ما وراء مؤتمر البيت الابيض حول غزة..؟

بقلم: هاني العقاد

ليس لان غزة تسبب قلقا للعالم او يخشي العالم انفجارها او رجف قلب واشنطن لمعاناة ابناءها الذين ماتوا قبل اوانهم او بات هذا الحاكم او ذاك قلقا لجوع ابنائها , او بات العالم يخشي مزيدا من الانهيار لكل مركبات الحياة البشرية هناك ,لكنها المرحلة المطلوبة الان لفتح ملف غزة ووضعه على طاولة القرار الامريكي كملف مهم من ملفات صفقة القرن الذي يجب تفكيك محتوياته باعتبار غزة مركز الحل الذي تبرمج له الولايات المتحدة الامريكية منذ فترة طويلة , ملف غزة اليوم يطرح على طاولة البيت الابيض في مؤتمر تهيئي لتطبيق صفقة القرن باعتبار غزة العقدة وحل هذه العقدة يعني حل الصراع الطويل , وهنا تعتقد واشنطن انها اخرجت القدس من ملف الصراع بإعلان ترامب الاخير , ليس هذا فقط وانما اخرجت ملف اللاجئين الفلسطينيين ايضا عبر المحاولات الاخيرة لتفكيك هذا الملف وانهاء دور وكالة الغوث الدولية المتمثل في اغاثة وتشغيل اللاجئين عبر تقليص بل وقف كل اشكال الدعم المادي والإيعاز لدول المحور الأمريكي اتباع تعليمات واشنطن في هذا الاطار.

جيسون غرنبلات في مقالة له في صحيفة الواشنطن بوست مؤخرا قال "انه استجابة للوضع الانساني المتدهور في غزة تستعد مجموعة من البلدان ذات المصلحة لعقد جلسة عصف ذهني في البيت الابيض الاسبوع المقبل لإيجاد حلول حقيقية لمشاكل القطاع ", وقال غرينبلات "إنها حماس وليست الولايات المتحدة أو إسرائيل التي نهبت الثروات الهائلة وأنفقتها على الأسلحة لترويع الإسرائيليين، بدلاً من إنفاقها على المستشفيات والمياه والمدارس والأمور الكثيرة الأخرى التي تحتاجها غزة أكثر حاجة، وقد فرضت حماس، وليس إسرائيل، القيود المتزايدة على غزة من خلال إخفاء المواد لصنع الأسلحة في شحنات المساعدات الإنسانية وغيرها من السلع التي يتم نقلها إلى غزة، وقد فعلت ذلك بشكل متكرر". وعشية المؤتمر المزعوم خرج غلانبلات ليقول كلاما اكثر وضوحا "ان ادارة ترامب تعتبران تدهور الظروف الانسانية في غزة يستحق اهتماما فوريا" واضاف "ان معالجة الوضع في غزة امر حيوي لأسباب انسانية ومهم لأمن مصر واسرائيل ويشكل مرحلة ضرورية للتوصل الى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين" .

ليس كما يدعي غرنبلات ان امريكا يقلقها الوضع الانساني في غزة بل ان امريكا كانت تنتظر هذه اللحظة لتنبي على هذا وتسارع لتناول ملف غزة خارج ملف الصراع لتظهر ان غزة لب الصراع وعقدته وليس أي ملف اخر , ولعل هذا يعني ان خطة صفقة القرن لان وصلت للمرحلة الثانية وهي مرحلة الحلول الفعلية على الارض لحل ملف غزة الذي تراه الادارة الامريكية ملحا للتوصل لحل شامل للصراع و اقامة دويلة لهم وهو الحل على اساس غزة الدولة القادمة للفلسطينيين حسبما تم تسريبه من ما جاء في صفقة القرن , هذا يدلل ان الولايات المتحدة قد تبحث خطة لفرض الحلول والاملاءات وقد تستغل امريكا حالة الانقسام التي باتت تهدد كل شيء وتنهي المشروع الوطني مقابل المشروع الامريكي لحل الصراع , ولا اعتقد ان هناك امل تبقي لان ينتهي الانقسام سريعا ويوقف المخطط الامريكي الكبير لان الفلسطينيين اضاعوا كل الفرص واستنزفوها تماما .

لا استبعد ان يكون طرفا فلسطينيا ما الان يحضر مؤتمر واشنطن لبحث اوضاع غزة لأنه لا يستطيع أي طرف اقليمي ان يحل محل الفلسطينيين سواء حماس او القيادة في رام الله , ولا يتجرا احد ان يجلس بديلا عنهم او يوقع أي صفقة قادمة ولكن يمكن ان يقبل طرف فلسطينيين ان يكون المنقذ لانهيار الحياة في غزة , ولا استبعد ان تكون واشنطن برمجت كل شيء للبدء بأحداث شرخ كبير في جبهة الرفض الفلسطيني للصفقة الامريكية وعدم قبول ما يطرح الان وهي جزء من خطة الاطاحة بكل من ابو مازن وحماس بالإجراء الفعلي من طرف ما من الفلسطينيين وبهذا تكون قد تخلصت من لاءات ابو مازن و ازاحته عن المشهد و اوجدت قيادة بديلة تشرعن لها مستقبلا . خطة خبيثة تلك التي اعلن عنها غرنبلات اليوم ولو لم تكن واشنطن تعرف ان فتح ملف غزة يمكن ان يأتي بنتائج ايجابية على صعيد تطبيق فعلي للجزء المتعلق بالصراع في صفقة القرن لما كان هذا المؤتمر ولما تعاطفت واشنطن مع اهل غزة وسارعت تتحدث عن حل فوري للأوضاع المساوية هناك , لهذا فان ادراك خطورة الوقف وعلاجه بات مهما لكل من القيادة في رام الله وحماس في غزة لإسعاف المشهد وتفريغ المؤتمر من محتواه وهذا يتوقف بشكل عاجل على سرعة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتمكين حكومة الوفاق من مهامها واستلامها الامن بالكامل والجباية و الموظفين وكل صغيرة وكبيرة وانهاء كافة الاجراءات التي تستهدف غزة والاعلان رسميا عن موعد للانتخابات العامة واعلان كل من حماس والجهاد الاسلامي قبولها حضور جلسة المجلس الوطني القادمة بل وحضور ابو مازن شخصيا الى غزة لأثبات ان غزة والضفة كيان واحد وقطع الطريق على واشنطن وازلامها و ارسال رسالة لواشنطن ان حل الصراع لن يبدأ من غزة بل من القدس واللاجئين والاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 بما فيها القدس , ولا يمكن ان يسمح الفلسطينيين لاحد ان يوظف اختلافهما لتصفية الصراع لحساب اسرائيل والمشروع الامريكي .

بقلم/ د.هاني العقاد