لو أن ما قام به الجيش الإسرائيلي من إعتداءات وحشية على المتظاهرين العزل والصحفيين والمسعفين الفلسطينيين جرى في مكان آخر من العالم، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولامتلأت شاشات التلفزة العالمية بالتقارير، ولتبارى كتاب أعمدة الصحف على وصف المجازر وإدانة النظام الذي يرتكبها، بل ولربما تحركت الأساطيل وأطلقت صواريخ الكروز و توماهوك، ولقصفت الطائرات جيش ذلك البلد وحتى مدنييه.
أما في فلسطين حيث أصاب الجيش الإسرائيلي بالرصاص القاتل الحي ما لا يقل عن ألف وأربعمئة متظاهر سلمي في قطاع غزة والضفة الغربية، فاستشهد منهم واحد و ثلاثون ، وأصابوا بالرصاص المعدني وقنابل الصوت و الغاز ما لا يقل عن ألفي متظاهر حتى اليوم ، فقد صم آذاننا الصمت المريب لمعظم لإذاعات والصحف الدولية، وآذت أعيننا العتمة الكاملة لشاشات محطات التلفزة العالمية.
فلماذا يسمح ما يسمى" بالعالم الحر"، أو معظمه حتى لا نظلم أحدا، لإسرائيل بأن تكون هي وجيشها مارقة إلى أبعد الحدود، وخارقة لكل القوانين الدولية، ومرتكبة لبشع جرائم الحرب ضد الفلسطينيين ، دون أن تحاسب أو تساءل؟ .
شهدت بنفسي يوم الجمعة الماضي ما فعله الجيش الإسرائيلي أمام مستعمرة بيت إيل في المدخل الشمالي لمدينة البيرة المجاورة لرام الله، اذ لم يكتف الجيش بإطلاق الرصاص الحي والمعدني وقنابل الغاز والصوت على المتظاهرين العزل، بل تعمد الإعتداء على الصحفيين ، ثم هاجم متطوعي الإغاثة الطبية والهلال الأحمر المسعفين أثناء محاولتهم علاج أحد الجرحى، فضربوهم بأعقاب البنادق، ثم أطلقوا عليهم الرصاص المعدني وقنابل الغاز من مسافة صفر، ثم رشوا عيونهم بالفلفل الحارق مما أدى إلى نقل عشرة منهم إلى المستشفيات لينضموا إلى صحفي شق وجهه برصاصهم، وإلى عدة متظاهرين أصيبوا بالرصاص الحي.
وفي قطاع غزة زاد عدد المصابين يوم الجمعة الماضي عن تسعمئة و ستين من بينهم سبعة عشر صحافيا ومسعفا طبيا و اربع و خمسون طفلا و خمسة عشر امرأة ، وواصل الإسرائيليون فرض حصارهم الخانق على القطاع، وتفنن قناصوهم في إستهداف المدنيين.
لو أن مارتن لوثر كينغ، وغاندي، ونيلسون مانديلا كانوا أحياءا لصرخوا إلى جانبنا على العالم، وعلى صحفييه وكتابة وساسته، وطالبوهم بعدم الصمت عن قول الحقيقة والاقلاع عن ازدواجية المعايير التي تجسدت في هذا الاسبوع، ولقالوا لنا: لا تُحبطوا من هذا التقصير ولا تنزعجوا من هذا الصمت، فنحن أيضا عانينا منه طويلا حتى أيقظ نضالُنا كل الضمائر، وأحرجت تضحياتُنا صمتهم، وأجبرت مثابرتنا ساستهم على الالتفات لنضالنا بعد أن تأثرت مصالحهم.
ونحن الفلسطينيين لن نحبط ولن نيأس ولن نتراجع، لأن عزيمتنا أقوى من بأس المحتلين، وإرادتنا أشد من قمعهم ، وصبرنا اطول من عنادهم، ونضالنا انبل من أن تطاله أكاذيبهم وخداعهم، وعِلمُنا بالتاريخ يجعل ثقتنا راسخة بأننا سننتصر.
لكننا لن نتوقف عن دق جدران الخزان، ولن نتراخى لحظة عن إشعار العالم بوجودنا وبعدالة قضيتنا، ولن نتوقف لبرهة عن طرح السؤال الذي يزعج الكثيرين أين عالمكم "الحر"؟ ولماذا يصمت على ظلم، وجرائم، حكام وجيش إسرائيل؟
بقلم/ د. مصطفى البرغوثي