العُدوان عَلى سُوريا والفَضَاء العَرَبي المُنتهَك

بقلم: سميح خلف

قَال ليبرمان لقَد دمّرنا البُنية التحتيّة للوُجود الإيراني في سُوريا، أمّا الرّئيس الفَرنسي والموقِف البريطَاني والألمَاني فقَد أعطُوا الحَقّ لإسرائِيل في الدّفاع عن نفسِها، أما الإعلام العَربي بشكلٍ عَام عبر فضَائيّاته المَركزيّة المعرُوفة فقد دافعُوا عن العُدوان الإسرَائيلي أكثَر ممّا كَان موضُوعيًا في موقفِه تجاه الإعتدَاء عَلى أرضٍ عربيّة، وكأنّ الإيرانييّن هم أصحَاب الأرض في سُوريا وما كَان عَلى الإعلام العَربي إلا أن يُحرّر سُوريا من إيرَان.

في خضمّ هذه التّقاطُعات والمُغالطات أيضًا نتحدّث عن الأمن القومِي العَربي، بل مِن المُمكن أن نتحدّث عن الفضَاء العَربي الذي كَان يجب أن يكُون منذ طَرحه القذافِي في مُنتصف الثّمانينات في تفسِيره لأسبَاب وُجود الإستعمَار ومناطِق الفَراغ، وقد تنبّأ هذا القائِد العَربي بأنّ الأرضَ العربيّة ستُحتل مرّة أُخرى نتيجَة وُجود فرَاغ وصِراع على هَذه المَنطقة لأسبَاب تحدّث عَنها التّاريخ والجُغرافيا.

وأنا أستمِع لمواقِف كثِير مِن العَرب والإعلام العَربي بشكلٍ خَاص تخيّلت نَفسي أنّني أعِيش في مَنطقة محميّة من الوُجود الإسرائِيلي والقُوة الإسرائِيلية وبدلًا مِن أن يكُون للعَرب فَضاء وأمن قومِي عَربي وقُوة عربيّة وتكنُولوجيا عَربيّة خالصَة للدّفاع عن هَذا الفَضَاء فإنّ مَا يحدُث الآن ومِن خِلال المَواقف العَربية البائِنة بأنّ الأمن العَربي أُوكل للدّفاع عَنه القُوة التكنُولوجية الإسرائيلية وكأنّ إسرَائيل لهَا حقّ طَبيعي فِي الوُجود عَلى الجُغرافيا والتّاريخ العَربي والتّراث العَربي.

المُعادلات أصبَحت أكثَر وُضوحًا الآن، إسرَائيل تتكلّف بالأمن القَومي العرَبي نِيابة عن العَرب وحِماية لفضَاء العرَب، ولكن مَا هو المُقابل يا تُرى، لقد أوضَح ترامب في سياسَاته وفي تصريحَاته السّابقة بأنّ كُل شيء له ثَمن، وبأنذ حِماية الفَضاء العَربي لَه ثمَن، وهو مِئات المِليارات، وهَذا كُله على حِساب الشّعوب العَربية والتطوّر العَربي الذي اعتمَد عَلى الإنفتَاح على الغَرب وعَلى أميركا كبدِيل عن التطوّر الحَقيقي للاقتصَاد العَربي والتكنولُوجيا العَربية. الثّمن يا سَادة هو فِلسطين والشّعب الفِلسطيني، والثّمن هُو التّهيئة لصفقَة القرن، أو صَفقة ترامب، فلا يُمكن أن تمُر صفقة ترامب وتُفرض على الشّعب الفِلسطيني إلا إذا فُرضت عَلى القُوى الإقليميّة المُحيطة بفلسطِين. الوُجود الإيراني في سُوريا وإن أخذنا وسَلمنا بالتّفسير العَربي لهَذا الوُجود وهُو تدخّل في الشّؤون العَربية وفِكرة من أفكَار التوسّع للدّولة الفارسيّة، هُنا أقُول وأتسَائل هل إيران مسؤُولة عن هَذا الفَراغ العَربي وهَذه المَنطقة من الفَراغ ألا يجِب أن تُملأ، وإذا إختَار العَرب أن يُملأ هَذا الفَراغ بالقُوة الإسرائيليّة بالنّيابة عن أميركَا أو إسرائِيل كوكِيلة وكشُرطي وكقُرصان لأميركَا وإن كَان في عَهد ترامب قد قُلبت التّفسيرات والتّعبيرات السّابقة، فكُنا نقول فِي السّابق أن إسرَائيل ولايَة أمريكيّة أي الولايَة ال51، أمّا فِي عَهد ترامب فقد نقُول أنّ الوِلايات المُتحدة أصبَحت بلديّة من بلديّات البرلمَان والكنِيست الإسرائيلي أو مَجلس الأمن المُصغر الإسرائِيلي.

أيُعقل أن نلُوم إيران عَلى تأمِين أمنِها القَومي وتوسّعاتها في ظِل منطقة فَارغة تحتوِي على الكَثير مِن الثّروات والمَناطق الجُغرافية الإستراتيجيّة أم نلُوم أنفسنَا كعَرب لأنّنا أحدَثنا هذا الفَراغ وكَان يجِب عَلينا أن نملَأ هَذا الفَراغ بأيدِينا وقُوتنا وبتكنُولوجيتنا العَربية، ونبحَث عن التّطور العَربي فِي ظِل سِيادة القَرار والدّولة أو الإقلِيم العَربي، هل مِن الصّحيح أن نعتبِر إيران عدُوًا لملئِها هَذا الفَراغ ولا نعتبِر إسرَائيل عدوًا لملئِها هَذا الفَراغ وهي التي احتلّت فِلسطين وشرّدت أهلها وبنَت دَولتها على حِساب التّاريخ والجُغرافيا والعَادات والتّقاليد والأصُول، فبَعد أيّام سيُرفع العَلم الأمرِيكي في القُدس، تلك القُدس أولى القِبلتين وثَالث الحَرمين الشّريفين، فهَل هُناك مَجال للعرب أن يملأوا هَذا الفَراغ، وأي شَيء يعوّض إذا كَانت أولى القِبلتين قد أصبَحت تحَت الحِماية الإسرَائيلية بدلًا مِن أن تكُون عَربية وإسلاميّة ومَسيحيّة.

إنّنا نعِيش اليَوم في سِياسة وتعبيرَات وتفسِيرات المَرايا المعكُوسة والمقلُوبة، كُل شَيء معكُوس ومقلُوب، حتّى أمنَنا العَربي وقُوت أولادنا وثَروات بِلادنا، أصَبحت تعريفاتُها معكُوسة ومقلُوبة ومنهُوبة، العُدوان الإسرائِيلي على سُوريا وضَرب القواعِد الإيرانيّة في سُوريا، والرّد الإيراني عَلى هضَبة الجُولان الذي عَرّفه العَالم بأنّه مُدان ولا يجب إنتهَاك حُدود دولة إسرَائيل، والعَالم يعلَم والعَرب يعلمُون والإعلام العَربي يعلَم أن الجُولان أرض عربيّة مُحتلة وأي عَمل مُسلح فهُو مُشرعن بالقانُون الدّولي وبالتّاريخ والجُغرافيا، إذًا هُناك تزوِير في التّاريخ فالجُولان ليسَت أرضًا إسرائيلية بل هِي أرض سُورية كمَا هِي فلَسطين، فلسطينيّة عَربية، ولذلك مَادام هُناك فَراغ عَربي غَير مَحمي مِن قُوة عَربية فلا نستطِيع أن نلُوم إيرَان لأن تستخدِم الأراضِي السّورية فِي ضَرب مناطِق عربيّة محتلّة.

 

بقلم/ سميح خلف