على مَدار أُسبوع من تَحرير دُوما والذي يُعتبر نَصرًا إستراتِيجيًا على جَيش الإسلام والقُوى الإقليمية والدّولية المُغذّية له وإدّعاء أمريكا والغَرب بإستخدام النّظام لغَازات سَامة وقد تكُون تِلك الغَازات التي تمّ تصويرُها وتضخِيمها من أجهِزة الإعلام الغَربية والإقليمية والتي أظهَرت بَعض الأطفَال في حَالة إغماء ودمُوع سَيالة من عُيونهم قَد تكُون قَنابل مُسيلة للدّموع أو غَاز الكلُور أو قد تكُون ضَربة محدُودة بِغازات سامّة إستخدمتها بَعض الجَماعات للتّصوير الإعلامي والتّحريك السّياسي، فلا نيّة للغَرب بتغيير نِظام الأسَد ضِمن رُؤية التّوافق الدّولي وهَذا ما صرّحت به أمريكا وبريطَانيا ودِول مُختلفة حَتى محمد بن سلمان وليّ العَهد السّعودي الذي يُؤرقه الوُجود الإيراني فِي سُوريا أكثَر بِكثير مِمّا يُؤرقه الأسَد فِي حدّ ذاتِه .
الحَملة الإعلاميّة الكُبرى التي قَادتها الوِلايات المُتحدة الأمريكية وحُلفائها حَتى وَصل الأمر أن يُشارك الرّئيس ترامب فِي تِلك الحَملة عَبر تويتر ورَئيسة وُزراء بِريطانيا ورَئيس فَرنسا ودِول أُخرى قَد لا تَليق برُؤساء دِول أو رُؤساء وِزارات وخَاصةً أنّ تِلك الدّول تقُود النّظام الدّولي، قد تكُون الحَملة لمُعاقبة النّظام السّوري قَد تَجاوزت المفهُوم الإستراتيجي للعمَلية العَسكرية مِن تَحرك البَوارج وحَاملات الطّائرات والغَواصات والمُدمرات حَيث تَخيل العَالم أنها عمليّة مُعقدة قد تُشعل تَصادم بين الغَرب وأمريكا مِن نَاحية ورُوسيا وإيران والصّين مِن ناحية أُخرى وهَذا كان سُوء تَقدير للكَثير مِن المُراقبين والمُحلليين والعَامة أيضًا فالمُعادلات الدّولية والمُعادلات على الأرض لن تُعطي صِحة لهِذه الإستقرَاءات والتّخمينات فَكما تخيّلنا فإنّ الضّربة أتت فِي الصّباح البَاكر بصَواريخ وطَائرات أمريكية فَرنسية وبمُعدل 110 صَاروخ إستمرّت حَوالي قُرب السّاعة مِن الزّمن لتستهدِف مَواقع تمّ الإعلان عَنها قبل حُدوث الضّربة قامَ النّظام بإخلائها مُسبقا وهِي استهدَفت مَواقع ومُؤسّسات تَدّعي أمريكا والغَرب أنّها تُستخدم لتصنِيع المَواد الكِيماوية .
درَاماتيكا وبَانوراما أمريكية غَربية فَاشلة وخَاسرة ويَائسة وإستعراضيّة فَهي لن تُؤثر عَلى النّظام السّوري وسَيطرته عَلى أكثر من ثُلثي الأراضي السّورية التي أصبَحت فِعليا خَاضعة للدّولة الوَطنية ولن تُؤثر عَلى مُجريات الأحدَاث والمُعادلات عَلى الأرض، فَقد سَبق لإسرائيل أن ضَربت مَراكز البَحث العِلمي فِي 5 مايو عام 2013م وكَانت التّفاهمات الرّوسية الأمريكية لنَزع السّلاح الكِيماوي مِن سُوريا في عام 2013م وفِي 30 يناير عام 2014م قَامت إسرائيل أيضًا بضَرب مَركز الأبحاث العِلمية فِي جمرايا برِيف دِمشق بالإضَافة الى الغَارة الأمريكية عَلى مَطار الشّعيرات بِهدف تدمِير القاعِدة التي إنطلقَت مِنها الإستهدافَات بالغَازات السّامة .
كما قُلت هي عَملية عَسكرية لا تُساوي كُلفتها المَادية والإعلامية وإن وُصفت تِلك العَملية بِتجاوز القَانون الدّولي وهِي لِيست أوّل مرّة فَعشرات المَرات تمّ استثناء القَانون الدّولي مِن الغَرب وأمريكا، والتّاريخ حَافل بتلك التّجاوزات، فأقربُها إجتياح العِراق ولِيبيا وفي السّابق فِي فِلسطين ومَا زَال القَانون الدّولي مُجمد أمام أمريكا والغَرب وإسرائيل وفِي الصّومال وأفغانِستان فإذا لم يكُن القَانون الدّولي يَحمي العَربدة الأمريكية والغربيّة والإسرائيلية فيُمكن إستثناءه في أي وَقت، أمّا الوَضع الدّاخلي لتِلك الدّول، يقُول الكُونجرس الأمريكي عَن طَريق عُضو الأمن القَومي أنّه تَجاوُز لدِور الكُونجرس كَما هُو الحَال لرَئيس حِزب العُمال فِي برِيطانيا وتجاوُز أيضًا لدَور البَرلمان البريطَاني، فترامب ورَئيسة وُزراء برِيطانيا استعجلُوا تِلك الضّربة لتخوّفهم مِن قَرار مُعارض لِتلك البَانوراما مِن الكُونجرس والبَرلمانات الغَربية، وتبقى تِلك العَملية هِي للحِساب الشّخصي لترامب أمام مَشاكل كَثيرة يتعرّض لَها في الدّاخل وحَملات إستقالات مُتعددة وإقالات في البيت الأبيض والخَارجية وإستدعاء بَعض مُعاونية للتّحقيق وكَما هُو الحَال لحِسابات شَخصية لرئيسة وُزراء بريطانيا ورَئيس فَرنسا .
أعتقد أنّ عَملية الدّراماتيكا ومَسرحها ابتعدَت عَن إستفزاز قيصر رُوسيا، فقد إختارت مَسارات الفَضاء بَعيدًا عن تواجُد ونُفوذ القُوات الرّوسية والإيرانية فالغَرب ليسَ بِصدد فَتح مُواجهة أيضًا مع إيران وهذا ما توقّعته في مِقالي السّابق حَول الأزمة والتّهويل والتّهديد بأنّ النّظام العَالمي عَلى شَفى إنفجار وحَريق، أمّا إسرائيل التي أعلنت عن مَنطقة الجُولان كَمنطقة حَظر جَوي لمُدة شَهر تخوّفا وتَحسّبا من رَدات الفِعل التي يُمكن أن يستخدمها حِزب الله بتواجُده على حُدودها فقد فَهمت أن اللعبة بين الكِبار وعَليها أن لا تَزيد مِن حَجم آمالها وتوقّعاتها بتقلِيص النّفوذ الإيراني في سُوريا .
أوراق اللّعبة في سُوريا مَازالت فِي أيدي النّظام ورُوسيا وإيران وسيستمرّ النّظام والجَيش السّوري والحُلفاء في تقدّمه نَحو إدلب لحَسم المَعركة عَسكريًا وسِياسيًا لصَالح الدّولة السّورية وإن كان من إحدى الأهداف الهامّة للغَارات الجويّة الأمريكية والفَرنسية والبِريطانية هُو الحُضور السّياسي بعد استبعادِهم من المُعادلات على الأرض في أي مُبادرات سِياسية قادِمة لحلّ الأزمة السّورية، أمّا الهَدف الآخر فهُو رَفع المَعنويات لحِلف أمريكا من العَرب وأقصد هُنا حِلف "ترامب" فِي مُؤتمر القِمة العَربي القَادم وفَرض أوراق سِياسية مُحددة وخَاصة أنّ حِلف ترامب الجَديد كَان غَائصًا في الأزمة السّورية مُنذ عَام 2011م عَن طَريق تورِيد الدّعم اللوجِستي لفَصائل مُتعددة بِغية إزاحة وإنهاء النّظام السّوري وإحداث إنهيار للدّولة الوَطنية وجَيشهَا.
سميح خلف