أمريكا ودول الغرب الإستعماري،تركز في محاولة حلها للصراع العربي- الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية على الحلول الإقتصادية والأمنية،وليس بواردها تحقيق حل سياسي ينهي الإحتلال،ويمنح الشعب الفلسطيني حقه في الحرية والإستقلال،من خلال تلبية الحد الأدنى من حقوقه الوطنية المشروعة،دولة فلسطينية وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران/1967،وحق العودة لللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي (194)،وكل اطروحاتها للحل تتماشي مع المشاريع السياسية التي تطرحها دولة الإحتلال بمختلف تلاوينها ومكوناتها الحزبية،التي يغلب عليها الطابع اليميني العلماني والديني،سلام اقتصادي ولا دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر ولا عودة لحدود الرابع من حزيران /1967،فبلير مجرم الحرم وقاتل أطفال العراق،والذي جرى تعينه مسؤولاً للرباعية الدولية في حزيران 2007،خطته كانت تتوافق مع طرح نتنياهو للسلام الإقتصادي،بتحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال مقابل تأبيد وشرعنة الإحتلال،ولكن هذه الخطة ماتت،فحتى المشاريع التي كان يقيمها الإتحاد الأوروبي وغيرها من الدول،كان جيش وحكومة الإحتلال يعملون على تدميرها،او منع اقامتها،رغم أن بلير كان صهيونياً اكثر من الصهاينة انفسهم،واليوم في ظل حالة الإستعصاء للحل،وفي ظل انتقال الإدارة الأمريكية الحالية من الإنحياز التاريخي لجانب دولة الإحتلال الى المشاركة الفعلية في العدوان على شعبنا،والمتمثل فيما يسمى بصفقة القرن،صفعة العصر،والتي ظهرت ملامحها الأولية على شكل مشروع سياسي ضخم تقوده الولايات المتحدة الأمريكية،وتقف خلفه وتشارك فيه قوى عربية فاعلة واخرى غربية،بهدف التصفية النهائية للقضية الفلسطينية،حيث أعلن الرئيس الأمريكي عن قراره بإعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الإحتلال،والعمل على نقل سفارته من تل أبيب الى القدس في الرابع عشر من أيار القادم،موعد نكبة شعبنا وطرده وترحيله قسراً من أرضه على يد العصابات الصهيونية،ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك،بل عمدت الى تخفيض مساهمتها المالية للنصف في وكالة الغوث واللاجئين " الأونروا" في سعي واضح لشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين،ومنع توريث صفة اللاجىء.وهي تواصل حربها وعدوانها على الشعب الفلسطيني،فكل يوم نسمع عن قرارات أمريكية جديدة من اجل الشطب الكلي لحقوق شعبنا الفلسطيني وقتل حلمه في الحرية والإستقلال،وتصفية قضيته نهائياً.
الخطة الأمريكية المزمع طرحها قريباً والمسماة بصفقة القرن،اعلنت السلطة الفلسطينية وكل الفصائل والمكونات السياسية والمجتمعية والفلسطينية رفضها لها،والسلطة الفلسطينية اعلنت عن قطع كافة اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية،على خلفية صفقة القرن.
في ظل المقاطعة الفلسطينية للإدارة الأمريكية،وقرب اعلان الإدارة الأمريكية لصفقة القرن،والتي واحدة من اهم مخرجاتها،إقامة كيان فلسطيني مركزه قطاع غزة،يلحق به إدارياً ما يتبقى من أرض في الضفة الغربية زائدة عن حاجة الأمن الإسرائيلي،بحيث يكون الأمن الخارجي في الضفة بيد اسرائيل والأردن والأمن الخارجي لقطاع غزة بيد مصر،ولذلك تحقيق هذا الغرض،ربما وجد المتطرف غرينبلات،احد مهندسي صفقة القرن،ضالته في الأوضاع الإنسانية والظروف الحياتية والإقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة،والناتجة عن الحصار الإسرائيلي والعقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة،وما يحركه هنا ليس ذرف دموع التماسيح على الأوضاع الإنسانية وإنعدام مقومات الحياة الأساسية التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة،بل هو لا يريد لتلك الأوضاع ان تنفجر على شكل حرب لا تريدها امريكا في وجه اسرائيل،ولتدارك هذا الوضع،دعا لعقد مؤتمر عصف ذهني دولي وإقليمي في واشنطن للبحث عن حلول ومخارج لما يسميه بالظروف المأساوية التي يعيشها قطاع غزة،مؤتمر حضره عدد كبير من الدول،وفي المقدمة منها،دول ما يسمى بالمحور السني العربي،والهدف الحقيقي لهذا المؤتمر،ليس أوضاع سكان غزة واهلها وما يعيشونه من حالة وظروف مأساوية،بل هدف المؤتمر تعزيز الأمن لإسرائيل ومصر والأردن،فهذه الدول هي المالكة المفاتيح لأي نظام سياسي فلسطيني،او جغرافيا سياسية فلسطينية مستقبلية.
جرينبلات والدول التي حضرت المؤتمر،تريد ان تحدث اختراق سياسي يخدم تنفيذها وتطبيقها لصفقة القرن من بوابة القطاع،من خلال تحسين الظروف الحياتية والمعيشية والإقتصادية للسكان،ولعل ما حصل من تطورات،والحديث هنا عن الإنفجار الذي استهدف موكب الحمد الله،ليس معزولاً عن ما يخطط للقطاع،فأمريكا وقوة الدفع العربي- الإقليمي خلف خطتها،ترى بأن صفقة القرن على صعيد القدس والضفة الغربية منتهية،من حيث اخراج القدس من أي عملية تفاوضية،والضفة يجري ضمها من خلال تطبيق القوانين والسيادة الإسرائيلية على مستوطناتها،وربط مستوطنات الضفة مع الأراضي الفلسطينية الواقعة خلف الخط الأخضر بشبكة مواصلات ضخمة انفاق وقطارات،اما غزة فلربما تشكل الحلقة المركزية في إستعصاء تطبيق الخطة،ولذلك لا بد من كسر هذه الحلقة،حيث هي معقل قوى المقاومة،وتملك السلاح والأنفاق،ولربما تشكل غزة حلقة مواجهة للمشروع التصفوي،ولكن هل قوى المقاومة في ظل ما يعيشه القطاع من عملية خنق وحصار وتجويع،قادر على لجم المشروع المعادي المدعوم عربياً وإقليمياً..؟؟،وخاصة ونحن نلمس بان دول الإقليم،تريد ان تنهي الصراع بقيادةٍ بديلة غير قِيادة محمود عباّس في الضفة الغَربية، قِيادة يتم التّوافق عليها فِلسطينيًا وإقليميًا في غزّة في ظِل قِيادة مُوحدة فلسطينية تتوَافق مع أُطروحات هذه الصّفقة وأبعَادها الدّيموغرافية على الإقليم وعلى المنسُوب الذاّتي.
غزة لن تكون قادرة على محاربة الكون،وخاصة بان الحالة الفلسطينية ما بعد الإنفجار الذي حدث في موكب الحمدالله،تنتقل من الخصومات السياسية والحرد والمناكفات والتحريض والتحريض المضاد الى الصراع السياسي،ولا توجد أي خطة او برامج استراتيجية للمواجهة موحدة،بل نجد بأن هناك خطوات وقرارات ذاهبة بنا نحن التدمير والإنتحار الذاتي،حيث يجري الإعلان عن النية لعقد مجلس وطني في الثلاثين من نيسان القادم،وواضح انه يعزز من حالة الإنقسام ويكرسها في ظل غياب حماس والجهاد والجبهة الشعبية عن هذا المجلس،وقد يدفع إنعقاده بالصورة المطروحة والمكان المحدد له نحو تشكيل أطر موازية للمنظمة،تلك المنظمة التي بقيت البيت الفلسطيني الجامع والموحد لكل ألوان الطيف الفلسطيني،والمعبرة عن هويته ووحدانية تمثيله.
الإدارة الأمريكية الحالية تختلف عن الإدارات الأمريكية السابقة،لجهة الإنتقال للمشاركة الفعلية الى جانب دولة الإحتلال في العدوان على شعبنا وحقوقنا وقضيتنا،والنظام الرسمي العربي،وخاصة ما يسمى بمحور الإعتدال "الإعتلال"،حيث حدثت تطورات وتغيرات عاصفة في بنيته ودوره ووظيفته،فجزء ليس بالقليل منه إنتقل للتحالف مع دولة الإحتلال،وعدم اعتبارها عدواً لأمتنا ولشعبنا الفلسطيني،وحتى اننا نشهد " إندلاق" تطبيعي عربي علني ومشرعن غير مسبوق مع دولة الإحتلال وعلى حساب حقوق شعبنا الفلسطيني.
وفي الختام نقول لا بد لنا من البحث عن طرائق وأساليب جديدة للمواجهة ولحماية وجودنا وحقوقنا وقضيتنا،وعلينا ان لا نبقى في ظل المتغيرات والتطورات الكبيرة المحيطة بنا أسرى لنفس الخيار والنهج،فلا بد من فتح الخيار والقرار الفلسطيني على اوسع وأرحب فضائين عربي واسلامي وإقليمي ودولي،حتي نتمكن من ايجاد حاضنة ومظلة تحمي قرارنا ومشروعنا وقضيتنا الفلسطينية،فالمعطيات المحيطة والتطورات تؤشر الى أن هناك حدود سياسية ستزول،وستنشأ ربما دول جديدة في المنطقة،وربما المنطقة في سبيل السيطرة على خطوط النفط والغاز قد تندفع نحو حرب شاملة،علينا أن لا نسمح لها ان تدوسنا وان نكون ضحيتها.
بقلم/ راسم عبيدات