صفحات من تراثنا الفلسطيني الشاعر الثائر فرحان سلام

بقلم: نبيل عودة

·        أشغلت الأرض حيّزًا مركزيًا في الأغنية السياسيّة الفلسطينية من منطلق مركزيتها في تكوين الفولكلور الفلسطيني والهويّة الفلسطينية عامةً

·        كان الشاعر الشعبي نوح ابراهيم واحدا من أهم المغنين السياسيين لثورة 1936الفلسطينية من أشهر أغانيه “من سجن عكا طلعت جنازة / محمد جمجوم وفؤاد حجازي”.

·        الى جانب نوح ابراهيم، كان هناك الشاعر الثائر فرحان سلام ابن قرية المجيدل وهو عم رئيس بلدية الناصرة علي سلام.

·        اشتهر فرحان برفضه للطائفية، فانشد: كنيسة المهد من كان بك طمعان/ حولك تلاقي النصارى والمسلمينا.

 

الغناء السياسي من اهم النشاطات التي بنى عليها الغرب لعبتهم السياسية. تميز الشعر السياسي بسخريته بصفته نوعا من النقد والاحتجاج والمقاومة للنظام القائم. في الشرق أيضا بدأ يتطور هذا اللون السياسي -الساخر، بل البعض يعتبر هذا الغناء طريق خطيرة جدا في ظروف العالم العربي الذي يفتقد للديمقراطية وحرية التعبير.

من أبرز طلائع الغناء السياسي المعاصر في العالم العربي سيد درويش والشيخ إمام من مصر، من لا يعرف نشيد سيد درويش “بلادي بلادي” الذي أصبح النشيد الوطنى لمصر وانتشر في العالم العربي كتعبير عن حب الوطن. من الجدير ان أذكر ان بعض كلمات نشيد بلادي بلادي مأخوذة من خطبة مشهورة للزعيم الوطني المصري مصطفى كامل.

يمكننا أن نلمس عبر رصد سريع للواقع السياسيّ الفلسطينيّ، كيف أشغلت الأرض حيّزًا مركزيًا في الأغنية السياسيّة الفلسطينية من منطلق مركزيتها في تكوين الفولكلور الفلسطيني والهويّة الفلسطينية عامةً والحلم الوطني بتحرير الأرض وبناء الدولة المستقلة. من اشهر تلك الأغاني الفلسطينية: “جفرا”، “حيد عن الجيشي يا غبيشي” و”عالأوف مشعل اوف مشعلاني”، ويعتبر الشاعر الشعبي نوح ابراهيم واحدا من أهم المغنين السياسيين في التاريخ الفلسطيني ، وهو مغني الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1936 ومن أشهر أغانيه “من سجن عكا طلعت جنازة”، وأغنيته السياسية الساخرة “دبرها يا مستر بل بلكي على ايدك بتحل” والكثير غيرها وسقط شهيدا في مواجهة مع الجيش البريطاني.

فلسطين في المقدمة

شهدت الساحة الفلسطينية أيضا تطورا ملفتا للنظر للشعر السياسي الثوري ، الذي لعب دورا سياسيا تحريضيا ومجندا ضد الانتداب وضد حركة الاستيطان الصهيونية، الى جانب نوح ابراهيم – شاعر ثورة القسام وشهيدها، كان هناك الشاعر الثائر فرحان سلام ابن قرية المجيدل القريبة من الناصرة، تلقى فرحان تعليمه في مدرسة الراهبات في المجيدل، في العام 1932 عمل في سلك البوليس الفلسطيني، عند اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936، كان أحد المشاركين فيها ليس بشعره فحسب بل بجسده أيضاً، لذا أطلق عليه الشعب الفلسطيني لقب “ثائر وشاعر”. نفي بين عامي 1940-1944 إلى الأردن بسبب قصائده الشعبية التي مجدت الثوار والثورة وبسبب علاقاته مع بعض الشخصيات الوطنية في ذلك الحين. كان الشاعر فرحان طويل القامة ممتلئا يلبس عادة الديماية والعباءة وعلى رأسه الحطة والعقال. ومن صفاته أنه كان يركب الخيل عند الحداء، وهذا تقليد للحدائين في الجليل في ذلك الوقت.

بعد انتهاء فترة نفيه في الأردن عاد إلى البلاد وبقي فيها حتى عام 1948. التجأ بعد النكبة إلى سوريا وبقي هناك فترة طويلة وتنقل بين السعودية والامارات العربية. توفي الشاعر فرحان سلام في شهر كانون أول من عام 1999 في إمارة أبو ظبي ودفن فيها (بعض المصادر تقول توفي ودفن في دمشق). للشاعر فرحان سلام أكثر من 45 حفيد وحفيدة. يعيشون كلهم في الشتات. كان حلمه أن يعود إلى أرض الوطن وأن يدفن في ظل شجرة زيتون رومية من زيتونات المجيدل. لكن يبدو أن سنوات الانتظار طالت لياليها وأن حلم العودة قد تبدد في الشتات ..

اشتهر بشعره السياسي وإحيائه للأعراس في الجليل خاصة، ويحفظ كبار السن الكثير من أغانيه. من قصائد الشاعر فرحان سلام التي اشتهرت وتتردد على السن ابناء الشعب الفلسطيني قصيدة “مرثاة فلسطين” هاجم فيها وعد بلفور المشئوم وتحيز الغرب للصهيونية:

إن كان بلفور يجهل قيمة الأوطان

نحنا بأرواحنا نفدي أراضينا

 

اشتهر فرحان بمواقفه التي رفض فيها الطائفية منشدا:

يا صخرة القدس كوني في رضا وأمان

وإن هجرناك إلى الرحمن اشكينا

كنيسة المهد من كان بك طمعان

حولك تلاقي النصارى والمسلمينا

 

امتازت أشعار فرحان سلام بالحماسة والدعوة الى دحر الاستعمار البريطاني والتنديد بالحركة الصهيونية، وصيته ذاع كشاعر وثائر .. لأن أشعاره تركت أثرا واسعا في النفسية والعقلية الشعبية الفلسطينية وحضورا واسعا في مجمل أرجاء فلسطين.

من القصائد الاجتماعية التي قالها الشاعر في إحدى أعراس قرية الشجرة قضاء طبريا قبل عام 1948:

حاسب نفسك وانهيها – ع كيفها لا تعطيها

عزة نفسك بين الناس – تسوى الدنيا وما فيها

ولا توكل لقمة منان – دوم بتتعاير بيها

ووطي نفسك للطفران – رب العرش يعليها

وقال في مقطع آخر:

إن كنت بخيل ونمام – حياتك كبها وارميها

وإن كنت صاحب زمام – أعمالك بتلاقيها

إحذر من اولاد الحرام – صحبتهم مالك فيها

لأنها مثل الدخان – نسمة هوا بتهفيها

إن كنت غدار وحسود – حياتك كبها وارميها

حتى لا تخلف وتعود – ترجع اختها تلبيها

عندما شعر الشعب الفلسطيني ان هناك بوادر تخاذل من الحكام العرب، صار الزجالون ينددون بذلك في الأعراس، ومثال ذلك قصيدة للشاعر فرحان سلام حملت عنوان “اصحى يا شعب وفيق وتذكر ايام الضيق”، وقد القيت هذه القصيدة أمام مجلس الجامعة العربية عندما كان عبد الرحمن عزام باشا أمينا عاما لها.

وقال فيها:

يا خائنين الوطن يا أيها الفجار – هل غاب عنكم ماذا في فلسطينا

وجاء فيها أيضا:

لو بالكلام يصح هالمسقوم – كان الجمل ما يلزمو قطران

كان الألم ما يلزمو دكتور – يبرز لهذا العالم المعمور

والبنسلين اللي غدا مشهور – لولاه شو بتألم الإنسان

من هيك بدها فلسطين علاج – من بنسلين العرب هالوهاج!!

ومات فرحان سلام وهو ينتظر بنسلين العرب!!

بقي ان اضيف ان الشاعر المرحوم فرحان سلام هو عم رئيس بلدية الناصرة علي سلام!!

 

 

نبيل عودة

[email protected]