طوبى لجنود الإعلام الفلسطيني!!!

بقلم: رامي الغف

لا نهول ولا نبالغ إن قلنا بأن الصحفي هو أشجع صاحب رسالة سامية في الوطن الفلسطيني، لما تنطوي عليه مهامه وأعماله من مخاطر على مدار الساعة، تارة يتعرض لها على يد موظفي الحكومة والأجهزة الأمنية، وأخرى على يد بعض أفراد زلم العائلات، وثالث على يد عديمي الضمير من زلم الفساد والإفساد.
فالصحفي تراه دائماً في الخندق الأول والأمامي لإبراز هموم وشجون شعبه ووطنه، وهو يرمي بنفسه في أتون النيران والأحداث الدامية، وكأنه يمشي إلى حتفه بدون كلل أو ملل، من اجل إيصال معلومة صحيحة للرأي العام، أو الكشف عن تفاصيل حدث ما أو التعبير عن رأي، أو لنقل الرأي والرأي الآخر للمتلقي، والذي يعتبر الصحفي أو لإعلامي المعني الأول برسالته.
ولكن هناك دوماً نذر شؤم تواجه الصحفي، وتجتاح الكلمة الصادقة والعبارة المنطقية له في زمن الالتهابات المدوية التي تعصف بخطورتها على طمس الحقيقة الفضة التي لا تغيب، فالاستهداف المرعب الذي بدأ يستهدف الصحفيين في كل مكان وحتى اللحظة، حيث لم تستهدف جهة معينة، بقدر ما يستهدف قطاع الصحافة بشكل خاص لأن سلاح هذا القطاع هو الأقوى في عالم الإعلام والمعلوماتية.
إن الصحافة بمهنتها المخاطرة في ظل الأزمات وتعقب الخطوات المثيرة وإيصال الكلمة إلى المتلقي، ليطلع على مجريات الساحة سواء الساحة الفلسطينية أو العربية أو الدولية، ولكن في السنوات الأخيرة اتجهت الأنظار للأحداث الفلسطينية باعتبارها العمق الحقيقي لمنبع تدارج الأحداث، فكان دور الصحافة والصحفيين في الوطن الفلسطيني دور بارز ومهم على استيضاح الغموض الذي ينتاب العامة الذين أدخلوا في دوامة الصراع الدائر بين هذا وذاك نتيجة الانقسام بين رحي الوطن الواحد، أو نتيجة العدوان الإسرائيلي البربري الذي أحيط بالشعب الفلسطيني من كل جانب والذين يتلوعون ويتجرعون ويذوقون مرارة المجازر التي تحيط بهم ليل نهار، فلم يسلم من هذا الاستهداف اللعين بقتل الصحافة والصحفيين أحد كان، وذلك لتمكنهم من تعرية الاحتلال على حقيقته البائسة الممقتة التي استلزمت الفضائح لهؤلاء المحتلون فكانت جرائم الإرهاب الصهيوني تستهدفهم فضلاً عن الشعب الفلسطيني بهذه المحن والمرارات والاعتداءات ليدخلوا الوطن الفلسطيني في دوامات من الدماء الطاهرة التي سالت من أبناء شعبنا الفلسطيني.
ولقد عمدت الأيادي الإسرائيلية الخبيثة لتنال من الكلمة الصادقة وبدأت بالتصفية والقتل لتحط رحالها بمقتل العشرات من الصحفيين والإعلاميين بدءا من الزملاء عزيز التنح ومحمد البيشاوي وعثمان القطناني ورفائيل تشيريللو وجميل نواورة واحمد نعمان وامجد العلامي وعماد أبو زهرة وعصام التلاوي وفادي علاونة ونزيه دروزة وجيمس ميللر ومازن دعنا ومحمد أبو حليمة وحسن شقورة مروراً بالزملاء إيهاب الوحيدي وعمر السيلاوي وباسل فرج وعلاء مرتجى وفضل شناعة وليس انتهاء بالزملاء محمود الكومي وحسام سلامة بأبشع جريمة تنال من أصحاب الفكر والكلمة التي تحارب مبدأ الإرهاب الصهيوني وتعريه على فضائحه.
إذاً فإن دور الصحفي والإعلامي هنا هو دور المجاهد والناصر والمقاتل في أي معركة تحيط بالوطن ومواطنيه وسوف يكون دور الصحافة أكثر صرامة وشدة بنقل حقائق تقليعات آخر زمان.
وبموازاة مما يعانيه الصحفي والإعلامي من الممارسات الإسرائيلية يواجه معاناة أخرى تتمثل بانتهاك حقوقه وتكميم فاهه وقتل رسالته عن طريق أبناء جلدته، بحيث أصبح المستقبل الإعلامي والصحفي والحرية الديمقراطية بما تشمل التعبير عن الآراء على المحك، حيث القيام بقمع الصحافة وتكميم الأفواه والاعتقالات التعسفية بحقهم كما يحصل مع زملاء صحفيين في الوطن الفلسطيني، وهذا يعني الرجوع إلى عصر الثمانيات الذي مورس وما زال ضدنا وضد صحفنا ومؤسساتنا الإعلامية من إسرائيل.
إن المشكلة الحقيقية التي وقع فيها البعض من أصحاب القرار الآن أنهم لا يريدون أن يفهموا بأن واقع الحال تغيّر تماما لاسيما بالنسبة للصحافة والإعلام في عصر الانترنت الذي لم يعد فيه ما يمكن إخفاءه، فلقد بات واضحا لأصحاب القرار والساسة وللحكومات وأجهزتها المختلفة، أن أي خطأ يُرتكب من هذا وذاك أو تلك، سرعان ما سيظهر أمام الملأ بأدق تفاصيله، ولذلك لا يتمكن هؤلاء من إخفاء الحقيقة بالقوة كما كان يحدث سابقا، لأن عصر الانفتاح وتطور وسائل الاتصال وحرية الصحافة والإعلام ووسائل التوصيل الأخرى أصبحت خارج سلطتهم في وطننا فلسطين، ولهذا لم يعد كبح الحقيقة وقمع صوتها أمرا ممكنا لهؤلاء، ولعل الأمر الواضح للجميع أن الرأي العام الفلسطيني بات بفضل الإعلام المفتوح قادرا على الاطلاع على كل الأخطاء التي يرتكبها صناع القرار بل حتى الأخطاء الصغيرة التي ليست على البال، وهذا ما يتطلب وعيا دائما من صناع القرار للواقع الفلسطيني الجديد. وبناء على تقدم فما من احد يعترض علينا، حين نقول ونؤكد بأن ما يحدث الآن للصحفيين والصحافة التي ننتمي إليها ونعتبرها بيتنا الثاني، من أشخاص يدعون الديمقراطية والحريات العامة، فهؤلاء الذين يكممون أفواههنا ويذبحون حريتنا وآرائنا من الوريد إلى الوريد، يريدون أن يعيدوا الوطن إلى حقبة الاحتلال الماضية التي أصبحت في خبر كان ولفظتها جماهيرنا وراء ظهرها وهي تتطلع إلى فضاءات الحرية التي فتحت أبوابها لهم بعد طول حرمان وكبت لم يشهد له التاريخ مثيلا.
إن ما يحدث للصحفيين والإعلاميين من اعتداءات وانتهاكات وضرب وقمع لكلمتهم ورسالتهم الإعلامية، يعتبر يوماً أسود في تاريخ العمل الصحفي، خاصة بعد جلسات الحوار التي تمخض عنها إتمام المصالحة وإنهاء الملف الأسود المسمى بالانقسام البغيض وتشكيل حكومة وحدة كفاءات وطنية فلسطينية، فصحافتنا وإعلامنا اليوم يمرّان بمأزق كبير ومفترق طرق يمكن أن يؤدي بهما إلى الهاوية تحت تأثير سياسة تكميم الأفواه ومحاولات صُنع بؤر هيمنة من هذا وذاك، في ظل تزايد كبت الحريات الصحفية.
وفي هذا السياق فالمسؤولية تكمن هنا بأصحاب القرار عن هذا المرفق الحيوي من مرافق الديمقراطية المفتَرضة في الوطن الفلسطيني بعد رحيل الاحتلال الإسرائيلي من فوق أراضيها، فكم سمعنا تصريحات من مسئولين داعيين إلى ضرورة احترام حرية الصحافة وعدم التجاوز على القائمين على هذه المهنة ومحاسبة المسيئين لها، ولكن هل تم اتخاذ إجراءات فعلية لحماية الصحافة والصحفيين؟ وهل تُرجمت توجيهاتهم إلى آلية فعلية ضمنت حقوق الصحفيين والإعلاميين ومؤسساتهم وعملت على معالجة مشاكلهم، فالمطلوب الآن وقفة ضمير جادة لكي تُفَك حالة الالتباس والغموض والتداخل التي تتعرض لها العملية الإعلامية برمتها، في علاقتها الشائكة مع أي حكومة، ولا تنحصر وقفة الضمير بالإعلاميين والصحفيين المخلصين فقط، بل بالمخلصين من القادة السياسيين وأصحاب القرار الذين يعرفون حق المعرفة، كيف سيكون حال الوطن فيما لو تفوق فيه صوت القمع على صوت الإعلام.
وعلى ضوء ما تقدم تبرز حاجة الصحافة والإعلام الملحّة في الوطن الفلسطيني لعدة مطالب أهمها:
1- توفير الحماية القانونية للصحفيين ومؤسسات الإعلام بما يضمن فعليا عدم التجاوز من قِبل أجهزة الدولة، بحيث ترى هذه الجهات ان هناك عواقب وعقوبات رادعة للمسيئين من أفرادها تجاه الصحافة والإعلام.
2- دعم نقابات واتحادات ومراكز ومؤسسات ومنظمات العمل الصحفي والصحفيين معنويا وماديا في سبيل تفعيل دورها وإعطائها مساحة حركة وصلاحيات قانونية اكبر للدفاع عن نفسها تجاه التجاوزات والاعتداءات.
3- التركيز على زيادة الوعي الحقوقي لمنتسبي الأجهزة الأمنية من خلال إعطائهم دورات تأهيلية مركزة حول حقوق الإنسان وكيفية التعامل مع المواطنين وخاصة الصحفيين والإعلاميين والشرائح الأخرى من المجتمع.
فهل يا ترى سيتوقف تكميم الأفواه وقتل الرسائل الإعلامية السامية واعتقال الصحفيين والإعلاميين؟ وهل تكون الكلمة الصحفية التي تحارب الاحتلال والفساد هي العليا وكلمة المنحرفين والمتجاوزين هي السفلى؟ نأمل ذلك والأيام بيننا!!!

بقلم/ رامي الغف*
*الإعلامي والباحث السياسي