في ذكرى مآثرة يوم الارض الخالد

بقلم: شاكر فريد حسن

في الثلاثين من آذار كل عام تحيي جماهير شعبنا الفلسطيني بمختلف الأطياف السياسية والمشارب الفكرية والايديولوجية ، في الداخل والخارج ، ذكرى يوم الأرض ، وذلك تخليداً لذكرى الشهداء الأبرار ، الذين جادوا بدمائهم ورووا التراب الفلسطيني، دفاعاً عن الارض والوطن والهوية والبقاء والتطور والمستقبل.
ان يوم الارض هو يوم انتفاضة الغضب الفلسطيني، التي تفجرت بين اوساط الاقلية القومية الفلسطينية الصامدة والمتجذرة في وطنها الابدي ، التي هبت كرجل واحد قبل 42 عاماً في وجه غول المصادرة والتهويد ، وضد وثيقة كينيغ العنصرية سيئة الصيت ، وضد سياسة الظلم والقهر والاضطهاد القومي وهدم البيوت العربية غير المرخصة ، محطمة بذلك حاجز الخوف والعجز ، وهاتفة بصوت عال ومسموع قائلة لصناع ومهندسي وراسمي مشاريع الاقتلاع والتهجير والتهويد العنصرية : اننا هنا راسخون كالصبار والسنديان والزعرور والزيتون ، وصامدون كالجبال والصخور ، وباقون في حيقا ويافا واللد والرملة وزهرة المدائن ، وفي كل موقع ومكان في ارض فلسطين التاريخية . وقد تجسدت هذه الصرخة الفلسطينية الجماهيرية في قصيدة الشاعر الجليلي البقيعي الراحل منيب مخول "منزرعون" ، الذي قال :
جذوري تغور تغور ببطن الازل
مع السنديان ولدت قديماً بارض الجليل ولما ازل
خلاياي من نبت هذا الحمى غدا جسدي خيره  فاآتمل
وروحي تعطرها ريحة تفوح بغصن رطيب خضل
دمي من عناصر هذا الثرى اذا ما تحلل ترباً يحل
بلادي بلادي فداك دمي جراحي لعينيك احلى قبل
ويوم الارض ليس مجرد ذكرى وطنية احتفالية ، بل هو رمز ومآثرة كفاحية خالدة ، ومعلم سياسي بارز ، وحدث تاريخي في سفر وسجل النضال الوطني والسياسي ، الذي تخوضه جماهيرنا الفلسطينية وقواها الحية . وقد شكل انعطافة مفصلية ونقلة نوعية هامة في حياة وتاريخ شعبنا في معاركه البطولية دفاعاً عن الوجود والحياة والكرامة والمستقبل في هذا الوطن ، الذي لا وطن لنا سواه ،ولن نرضى بديلاً له . وهو يحمل بين طياته كل معاني الصمود والتحدي والعنفوان والشموخ والمقاومة الشعبية الصلبة لكل المشاريع والمخططات الترانسفيرية والتهويدية والتهجيرية ، ولاجل صيانة الهوية الوطنية الفلسطينية . انه يوم فلسطني شامل وجامع لكل القوى والشرائح الاجتماعية والسياسية لشعبنا الصابر الصامد المناضل والمقاوم للقهر والظلم والتمييز العنصري الابرتهايدي .
ان احتفالات ذكرى يوم الارض يجب ان تتغير وتنحى منحى آخر ، فالمسيرات والمهرجانات الهشة والخلافات الفئوية الهامشية والنقاشات حول الاعلام الحزبية ورفعها في المسيرات القطرية ، افرغت كلياً يوم الارض من مضمونه النضالي وبعده الوطني والسياسي والوجودي كاقلية فلسطينية تعاني الحصار والخنق الاقتصادي والحرمان السلطوي وتتهددها سياسة المصادرة ونهب الارض في الجليل والمثلث والنقب ، وسياسة التهويد والتهجير والاقتلاع من الوطن . ومنذ الذكرى الاولى ليوم الارض ونحن نرى المهرجانات نفسها ، ونسمع الخطابات والكلمات الممجوجة ذاتها ،وقد غدت هذه الاحتفالات روتينية قاتلة وليست بمستوى الحدث ، وبدلاً من ان تتوحد  الصفوف في مواجهة التحديات الراهنة ، فانها تتفرق وتتشرذم . فلنجدد ولنبدع اساليب وتقاليد كفاحية اخرى غير الخطابات والتنافس على الظهور امام كاميرات الصحافة والمواقع الالكترونية والفضائيات ، التي لا تحصى ولا تعد.
ولتكن ذكرى يوم الارض انطلاقة تجديدية ونهضوية، وتصعيداً للكفاح والنضال السياسي والوطني الموحد في سبيل البقاء والحياة والانزراع عميقاً في ثرى الوطن ، والدفاع عن البيت والارض والانسان الفلسطيني .
ان المطلوب هو اعادة الوهج والهيبة ليوم الارض الخالد ، وآن الأوان لكي نحيي ونبعث ونعيد بناء وتشكيل لجنة الدفاع عن الاراضي ، قائدة نضالات واضرابات يوم الارض . وعاشت ذكرى هذا اليوم الأغر ، وتحية اجلال واكبار لشهدائنا الابرار خير ياسين وخديجة شواهنة ورأفت الزهيري وخضر خلايلة ورجا ابو ريا ، وسلاماً لهم .


                     شاكر فريد حسن