سوريا وغزة وحرب قاطعي الطرق

بقلم: عدنان الصباح

في عام 2009 وقعت كل من تركيا - أذربيجان - بلغاريا- رومانيا- المجر- النمسا بحضور أمريكي أوروبي وبدعم علني من حلف شمال الأطلسي ويهدف هذا المشروع إلى نقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا وهو مشروع مضاد لمشروع روسي كان يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود وبلغاريا, وقد لا تكون الصدفة هي التي دفعت الدول الموقعة على المشروع إلى تسميته بمشروع " نابوكو " فالاسم نابوكو مرتبط بالفكر التوراتي الصهيوني حول الصراع الأزلي على مدينة القدس وقد وردت القصة في كتاب النبي دانيال عن حال اليهود إبان حكم الملك البابلي " نابوكود الثاني " والذي حكم العراق في الفترة الواقعة بين الأعوام 605 إلى 562 قبل الميلاد وقد اسماه اليهود بنابوكو بقصد التصغير والتحقير للملك الذي سبى اليهود وأنهى مملكتهم وقد سعت الصهيونية عبر المشاركة الأمريكية إلى إلصاق التسمية بمشروع الغاز المذكور بهدف إعلان المسعى الجيو سياسي من المشروع والقائم على نسف اقتصاد الدول العربية وتدميرها من الداخل فإلغاء طريق الغاز العربي وإيجاد بديل له يسعى في الحقيقة إلى جعل الغاز العربي ومعه الإيراني والروسي غير قادر على الوصول إلى الشواطئ الأوروبية المستهلك الرئيسي للغاز في العالم والتي تضاعف استهلاكها من الغاز بعد توقيعها على اتفاق " كيوتو " سنة 1992م للحد من التلوث البيئي والذي اعتبر الغاز البديل الأمثل لكل مصادر الطاقة في العالم.

الحرب في سوريا إذن هي حرب قاطعي طريق الغاز وهو ما قد يفسر الاقتراب الإسرائيلي فقط في هذه الحالة وعن بعد من المشروع الروسي ولذا تتلاقى مصالح روسيا مع إيران وتصمت إسرائيل عن ذلك فطريق الغاز في سوريا ينبغي لها أن تكون البديل لخط نابوكو وهي طريق الغاز القطري الإيراني الإسرائيلي الروسي في آن معا وهنا تبدو التحالفات في سوريا عجيبة غريبة ويبدو الدور الأمريكي الأكثر تشتتا فهي ليست لاعب مباشر في موضوع نقل الغاز العالمي وليست أيضا مستوردا لهذا الغاز ولها موانئها وطرقها لتسويق الغاز المنتج فيها وكذا تبقى مصلحتها في تسويق الغاز القطري كون شركاتها هي المستثمر الرئيس للغاز القطري لذلك وان كانت مصالحها تتلاقى مع مصالح قطر ومصالح شركاتها العاملة في عديد دول العالم فشركة اكسون موبيل الأمريكية هي صاحبة الغاز القطري الحقيقية والمالك لشركة موبيل قطر للنفط وهو ما يبرر التحالف الأمريكي القطري هناك وكذا يبرر سعي بريطانيا وفرنسا للمشاركة في الحرب على سوريا لحماية مصالحها من طرق الغاز العالمية ومنع احتكار سوقها من جهة واحدة وكذا تلعب تركيا دورا بارزا وحذرا كونها البلد الوحيد المستفيد في كل الحالات فجميع خطوط الغاز العالمية ملزمة بالمرور من أراضيها كبوابة أمنة للغاز إلى أوروبا القادم إليها عبر الأراضي السورية.

أمريكا التي تعتبر احد أهم منتجي ومصدري الغاز في العالم تخطط بحلول العام 2024 للسيطرة على تجارة الغاز في العالم ولذا تسعى جاهدة لعرقلة المساعي الروسية بهذا الشأن وهي تعمل بشكل محموم للسيطرة على مصادر الغاز في العالم وتحديدا الغاز القطري كونها المشارك الرئيس في الشركة المنتجة والموزعة له إلا أن جل اهتمامها ينصب على ما تنتجه من الغاز وهي تعمل حاليا على تأسيس حوالي 6 موانيء جديدة للغاز وفي مخططاتها تشييد 30 ميناء آخر ولذا فان المصلحة الحقيقية لأمريكا في سوريا عرقلة الأطماع الروسية الإيرانية والى حد ما الإسرائيلية المتحالفة مع روسيا بهذا الشأن كون الروس هم المستثمرين للغاز الإسرائيلي حديث الاكتشاف باستثمار بلغت قيمته 40 مليار دولار .

الحرب في سوريا هذه الأيام تتصاعد وتيرتها أكثر فأكثر وتساهم إسرائيل قبل غيرها في احتدام المعارك على الأراضي السورية وقد لا تكون الصدفة التي حملت حكاية الكيماوي في سوريا متزامنة مع الكفاح الشعبي لجماهير غزة والذي تقابله إسرائيل بالرصاص الحي بأبشع الأساليب ردا على حراك شعبي سلمي وقد هدفت إسرائيل وأمريكا إلى تقديم صورة أكثر بشاعة في العالم حول انتهاك حياة المدنيين تصرف أنظار العالم عما يجري حقيقة على أراضي غزة, وإسرائيل هنا تستحضر إذن تسمية " نابوكو " لمشروع الغاز بهدف ليس تدمير اقتصاد العرب فقط بل وتشويه صورتهم مكررة ما كانت الإدارة الأمريكية قد لعبته ضد العراق في إشاعة الكذبة الأبرز في التاريخ الحديث عن الأسلحة الكيماوية العراقية كتغطية على أهدافها الحقيقية في نهب ثروات العراق وتقسيمه ولا يخفى على احد أبدا حجم حلفاء إسرائيل وأمريكا من الإرهابيين في سوريا والقادرين ليس على استخدام الكيماوي فقط بل وكل السبل الكفيلة بحماية إسرائيل وصورتها الديمقراطية الكاذبة وهو ما تحتاجه إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى لصرف الأنظار عن جريمتها الأبشع على بوابات غزة.

المعركة في سوريا إذن ليست معركة الغاز فقط بل هي معركة كل من ليده حكاية يريد ان يسوقها في هذا العالم الأبشع القائم على الاستغوال من قبل الجميع الرأسمالي الساعين لحماية مصالحهم بعيدا عن أية مصلحة سورية أو عربية على الإطلاق ولا دور أبدا للعرب ولا لسوريا سوى الموت في سبيل مصالح الآخرين ويبدو أن إسرائيل صاحبة المصلحة الأبرز في الإبقاء على الحرب في سوريا مستعرة أكثر فأكثر خصوصا في هذه الأيام وقد نجد هذه الحرب تتوسع لتطال لبنان وحدودها مع فلسطين وهو ما تسعى إليه إسرائيل أيضا حقيقة كي يحارب العالم معاركها التي تريد ويجعل منها الدولة الأكثر قدرة على الحياة والمواصلة في كل المنطقة إن هي تمكنت من تدمير كامل دول الجوار وسعت إلى تدويلها وتقسيمها إلى حد أن لا يبقى لها قدرة على معاداة إسرائيل ومشروعها الكولونيالي الأقذر في العالم.

بقلم/ عدنان الصباح