التطبيع مع إسرائيل وغياب الإستراتيجية الفلسطينية

بقلم: وسام زغبر

 يبدو أن شهيّة التطبيع العربي الإسرائيلي قد بدأت فعلاً، تكلّلت بالتحالفات مع إسرائيل في ما يُسمّى مُحاربة «الإرهاب» وضد ما يسمى بـ «العدو المشترك» إيران.

التطبيع العربي الإسرائيلي أخذ منحى تصاعدياً وأشكالاً عدة من التطبيع على المستوى الرسمي، وصولا للتطبيع على مستوى الأفراد.

التطبيع العربي الإسرائيلي لم يعد سراً بل انتقل إلى العلن، مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «صفقة القرن» والقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها بالتزامن مع الذكرى السبعين لنكبة فلسطين وآخر تمظهرات التطبيع مشاركة فريق رياضي إماراتي للسيدات إلى جانب فريق إسرائيلي في بطولة أوروبا المفتوحة للـ«النت بول» وجانب مشاركة الإمارات والبحرين في سباق طواف إيطاليا 2018 الذي استضافته إسرائيل، فضلاً عن المناورات العسكرية الإماراتية الإسرائيلية المشتركة في اليونان وفي الولايات الأمريكية المتحدة.

لم يقف التطبيع العربي الإسرائيلي الرسمي وخاصة الخليجي عند هذا الحد، فكانت مقابلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع جريدة اتلانتك اعترف فيها بحق الشعب اليهودي في دولته الخاصة، وأن إسرائيل لم تعد عدوة العرب الأولى. إضافة إلى تغريدة وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة حول العدوان الاسرائيلي على سوريا مؤخراً: ورسمياً أن «إيران أخلت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها»، وأنه «يحق لأية دولة في المنطقة منها إسرائيل أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر» وقد التقط وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا هذا التصريح بوصفه دعماً تاريخياً لبلاده.

تصريحات الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي في مقابلة مع قناة DW عربية، قال، العالم الإسلامي سيطبع مع إسرائيل إذا طبعت السعودية، كاشفاً في الوقت نفسه ومدعياً أن التواصل بين السعودية وإسرائيل تواصل علمي وفكري وإنساني وليس سياسياً.

لم يكد العالم العربي يستفيق من إدانة ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، للمقاطعة العربية لإسرائيل، وإعلان نيته التطبيع مع إسرائيل علنًا وتأكيده لمدير مركز شمعون فيزنتال بلوس أنجلوس، إنه سيسمح لرعاياه زيارة إسرائيل رسميًا، حتى توالت الأحداث بشكل درامي بمشاركة نجل الملك البحريني في مؤتمر للأديان والتسامح أقامه مركز شمعون فيزنتال في لوس انجلوس، وزيارة جمعية "هذه هي البحرين" إلى إسرائيل رغم حالة الغليان التي تشهدها الأراضي الفلسطينية عقب إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.

التطبيع الرسمي لم يكن وليد اللحظة، فقد فتح شهية التطبيع معاهدة كامب ديفيد (1979) بين مصر وإسرائيل، لتلحق بركبها الأردن في وادي عربة (١٩٩٤)، وقطر في مكتب تجاري إسرائيلي في الدوحة (١٩٩٥) والبحرين والإمارات والمغرب وتونس وغيرها.

تصريحات وغزل صريح بين تل أبيب وعواصم عربية عدة لم يكن أحد يتصور حدوثه، ما دفع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للتباهي أمام رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، بأن «دولاً عربية كثيرة، أصبحت تعتبر إسرائيل حليفاً حيوياً وليس عدواً».

و تواصل في أوجه عدة، منها استضافة مسؤولين وشخصيات إسرائيلية في الإعلام العربي، وإفساح المجال لهم لتقديم الرواية الصهيونية وتسويقها ونشر الأكاذيب والأضاليل الإسرائيلية في تحدي سافر للرواية والحقوق الفلسطينية، ومنها إجراء مقابلة مع رئيس أركان دولة الاحتلال غادي إيزنكوت في موقع إيلاف السعودي، ونشر «مقال رأي» للناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي في الموقع ذاته، واستضافة الباحِث والمستشرق الإسرائيلي المُتشدّد مردخاي كيدار على فضائية «الجزيرة» في برنامج الاتجاه المُعاكِس.

لم نعد نسمع ضجيجاً عربياً إزاء نقل سفارات الولايات المتحدة الأمريكية وغواتيمالا وباراغواي إلى القدس المحتلة. حتى سياسة التلويح بعصا المقاطعة الاقتصادية لم تعد قائمة عملاً بقرارات القمة العربية في الظهران ومنظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول ووزراء الخارجية العرب وقد أصبحت أسيرة جدران قاعات انعقادها دون أية خطوة ملموسة إلى الأمام.

لم يقتصر الحال عند المواقف العربية بل تعدى ذلك في استمرار الصمت الفلسطيني الرسمي إزاء التطبيع الخليجي الإسرائيلي، وغياب الإستراتيجية الفلسطينية من قضايا التطبيع العربي مع إسرائيل. وكذلك لم تملك القيادة الفلسطينية إستراتيجية لمواجهة الدول التي نقلت وتنوي نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة وربما الدول التي شاركت في افتتاح السفارة الأمريكية في القدس.

وزارة الخارجية الفلسطينية أدانت موقف كل من رومانيا والتشيك والمجر، التي حالت وبالتنسيق مع إسرائيل دون صدور بيان عن الاتحاد الأوروبي يرفض إعلان ترامب بشأن القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها، وزعمت أنها ستواصل متابعتها لتطورات هذه القضية، وستواصل قصارى جهدها لضمان التزام الدول الثلاث بعدم نقل سفاراتها إلى القدس.

وزارة الخارجية قالت أكثر من مرة، أنها ستتخذ جملة من الإجراءات القانونية والقضائية ضد الدول التي تقدم على نقل سفاراتها إلى القدس، ولكن أياً من هذه الإجراءات لم يتخذ بعد ضد باراغواي وغواتيمالا، بل تحولت «الخارجية» إلى مكتب إعلامي يكتفي ببيانات التنديد والاستنكار فقط.

بقلم/ وسام زغبر