العدوان الثلاثي الإجرامي الذي قامت به أمريكا وبريطانيا وفرنسا في الرابع عشر من الشهر الحالي،وبمشاركة اسرائيلية في تحديد الأهداف وبنك المعلومات في سوريا...هذا العدوان كانت اسرائيل والعديد من الدول العربية وتركيا تمني النفس بان يحدث تدميراً كبيراً في القوة العسكرية السورية،ويخرج الجزء الأكبر منها من الخدمة،بحيث يغدو الجيش السوري عاجزاً عن استكمال استعادة الجغرافيا السورية جنوباً وهو المهم،وهذا يعني بأن اسرائيل ستبقى في مأمن من أي قصف قد تتعرض له رداً على عدوانها على سوريا والقوى الحليفة،كما حدث في عدوانها الأخير على مطار "التيفور" السوري في حمص،حيث استشهد فيه مجموعة من العسكريين السوريين والإيرانيين،هذا الهجوم الذي ما زالت اسرائيل مستنفرة لقواتها وتعيش حالة هلع وخوف حقيقيين من رد ايراني انتقامي قادم...وهذا العجز السوري بعدم استكمال مشروع تحرير سوريا من الجماعات الإرهابية والتكفيرية وطرد قوات الإحتلالين الأمريكي والتركي من الشمال السوري،المراد منه فرض شروط سياسية على الدولة السورية فشلت دول العدوان من تحقيقها في الميدان العسكري.فقد جاءت الضربة التي شنتها قوى العدوان الثلاثي،لكي تكشف عن عمق مأزق تلك الدول والدول التي تعمل على تحريضها،مشيخات النفط العربي،وفي المقدمة منها السعودية التي استعدت لدفع تكاليف بقاء القوات الأمريكية في شرق سوريا،أربعة مليارات من الدولارات بلغة تاجر العقارات والمال والصفقات والوكالات والعمولات ترامب،بعدما صرح بأنه سيعمل على سحب قواته من سوريا بأسرع وقت ممكن في ابتزاز مالي واضح لعربان الخليج،وحينما نفي ما صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون الشريك في العدوان،بأن امريكا ستبقي على قواتها في سوريا لأطول فترة ممكنه،أعلنت العديد من المشيخات الخليجية منها السعودية والإمارات وقطر عن استعدادها لدراسة مشاركة قواتها في الإحلال محل القوات الأمريكية،تلك الفكرة التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب.
المهم الضربة الثلاثية المعول عليها في إسقاط الأسد وقدوم المعارضة لإستلام الحكم على ظهر الدبابة الأمريكية،كما حصل أيام غزو العراق وإحتلاله في عام 2003،حيث دخلت المعارضة العراقية المدعومة أمريكياً على ظهر دبابات الحاكم العسكري الأمريكي للعراق بريمر،لم تنجح في تحقيق أهدافها،فقد كانت الضربة التي عبر فيها المتطرف ترامب عن سذاجته العسكرية في تغريدة على "توتير" "استعدي يا روسيا فصواريخنا قادمة". لكنه حين واجهه وزير الدفاع ماتيس ورئيس هيئة الأركان الموحّدة جوزيف دانفورد بحقائق المعادلات، أُسقط في يده ولم يجد غير مستشاره جون بولتون يشد من أزره للحفاظ على ماء الوجه.
تلك الضربة التي تأجلت أكثر من مرة،جاءت أقل من متوسطة الشدة،وأقرب منها الى الجانب الإستعراضي وحفظ ماء الوجه،وهي تمت خارج إطار الشرعية الدولية،وكذلك استبقت مجيء اللجنة الأممية من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية،فيما بدى كأنها محاولة لطمس الأدلة،وخاصة بأن الوقائع والمعطيات تشير الى عدم استخدام أي سلاح كيماوي في مدينة دوما المحررة،سوى فبركات إعلامية تحريضية شاركت فيها المخابرات البريطانية.
الضربة الفضيحة والتي استخدمت فيها احدث أسلحة الدول من صواريخ مجنحه وقنابل ضخمة،تمكن الدفاع الجوي السوري من الجيل القديم من إسقاط معظمها والمواقع التي تم قصفها،لم تكن سوى مواقع مهجورة او تم اخلاؤها قبيل عمليات القصف،ولذلك كانت الخسائر محدودة بشرياً ومادياً.
ولذلك هذه الضربة الحقت الضرر بهذا الحلف العدواني،والتي كشفت بشكل واضح بان ما يسوق من ادلة لتبرير هذه الضربة،إستخدام الجيش السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية،لم تعد مقنعة لطفل صغير،وهذه الضربة عمقت من ازمة هذا التحالف بإنتهاكه للقانون الدولي،ومثل هذا التصرف يفتح الطريق أمام دول أخرى للتصرف خارج القانون الدولي،كما انها رفعت من شعبية الرئيس الأسد والتفاف الجماهير السورية حوله داخل سوريا وخارجها،وكذلك الضربة عملت على تعزيز التحالف الروسي- الإيراني- السوري،وهي دفعت القيادة الروسية الى تزويد الجيش السوري بشبكة دفاع جوي متطورة قادرة على ضرب الطائرات الإسرائيلية في الخاصرة الرخوة للشام الأجواء اللبنانية.
الضربة جاءت لتقول مجموعة حقائق بان الجيش السوري تعامل بكفاءة عالية مع العدوان،نتيجة ما إكتسبه من خبرة وتمرس في ميدان حرب جاوز عمرها السبع سنوات،وهذا مكن الدفاع الجوي السوري من إسقاط أغلب الصواريخ التي أطلقها الحلف المعادي (71) صاروخ،وبالمقابل وجدنا بان هناك قيادة صلبة متماسكة،يقف على رأسها رئيس،يمتلك الشجاعة والإقدام،فهو صباح يوم العدوان مارس عمله اليومي بالقدوم الى مكتبه بشكل طبيعي،وهذا التماسك والصلابة القيادية،جعلت الجماهير الشعبية،تلتف بشكل غير مسبوق حول قيادتها وتخرج للشوارع في تحد واضح لدول العدوان بحيث لم ترهب صواريخ العدوان،بل كانت تخرج في مسيرات ومظاهرات عفوية تندد بالعدوان وتشيد بالجيش والقيادة السورية.
عل المستوى السياسي،اكدت سوريا على تمسكه بمواقفها،بانه لن يكون هناك أية تنازلات سياسية او جوائز ترضية لدول العدوان،وما عجزوا عن تحقيقه في الميدان،لن تفلح صواريخ العدوان في الضغط على القيادة السورية،لكي تقدم تنازلات سياسية للجماعات الإرهابية ومن يقفون خلفها.
العدوان البربري الثلاثي على سوريا،كان يجب ان يكون عامل موحد للعرب والمسلمين،ويخرج هذه الأمة من غيبوبتها الطويلة،ويفتح عيونها على طبيعة المخططات الإستعمارية المستهدفة امتنا العربية من خلال نهب خيراتها وثرواتها وتقسيم وتفتيت جغرافيتها ،وإسقاط حكوماتها الشرعية وتفكيك جيوشها،العراق وليبيا مثالين صارخين،ولكن العرب الذين عقدوا قمتهم في الظهران تزامناً مع الضربة العدوانية على سوريا،اختاروا ان يصطف أكثرهم الى جانب العدوان والتساوق مع مخططاته،وكان عجزهم وتخاذلهم وتواطئهم سيد الموقف،حيث بدلاً من ان يدينوا العدوان على سوريا،ادانوا ما يسمى إستخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة،مرددين نفس الرواية الأمريكية والبريطانية والفرنسية المفبركة،وظهروا كانهم جزء شريك في العدوان،سواء لجهة التصويت الى جانب توجيه ضربة عسكرية لسوريا في جلسة مجلس الأمن،او من خلال البيان الختامي للقمة العربية التاسعة والعشرين في الدمام،ولتعمق هذه القمة من الشرخ والإنقسام بين أبناء الأمة الوحدة بدلاً من تعزيز وحدتها وإنهاء إنقسامها،ولتكشف هذه القمة ان النظام الرسمي العربي غير قادر على الخروج من تحت عباءة الموقف والإبتزاز الأمريكي .
نعم العدوان الثلاثي على سوريا،جاء ليكشف عمق مازق دول العدوان،ومحدودية قدرتها على شن عدوان شامل على دمشق،في ظل محور مقاومة يتنامى ويتسع ويتجذر في المنطقة والإقليم،كما عرى هذا العدوان كلياً النظام الرسمي العربي من ورقة التوت الساترة لعورته،ولتكن مواقفه المؤيدة للعدوان،متقدمة على مواقف العديد من دول أوروبا الغربية.
بقلم :- راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
18/4/2018
0524533879
[email protected]