سبعون عاماً أليست كافية لكي تعود الأمور إلى نصابها ، بأنّ فلسطين قد احتلت منذ عام 1948 ، سبعون عاماً أليست كافية ليعود الصراع إلى حقيقته بأنه صراع وجود لا نزاع حدود ، سبعون عاماً أليست كافية لتكذيب الرواية الصهيونية وتأكيد الرواية الفلسطينية ، سبعون عاماً أليست كافية لمعرفة الأعداء من الأصدقاء ، وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن طرفاً محايدا أو وسيطاً نزيهاً في الصراع العربي الصهيوني ، بل كانت ومازالت هي صاحبة المشروع الاستعماري الصهيوني الإستيطاني على أرض فلسطين ، سبعون عاماً أليست كافية للرهان على غير أنفسنا والإقرار بأننا قادرون على التضحية والفداء والنضال من أجل التحرير والعودة؟؟
إنّ ارتقاء نحو ستين شهيداً إلى جنات الخلد خلال مسيرة العودة والتمسك بالقدس عاصمة لفلسطين ، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتبارها عاصمة الاحتلال الصهيونية كافية لأن تضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا التاريخية في مثل هذا اليوم العصيب ، فهل يكون موقفنا الفلسطيني بالشجب والإدانة والاستنكار لما جرى في فلسطين وعاصمتها القدس ، أم أننا مطالبون باتخاذ مواقف عملية لا تسويف فيها تؤكد على حقوقنا التاريخية والشرعية فوق أرض فلسطين التاريخية ، فلا يعقل أن نواجه كل هذا القتل الصهيوني فينا بشكوى نقدمها إلى مجلس الأمن ، ولا يعقل أن نواجه نقل السفارة الأمريكية باللجوء أيضاً إلى مجلس الأمن ، فقد أثبت مجلس الأمن على مدى تاريخه أنه غير قادر وغير مؤهل ليكون منصفاً لحقوقنا ، وقد أصبح اللجوء إلى مجلس الأمن لعبة العدو الصهيوني ، فهو يسخر منا عندما نهرب من مواجهته على الأرض ونلوذ إلى مجلس الأمن ، وكأنّ عدونا الصهيوني يدفع بنا دفعاً للذهاب دائماً إلى مجلس الأمن ، حيث يدرك هذا العدو أكثر منا ، بأنّ مجلس الأمن سينتهي إلى موقفين إما رفض الشكوى وإما اتخاذ قرار لا قيمة له لأنه غير قابل للتنفيذ ، فعلى مدى سبعين عاماً لم يُنفذ أي قرار من قرارات مجلس الأمن أو الجمعية العامة .
فما العمل إذاً ، وعدونا الصهيوني يعمل فينا قتلاً وتدميراً واستيلاءً على المزيد من أراضينا ، وبعدنا العربي الرسمي كما بعدنا الإسلامي لا قيمة لهما ، فهم مع مصالحهم الخاصة المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية ولا يمكن أن يحيدوا عنها قيد أنمله ، وهذا ما نراه اليوم حيث بانت العلاقات العربية مع الاحتلال الصهيوني فوق الطاولة وأصبحت على المكشوف ، ومنذ نحو عشر سنوات قال حمد بن جاسم مدافعاً عن علاقة بلاده مع الاحتلال الصهيوني بأنه إذا كانت علاقة قطر مع ما أسماه ( إسرائيل ) فوق الطاولة فإن ثمة علاقات للبعض العربي مع ( إسرائيل ) تحت الطاولة ، وقد بانت في الآونة الأخيرة حقيقة هذه العلاقات والتي لم تعد تخفى على أحد ، فهل يمكن الرهان على الدول العربية المطبعة مع الاحتلال الصهيوني ، أم أنّ الرهان الحقيقي هو على شعبنا وعلى ذاتنا .
العمل هو في وحدتنا الوطنية الفلسطينية ، رغم أنّ هذه الوحدة إن لم تكن مستحيلة فهي غير ممكنة في الواقع الفلسطيني الرديء ، فلنتوافق فلسطينياً إذا ، وهذا هو الممكن الآن ، والمدخل إلى التوافق الفلسطيني هو بالعودة الحقيقية إلى العديد من الاتفاقات التي وقعت من قبل الكل الفلسطيني بدءاً من اتفاق القاهرة 2005 ووثيقة الأسرى عام 2006 واتفاقات المصالحة وتنفيذ قرارات المجلس المركزي عامي 2015+2018 ووضع نتائج اجتماعات اللجنة التحضيرية في كانون الثاني 2017 موضع التنفيذ ، وتحويل قرار الجمعية العامة رقم 19/67 إلى واقع على الأرض وذلك بالانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة تحت الاحتلال ، واعتبار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي الحكومة المؤقتة للشعب العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده .
كما أنّ التوافق الفلسطيني يتطلب الخروج من وهم حل الدولتين ، لأن حل الدولتين يتماشى ويتوافق مع الرواية الصهيونية التي تقول بالحق التاريخي لليهود في فلسطين ، والخروج من عباءة أوسلو التي جعلت الاحتلال الصهيوني احتلالا مريحاً دون أية تكلفة ، فكيف يدفع الشعب الفلسطيني كلفة احتلال الصهاينة لأرضه ؟
سبعون عاماً أصبحت كافية لتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقة ، ففلسطين محتلة منذ سبعين عاماً ، واللاجئون ما زالوا مشتتين في مخيمات اللجوء وفي أصقاع العالم ، وأنه لا حق تاريخي أو ديني أو إنساني للغزاة الصهاينة في أرض فلسطين الممتدة من البحر إلى النهر ، وأنّ القدس الواحدة الموحدة هي العاصمة الأبدية لفلسطين كل فلسطين ، فمشروعنا الوطني الفلسطيني هو النقيض المطلق للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني ، وأنّ فلسطين لا يمكن أن تكون إلا فلسطين .
بقلم/ صلاح صبحية