تشهد غزة حالة من أسوأ الحالات التي مرت بها منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي، تدهور اقتصادي وانعدام للخدمات الاجتماعية والانسانية لما يقرب من مليوني ونصف نسمة يُعايِشون أزمات خُلقت لتعصف بحياتهم ومستقبل الشباب والأطفال منهم وتهدد سلمهم الاجتماعي وتصادر حقوقهم الاجتماعية والسياسية وغيرها، وفُرض عليهم العزل عن المجتمع الخارجي.
تُوجت جميع الأسباب التي أوصلت غزة إلى ما هي عليه الآن بسبب واحد ألا وهو الانقسام الفلسطيني، ولو عدنا قليلاً إلى ما قبل الانقسام الفلسطيني حين انسحب الاحتلال الاسرائيلي من غزة وهنا كمنت الأخطاء، فلم يتم استثمار الانسحاب الاسرائيلي وكمية الدعم العربي والأوروبي ببناء غزة وتطويرها، بل سُنت السيوف وشيدت الحصون من أجل الاعداد للمعركة الكبرى التي تمثلت بالتنازع على السلطة ومقاليد الحكم وتناسينا الهدف الأكبر والأسمى وهو تحرير القدس الشريف وطرد المستوطنين من أراضي الضفة الغربية والتصدي للجدار العازل وغيرها.
في ظل المرحلة الحالية ولاعتبارات سياسية ووفقاً للمتغيرات الاقليمية نشطت القاهرة في ملف المصالحة وتقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس وتصر على انهاء هذا الملف، ومازالت تعقد اجتماعات مع وفود الفصائل الفلسطينية وبالتركيز على ديمومة اللقاءات مع قيادة حركة حماس تحديداً والتي مازالت تسيطر فعلياً على غزة التي تربطها حدود مع مصر، وبالتالي فإن مصر معنية بحسن العلاقة مع حركة حماس من أجل مواصلة التعاون الأمني في ملاحقة الجماعات المتشددة وضبط الحدود بين غزة ومصر نظراً لما تشهده سيناء من معارك ضارية بين الجيش المصري والجماعات المتشددة، وبالمقابل فإن مصر تحافظ على متن العلاقة مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس الذي يمثل هرم السياسة والدبلوماسية الفلسطينية، تبقى غزة هي المعضلة الأساسية التي حيرت جميع الاطراف في كيفية التعامل مع ملفاتها سواءً المجتمع الدولي أو اسرائيل أو الدول العربية وكذلك السلطة الفلسطينية التي تحارب من أجل أن لا تكون غزة كياناً منفصلاً يتم التعامل معه بعيداً عنها، وهذا ما تم مؤخراً في مؤتمر غرينبلات في البيت الأبيض بحضور وفود من بعض الدول العربية والذي رفضته القيادة الفلسطينية واعتبرته محاولة لتمرير صفقة القرن وسلخ غزة عن الجسد الفلسطيني الواحد، وهذا ما يسعى له الرئيس الأمريكي ترامب إلى جانب حكومة الاحتلال الاسرائيلي في الوقت الذي تقطع فيه أمريكا الدعم المالي عن الأونروا يرتدي ترامب لباس المحسنين ويختبئ في عباءة المكر والخبث والمؤامرة ويطالب مصر واسرائيل بضرورة الاسراع بالتخفيف عن سكان غزة لأهداف سياسية قد تحقق مراده بدءً بفصل غزة من خلال التعامل معها بعيداً عن السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس والأونروا من جهة أخرى مما قد يساهم في اطالة عمر الانقسام، وتكون أولى الخطوات لصفقة القرن المشؤومة.
من ناحية أخرى لازال الموقف الفلسطيني مبعثراً ومازالت الخلافات قائمة وتزداد تعقيداً والساحة مازالت مفتوحة لإشكاليات تطرح نفسها بقوة كان آخرها محاولة اغتيال رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله ورئيس المخابرات اللواء ماجد فرج وقبلها الدعوة لانعقاد المجلس الوطني الذي ترفضه حركة حماس وتعتبره تكريساً للانقسام الفلسطيني وانضمت الجبهة الشعبية لقائمة الرفض للمشاركة فيه.
غزة لا تحتمل لمزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني ولن تبقى معقلاً للصراعات السياسية والاقليمية.
بقلم: أحمد يونس شاهين
أمين سر الشبكة العربية للثقافة والرأي والاعلام