في سيرة ذاتية بعيون إسرائيلية : جورج حبش كان محقا

صدر في تل أبيب كتاب سيرة ذاتية عن المناضل الفلسطيني الراحل جورج حبش(2008-1925) مؤسس وزعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يخلو من التشويه وتعامل معه بنزاهة . الكاتب الإسرائيلي هو المؤرخ د. إيلي غاليا ، وعنوان الكتاب هو " جورج حبش – سيرة سياسية ". يتناول كتاب السيرة حياة جورج حبش المتطابقة مع مسيرة القضية الفلسطينية، منذ ولادته في مدينة اللد داخل أراضي 1948 حتى رحيله في عمان قبل عقد. ويتضمن الكتاب حديثا عن أفكار ورؤية حبش علاوة على شخصية طبيب الأطفال الكريزماتي المتواضع ونظيف اليد الذي احترمه خصومه أيضا. ويتوقف الكتاب عند مساهمات جورج حبش في الكفاح المسلح وفي العمل الشعبي ضمن طريق التحرر الذي آمن به. ويستذكر الكتاب الإسرائيلي أن حبش كان واعياً إلى أن العنف الثوري ليس بديلا للحركة الشعبية وأنه حرص وعمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية ووحدة شعبه. ويتتبع الكتاب بعمق مراحل مسيرة جورج حبش لكنه يتركز في الناحية السياسية وفي توجهاته الماركسية والقومية. ونشر الصحفي الإسرائيلي المعادي للصهيونية غدعون هليفي في صحيفة " هآرتس " مقالا حول الكتاب وحول جورج حبش.

عدو لدود

وقال هليفي في مقدمة كتابه : " طالما كان جورج حبش عدواً لدوداً لإسرائيل طيلة عقود فاعتبرته الشيطان ووجه الشر وبدلا من استخدام صفته " دكتور أطفال " كانت تعتبره كنية لـ " الإرهاب " وخطف الطائرات لكنها لم تعرف عنه شيئا لأنه بنظرها هو عدو متوحش و"مخرب". حقيقة كونه منظّرا وثوريا تبلور وعيه عبر تجربة التهجير من مدينته اللد لم تغيّر شيئا من رؤية إسرائيل له كـ " إرهابي " في دمشق مثله مثل ياسر عرفات ونايف حواتمة. ويقول هليفي إن الكتاب الجديد جاء ليرسم أمام القارئ العبري في سيرة ذاتية عن عدو ملامح المناضل الراحل جورج حبش بعيدا عن ماكنة الدعائية وشطف الدماغ الإسرائيلية. وتابع " ربما سيقرأ هذه السيرة الذاتية السياسية الخالية من الأبعاد الشخصية –السيكولوجية، التي ألفّها المؤرخ الإسرائيلي دكتور إيلي غاليا عدد قليل من اليهود لكنها تبقى جريئة وتستحق التقدير. ومع ذلك يرى هليفي أن الكتاب الإسرائيلي يقدم جورج حبش كشخصية تخللتها تناقضات كونه برجوازيا وماركسيا معا، ولم تحول صلابته ذرف دمعة خلسة وهو يكتب مقالا عن جرائم الاحتلال بحق شعبه. ويستذكر الكتاب تعرض جورج حبش لملاحقة إسرائيل وأنظمة عربية حتى اعتقل أكثر من مرة في سوريا والأردن ويشيد بتكريسه حياته من أجل أفكاره. ويضيف هليفي " يخلص الكتاب الإسرائيلي هذا للاستنتاج بأن جورج حبش كان محقا بعدما كان عدواً للتسويات التي اعتمدها زميله الرئيس الراحل ياسر عرفات ولم تسعف الشعب الفلسطيني". ويتساءل الصحافي الإسرائيلي ماذا نال الفلسطينيون من اعترافهم بإسرائيل ومن الاكتفاء بـ 22٪ من فلسطين ومن مفاوضات مع الصهيونية والولايات المتحدة ؟ ويرى هليفي أن نتيجة كل ما ذكر هو تعميق الاحتلال وتعزيز المشروع الاستيطاني.
ويقول إنه بالنظر للخلف يتعزز الاعتقاد بأن طريق جورج حبش الذي آمن بدولة ديموقراطية علمانية واحدة هي الأصح بعدما آمن أن الحوار مع إسرائيل يتم بالقوة فقط وأنها لن تغير مواقفها إلا عندما تسدد ثمنا. ويتابع " للأسف جورج حبش كان محقّاً. لا أحد يعرف ماذا كان سيحدث لو أن الفلسطينيين ساروا في درب جورج حبش لكن لا يمكن عدم الاعتراف بفشل الطرح البديل فشلا مدويا ".

تشي جيفارا الفلسطيني

وتنوه السيرة الذاتية العبرية إلى أن جورج حبش المولود في مدينة اللد عام 1926 كتب عن طفولته :" أعداؤنا ليسوا اليهود بل البريطانيون والدول الاستعمارية المساندة للكيان العنصري الفاشي فعلاقات اليهود معنا كانت طبيعية بل جيدة أحيانا". ويستذكر كتاب السيرة أن والديه اللذين قلقا عليه أبلغاه وهو على مقاعد كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت أن البلاد تشهد حربا لكنه صمم على العودة وتطوع في عيادة داخل مدينته حتى شهد اقتحام الجنود الصهاينة لها وطرد سكانها في تموز/ يوليو 1948. ويتساءل هليفي في مراجعته للكتاب هل يستطيع القارئ الإسرائيلي فهم مشاعر اختلجت بدخل حبش وهوى يرى تدمير مدينته المدللة ؟ ويفاضل الكاتب بين الطبيب المناضل جورج حبش الذي سارع للالتحاق بالعمل العسكري وبين المناضل الأسطوري الطبيب تشي جيفارا بل يصفه بـ تشي جيفارا الفلسطيني.

طبيب في بيروت

وتستذكر السيرة السياسية أن حبش شارك بالتخطيط لاغتيال العاهل الأردني الراحل الملك حسين قبل الانتقام من الصهاينة وشارك بتشكيل حركة القوميين العرب في بيروت. كما تستذكر السيرة العبرية ما قاله حبش يوم تخرج طبيبا في الجامعة الأمريكية في بيروت :" تناولت الشهادة وقلت : مبروك يا أمي فقد صار ابنك طبيبا والآن دعيني أفعل ما أريد فعلا. ويقول كاتب السيرة إن حبش سئل يوما عما إذا كان تشي جيفارا الفلسطيني فقال إنه يفضل أن يكون ماو تسي تونغ العربي وإنه من أوائل الذين رفعوا شعار العودة. منوها أن العودة إلى فلسطين لدى حبش كانت لابد أن تمر عبر العواصم العربية كـ بيروت،عمان ودمشق. و يتفق هليفي مع من يلاحظ أنه بخلاف بقية الكتب الإسرائيلية فإن الكتاب عن حبش يكاد يخلو من الاستعلائية والكراهية للفلسطينيين والعرب فيقدم للإسرائيليين سيرة مناضل فلسطيني ناضل نضالا عنيدا مرّا دون هوادة من أجل الحرية والكرامة.

خطف الطائرات

ويقتبس كتاب السيرة ما قاله حبش عن خطف الطائرات بأنها عمليات كانت تهدف للفت أنظار العالم الذي كان يجهل القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين بتأثير نفوذ الصهيونية على الإعلام الدولي. كما يستذكر أنه بالذكرى الأربعين لقيام إسرائيل قال حبش عنها إنها تتقدم بسرعة نحو " أرض إسرائيل الكاملة " دون فرق بين يمين ويسار ويقول الصحفي غدعون هليفي كم صدق بذلك أيضا مثلما صدق بتوقع فشل حركة التحرر الوطني الفلسطيني لاحقا. ويتابع " في 1989 قال حبش إن إلحاق خسائر بالأرواح مع خسائر مادية سينعكس بشكل هام على الإسرائيليين وعندما يحدث ذلك سنشهد انقساما سياسيا واجتماعيا وفكريا في الشارع وداخل المؤسسة في إسرائيل بين تيار معتدل يطالب بالانسحاب من الأرض المحتلة عام 1967 وبين تيار متطرف يواصل التمسك بها وبأحلام توراتية وعندئذ سيتعرض الكيان الصهيوني لصدع حقيقي". ويتساءل هليفي عما تبقى من ميراث حبش بعد عقد على رحيله لافتا إلى أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أسسها وقادها كانت يوما تطالب حركة " فتح " بالمشاركة في مؤسسات منظمة التحرير مناصفة حتى باتت هامشية في الساحة الفلسطينية اليوم. ويخلص هليفي للقول نادما :" طلب مني رفيق الجبهة الشعبية عماد سبع أن أقابل جورج حبش عدة مرات وأنشر أقواله في " هآرتس". ويضيف " سبق والتقيت بنايف حواتمة في عمان ونشرت حديثا معه. أما جورج حبش فلم يلتق إسرائيليين بحياته عدا جنود الصهيونية خلال النكبة وقد كان مريضا في آخر أيامه في عمان وكنت أرفض التوجه له حتى رحل قبل عشر سنوات. بعد قراءة الكتاب تملكني أسف وندم كبيران لأنني لم ألتق هذا الرجل". حسب تقرير نشرته صحيفة " القدس العربي" اللندنية

المصدر: الناصرة - وديع عواودة -