجغرافية وثقافية ، في ظل مئات الانتهاكات الجسدية والنفسية والقانونية بحق المرأة الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلى الذى اعتقل ما يقارب من 15000 امرأة وفتاة فلسطينية لا زال منهن ما يقارب من 62 معتقلة في سجنين سيئين " هشارون والدامون " يفتقرن للشروط الحياتية الدنيا ، وقام بقتل المئات من بينها اعدامات ميدانية على مرأى الجميع بمبررات أمنية واهية ، دون تحريك ساكن من العالم والمؤسسات المعنية لانقاذها والدفاع عنها .
فإدارة السجون تنتهك كافة الحقوق الإنسانية للمعتقلات ، وتقوم باجراءات عقابية مشددة بحقهن ، كالغرامات والعقابات ومنع الزيارات وادخال الكتب ، بالإضافة للتفتيشات المستمرة والأحكام الردعية ، والاكتظاظ فى الغرف وقلة مواد التنظيف ، ومنعهن من تقديم امتحان الثانوية العامة ( التوجيهي ) والجامعات ، والحرمان من زيارة الأهل وإدخال الملابس والاحتياجات الخاصة ، والطعام السىء من حيث الوجبات التى لا تراعي وضعهن الصحى .
وأجهزة الأمن الاسرائيلية لا تفرق في تعاملها بين رجل ، وامرأة ، وطفل ، وكبير في السن ، فيتم اعتقال المرأة الفلسطينية بظروف غير انسانية ، ويمارس بحقها الضرب والتنكيل والضغط النفسى والجسدى والتعذيب والتفتيش المهين والإهانة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر في شهادة الانتهاكات ما اتضح من خلال قضية الأسيرة المريضة اسراء الجعابيص ومعاناتها ، والقاصر عهد التميمى وغيرهن كثر .
فالمحاكم الاسرائيلية العسكرية تفتقر للشروط القانونية ، وتعانى الأسيرات من الاكتظاظ الشديد ونقص الأسرّة، والغرف الضيقة غير الصحية المليئة بالحشرات ، برطوبة عالية وقليلة التهوية ، والمؤثرة على النظر والرؤية ، ويتم نقل المعتقلات المريضات والجريحات عبر عربة "البوسطة" والتي تزيد من أوجاعهن، ويمارس بحقهن سياسة الاستهتار الطبى ، وأحياناً يتم وضعهن في أقسام قريبة من أقسام السجينات الجنائيات الإسرائيليات اللواتي يقمن بالاعتداء والتضييق عليهن .
في هذا اليوم علينا أن نكرم المرأة الفلسطينية التى دافعت ببسالة داخل السجون وخارجها ، ودفعت أثماناً كبيرة أسوة بالرجل لتحقيق الحرية كحق مشروع كفلته الاتفاقيات الدولية لحق تقرير المصير ، وشاركت بجدارة على كل المستويات فى العمل النضالي ، وتعرضت للاعتقال والإبعاد والإقامة الجبرية والشهادة ، و خاضت المرأة المعتقلة في السجون الاسرائيلية العديد من النضالات والخطوات الاحتجاجية والإضرابات المفتوحة عن الطعام في سبيل تحسين شروط حياتهن المعيشية، والتصدي لسياسات القمع والبطش اللواتي تعرضن لها.
وشاركت بفاعلية في صفوف القوى الوطنية والاسلامية ، وفى العمل المدنى والسياسى والنقابى والجماهيرى ، ورفعت صوتها عالياً مطالبة باسترداد حقوقها المسلوبة ، وأرضها وكرامة شعبها وحريتها ، وامتشقت البندقية وقاومت في العمل الكفاحى والجهادى ، وتعرضت لكل أنواع التعذيب بصبر وصمود .
في الثامن من آذار في هذا العام 2018 أتمنى على المؤسسات الدولية والحقوقية والانسانية ، بالنظر للمرأة الفلسطينية ، وحمايتها ورعايتها ومساندتها ودعمها ، والضغط على الاحتلال لوقف نزيف الدم المتكرر على الحواجز وجوانب الطرقات ، وتحقيق حريتها من ضنك وضيق السجون ، ومحاكمة مرتكبيها من زعامات الاحتلال وإدارات المعتقلات .
بقلم/ د. رأفت حمدونة