مسيرة العودة الكبرى التي شهدتها ميادين قطاع غزة يوم الجمعة 30-3 , شكلت لوحة وطنية لا مثيل لها , حيث الوحدة والتعاضد بين أبناء الشعب الفلسطيني بأبهى صوره , ومشاركة شعبية حاشدة ومتنوعة , شملت معظم الفصائل الفلسطينية والشرائح المجتمعية , والجميع يحذوه الآمل بإقتراب العودة والنصر, يهرولون في الطرقات الموصلة لأماكن الإعتصام السلمي , حيث الخيام المنصوبة ترمز لكافة العشائر والعائلات الفلسطينية المهجرة , يتسابق الجميع بلا استثناء إلى إظهار إيمانهم بالعودة وحتمية الإنتصار على هذا المحتل المجرم , سواء كانوا كباراً في السن وشباباً في مقتبل العمر أو أطفالاً يحفظون أسماء بلداتهم الأصلية كما يحفظون أسمائهم وأناشيد الطفولة , شاركن النساء والفتيات أيضا في مسيرات العودة وكن مثالاً للإنتماء لهذا القضية , إلتف حولهن الصغار ليستمعوا إلى قصص البلاد والهجرة , وملخص الحكايات أن لا طريق لنا للعودة الا بتمسكنا بهذا الحق وإنجازه بالقوة فهذا الزمان لا مكان فيه الا للأقوياء .
خرجت هذه الجماهير بعشرات الآلاف إلى ساحات مسيرات العودة الكبرى , تزامناً مع يوم الأرض في ذكراه الثانية والأربعين , في تجديد للعهد الفلسطيني وتوارث للحق والراية الوطنية , فالإنتفاضة الفلسطينية في الجليل في العام 1976م كانت من أجل منع مصادرة الأرض ورفضاً لتهويدها ضمن المشروع الصهيوني تطوير الجليل الذي يهدف إلى التغيير الديمغرافي في تلك المنطقة, ومسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة تأتي لتقول بأن الأرض بعد أكثر من سبعون عاماً من الإحتلال لن تتغير هويتها الفلسطينية , ولن يفلح الإحتلال في مخططاته بتهويد الأرض وتزوير التاريخ وتزييف الواقع , وفشل السياسة الصهيوني في كي الوعي الفلسطيني , حيث أن الذاكرة الوطنية الفلسطينية محصنة من الإختراق ومحاولات التشويه , واليوم وقد خضبت غزة ذكرى يوم الأرض بدماء أبنائها الطاهرة - ما يزيد عن 14 شهيد ومئات الجرحى الأبطال- , فأن عهدة يوم الأرض كإحياء لمعاني التضحية والفداء في ثقافة الأجيال وإستمراراً لمعركة الدفاع عن الأرض المباركة , تنتقل بكل فخر إلى جماهير قطاع غزة , لتكون كما غزة هي دائماً في مقدمة الركب الفلسطيني الساعي لتحرير الأرض وتحقيق العودة إلى الديار الفلسطينية .
ولعل الرسالة الأهم لمسيرات العودة الكبرى اليوم , مفادها أن فلسطين توحدنا , وأن خيار المواجهة مع الإحتلال من أجل إنتزاع حقوقنا هو القاعدة الأفضل للوحدة الفلسطينية الراسخة , فلماذا الإختلاف والتضاد ونحن نملك القضية الجامعة التي يلتف حولها كافة أبنائها والمنتمين إليها , فكلما كانت وجهتنا فلسطين ومقصدنا حريتها وتطهير مقدساتها , فإن قلوبنا تتآلف وسواعدنا تتوحد وجهودنا تتضافر ونسير على قلب رجل واحد بقوة دفع معتبرة نحو إستخلاص الحقوق الفلسطينية من بين أنياب الضباع الصهيونية التي لا تقوى على الصمود أمام صرخة الحق الفلسطيني المدوية .
غزة الجريحة المحاصرة , تتجاسر على جراحها وآلامها , وتخرج رافعة راية فلسطين , مطالبة بحق العودة عبر مسير جماهير هادر , وقف أمامه المحتل الصهيوني عاجزاً مهزوماً , وهو الذي توهم أن حصاره الظالم وقمعه الإجرامي سيشطب من ذاكرتنا حق العودة لأرض فلسطين, وما جرائمه اليوم بإطلاق الرصاص الحي على صدور ورؤوس المشاركين الا خوفاً وخشية مما هو قادم من زحف مليوني نحو فلسطين وعلى كافة الجبهات , محاولاً بهذه الجرائم ردع أبناء شعبنا وتخويفهم من الإقتراب من السياج الحدودي المصطنع ,غزة الباسلة المنتفضة حامية المشروع الوطني ورافعة لكل الوطنيين والثوريين الطامحين للحرية والإستقلال , أليس من الواجب مكافأتها والإبتعاد عن معاندتها والرجوع عن عقاب أهلها ,وإيصال كافة الإحتياجات الطبية فوراً لمستشفياتها وهذا أقل الواجب .
هذا الشعب الفلسطيني البطل الصامد في القدس والمنتفض في الضفة وغزة ,والمتطلع للعودة في مخيمات اللجوء والشتات ,ألا يحتاج من تلك القيادات السياسية المتنفذة أن تتطلع إلى الأهداف الوطنية لهذا الشعب بإتمام الوحدة الفلسطينية وتوحيد المؤسسات السياسية الفلسطينية , وإقرار البرنامج الوطني التحرري الوحدوي , لنستكمل موحدين مشروع التحرير وإنجاز الحرية والإستقلال عبر كنس المحتل عن كامل التراب الوطني الفلسطيني , الرحمة للشهداء الأبرار ونسأل الله أن يسكنهم الفردوس الأعلى والشفاء العاجل للجرحى الأشاوس والخيبة والهزيمة للمحتل الصهيوني .
بقلم/ جبريل عوده