عندما صاغت الحركة الصهيونية رؤيتها بهدف السيطرة على فلسطين ، وضعت نصب أعينها أن إحدى الطرق إلى ذلك هي إنشاء تشكيلات عسكرية مهمتها تنفيذ اعتداءات متواصلة على القرى والمدن الفلسطينية ، وارتكاب المجازر بحق سكانها الفلسطينيين ، لطردهم جماعياُ خارج وطنهم ، وبذلك تصبح الأرض الفلسطينية خالية بالمطلق منهم .
ومثلت تلك المجازر ، وعلى وجه التحديد مجزرة دير ياسين في 9 نيسان العام 1948 ، والتي ذهب ضحيتها 278 شهيداً من الرجال والنساء والأطفال ، التحول الخطير في مسار تحقيق الحلم الصهيوني ، لما تركته المجزرة من أثار نفسية ومعنوية تجلت في دب الخوف والرعب بين صفوف الفلسطينيين العزل من تكرارها في أماكن ومناطق فلسطينية أخرى . مما قد دفع الفلسطينيين وتحت هاجس البحث عن الملاذات الآمنة ، إلى اللجوء إلى دول المجاورة لفلسطين . وهذا ما كان ، ففي الخامس عشر من أيار عام 1948 ، نفذت الجريمة الأشنع في التاريخ ، حيث طُرد الشعب الفلسطيني من أرضه بقوة الاغتصاب والقتل الصهيوني ، وتواطؤ الحكام والملوك والسلاطين والمجتمع الدولي ، وفي مقدمة هؤلاء دولة الانتداب البريطاني التي أعلنت عن انتهاء انتدابها على فلسطين في الرابع عشر من أيار 1948 ، أي قبل يوم واحد من جريمة العصر .
وإذا كانت تلك المجازر وعمليات القتل الممنهج والإستيلاء على القرى والمدن الفلسطينية والتي بلغ عددها 774 قرية ومدينة ، بعد أن دمروا وأحرقوا 531 قرية ومدينة فلسطينية ، قد شكلت تلك المقدمات التي وجد فيها الصهاينة وقادتهم من أمثال بن غوريون وبيغن واسحاق شامير ... الخ الضرورة لإقامة كيانهم الغاصب . إلاّ إنه وبعد مرور 70 عاماً على اغتصاب فلسطين ونكبة شعبها ، هناك جملة من الحقائق لابد من التأكيد عليها ، ويجب أن تُبقي على قوة الدفع الفلسطيني من أجل العمل على تحصين الرواية الفلسطينية وتذخيرها على الدوام لدحض الرواية الصهيونية القائمة على التزوير والتزييف من خلال : -
- التأكيد على الرفض الفلسطيني للرواية " الإسرائيلية " القائلة ، أن رفض الفلسطينيين لقرار التقسيم ( 181 ) في العام 1947 ، هو من ساهم في وقوع نكبتهم . على الرغم من الوثائق ومن قبلها الوقائع قد أثبتت أن هذه الرواية ليست صحيحة وتنطلي على قدر خطير في قلب سياقات النكبة ومقدماتها . وهناك للأسف من لا زال يصور الأمر على هذا النحو من خلفية إنهزامية إن لم نقل أكثر ، والقول : - " أننا لو قبلنا بقرار التقسيم لما وصلنا لاتفاقات كامب ديفيد ، ولو قبلنا بكامب ديفيد لم وصلنا لاتفاقات أوسلو " .
- العمل على إبقاء القضية الفلسطينية حية على الرغم من جميع المخاطر والتحديات التي تواجهها حاليًا وتهددها بالتصفية على وقع ما تشهده المنطقة من أحداث خطيرة . ومسؤوليتنا تفترض إبقاءها حاضرة ، وهذا ما عملت وتعمل عليه الهبات الفلسطينية المتلاحقة ، ومسيرات العودة الكبرى المتزامنة مع الذكرى السبعين للنكبة . على الرغم من حالة الانقسام واستمراره من جهة ، وحالة التخلي العربي والإسلامي في الغالبية العظمى من نظامها الرسمي وحتى الشعبي الذي أُخذ إلى حدوده القطرية ، وتم دفعه ليكون حبيس تلك الحدود بسبب الأحداث التي تشهدها الكثير من دول المنطقة .
- العمل على تذخير وعينا الجمعي الوطني ، وبث روح المقاومة وثقافتها ، ورفض كافة أشكال التنازل والتفريط المتمثلة باتفاقات أوسلو ، وصفقة القرن الأمريكية . والتأكيد الدائم أولاً في قدرة شعبنا على الانتصار على عدونا الصهيوني ، الذي يعاني من مأزقٍ وجودي نتيجة ما يراكمه شعبنا من انتصارات في ميادين المواجهة . وثانياً إبقاء جذوة المقاومة والصراع مستمراً بيننا وبين عدونا الصهيوني وكيانه الغاصب ، ولا يمكن أن ينتهي هذا الصراع إلاّ بحسمه لصالحنا مهما طال الزمن .
- صحيح أن النكبة بتداعياتها وأثارها وما ترتب عليها قد مثلت بالنسبة للفلسطينيين الذروة في المأساة ، فهي أيضاً قد رسخت حقيقة أن شعبنا عصي على الموت والانكسار ، وعجزت كل المصائب والمجازر على دفعه بعيداً عن قضيته الوطنية وتمسكه بحقوقه التاريخية التاريخية الثابتة والمشروعة .
- عدم التساوق مع الأفكار والرؤى التي تحاول القول أن فلسطين لم تعد مركزية بالنسبة لأمتنا ، بل المطلوب إبقاء وقضيتنا الداتا الجامعة في العقل والوجدان العربي والإسلامي وأحرار العالم ، كما هي دائمة الحضور عند الفلسطينيين بكل أجيالهم المتعقبة ، لأنها أصبحت جزءاً من خارطتهم الجينية .
بعد 70 عاماً من عمر النكبة كبارنا وإن فارقنا الكثيرون منهم ، إلاّ أن صغارنا لم ينسوا ولن ينسوا على الرغم من التضحيات الجسام ، والنكبات المتجددة التي يكابد منها شعبنا ، حيث الانقسام البغيض وما تركه من أثار سياسية ووطنية كارثية ، وتاليه حالة التخلي المتبدية في الواقعين العربي والإسلامي ، قد عرضّ القضية الفلسطينية إلى مزيدٍ من الانكشاف والاستفراد الأمريكي – " الإسرائيلي " مقدمة لتصفيتها عبر صفقة القرن .
بقلم/ رامز مصطفى