الحنين للوطن وحلم العودة الذي طال انتظاره لم يعد هاجساً أو حلماً بل طريقها بدأ تعبيدها منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه الخطوة الأولى في مسافة الألف ميل لتحقيق الهدف المنشود بالعودة وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على ثرى الوطن الفلسطيني بالمقاومة المدروسة والتصعيد المتسلسل ، المتنوع الأساليب والاختيارات وفق مقتضيات الأحوال والظروف في مقارعة العدو الغاصب ، وكانت وما زالت دماء الشهداء التي خضبت ثراها تنير دربها حتى تحقيق المراد ، فراية الحق ستعلو ولو بعد حين بفعل تضحيات من نذروا أنفسهم للحق ولمجد أمة تكالبت عليها الخطوب ، فالجود بالنفس لحرية الوطن ولشرف أمة أقصى غاية الجود. فلم يعد الإرهاب وسياسة السلب والنهب والمجازر التي كانت وراء النكبة وتشرد معظم الشعب الفلسطيني من أرضه والذي جرى بترتيب صهيو أورو أمريكي ، وعوامل أخرى أسهمت في ذلك في زمن غُيٍّبَتْ فيه قيم العدالة تجدي نفعاً حيث تمكن الشعب الفلسطيني بعد امتصاص الصدمة من رسم معالم الطريق التي ستوصله لحقه رافعاً شعار لا يضيع حق ووراءه مطالب ، فرايات العودة شعبياً ظلت مشرعة لم تتوقف على مدى السبعين السنة الماضية ومنذ اليوم الأول للتغريبة الفلسطينية ، حيث سعى الفلسطينيون في شتى أماكن تواجدهم للتسلح بالعلم أولاً لتحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي ، ولما حققوا مبتغاهم صنعوا ثورة زلزلت الأرض من تحت أقدام الغزاة رغم صعوبة الظرف الدولي الذي تتحكم في قراراته خاصة منذ تسعينيات القرن الماضي الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة بالكامل للعدو الصهيوني والمؤازرة للاحتلال ، لكن الشعب العربي الفلسطيني وبدعم الشعوب الشقيقة عربياً وإسلامياً والقوى الخيرة في العالم المحبة للعدل والسلام آزرته ووقفت إلى جانبه ، زادته صلابة في مواقفه فاستمرت ثورته التي ما زالت تتسلم لواءها الأجيال المتعاقبة للتعبير عن رفضها المطلق لكل المشاريع التوطينية والتصفوية للقضية وتصميمها بنيل حقها في العودة إلى أرض الآباء والأجداد ورفع راية النصر فوق روابي القدس بأقصاها ومقدساتها المسيحية والإسلامية وفق ما جاء في الوثيقة العمرية وكل روابي وسهول وبطاح فلسطين.
" مسيرة العودة " التي انطلقت شرارتها في ذكرى الاحتفال بيوم الأرض فرضت وقائع جديدة أهمها أنها كشفت للقاصي والداني تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وبحق عودته إليها وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة رافضاً المساومة على حقه المشروع ، وبدأ بامتصاص الصدمات والعمل على إنهاء مفعولها والتي وراءها الصهيونية العالمية والقوى اليورو أمريكية المساندة لها من خلال وعود كوعد بلفور ومبادرات كمبادرة روجرز ومساخر كمسخرة القرن الترامبية وتحقيق انتصارات في معارك تهويشية كحرب حزيران 1967 ، حيث المسيرة فيها رسالة واضحة للإدارة الأمريكية وللحركة الصهيونية أن ساعة الخلاص والعودة قد اقتربت وأن ما تبذلانه من ضغوط حول تثبيت الكيان الصهيوني قد فاته قطار الزمن وهذا ما أبداه من تخوفات قادة الجيش الصهيوني الباغي نفسه وأظهرت أن عدونا الصهيوني وجيشه أوهى من خيط العنكبوت وأن ما يصنعه كمن ينفخ في قربة خاوية ومفعولها كعاصفة ، صحيح أنها قد تخلف وراءها خراباً ودماراً لكن بعد انتهائها تعود الحياة من جديد بفعل الصمود لمن أصابهم الضرر جراءها فالتغريبة الفلسطينية وإن طالت فإن أجراس العودة بدأت بالرنين ولن تتوقف حتى تحقيق المراد .
* عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني