ليست المرة الأولى التي تعترض فيها الولايات المتحدة الأمريكية على مشروع يُطرح في مجلس الأمن حول القضية الفلسطينية والوضع في فلسطين المحتلة ، وخاصة إذا كان مشروع القرار يدين ممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين ، ويدعو لتوفير حماية دولية للفلسطينيين ، بينما تطرح الولايات المتحدة في المقابل مشروع قرار لإدانة الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال ويطلقون الصواريخ على مواقعه في فلسطين المحتلة.
وإذا كانت الولايات المتحدة ترفض الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ، وترفض أن يحمي الشعب الفلسطيني نفسه باستخدامه كل وسائل الحماية والمقاومة التي أقرتها الشرعيّة الدولية لأي شعب تقع أرضه تحت الاحتلال ، فما الذي تريده الولايات المتحدة من الشعب الفلسطيني الذي يمارس مقاومة شعبية سلمية من أجل نيل حقوقه والعودة إلى دياره وممتلكاته التي طُرد منها عام 1948 ، هل تريد الولايات المتحدة من الشعب الفلسطيني أن يحمي الاحتلال ويمنحه الأمن والسلام ، وكأنّ الولايات المتحدة تريد أن تثبت نظرية جديدة لعلاقة الاحتلال بالشعب الواقع تحت الاحتلال ، هذه النظرية التي تعمل على تكريس الاحتلال بمساعدة الشعب المحتلة أرضه ، وهذا الأسلوب الأمريكي في الاحتلال هو أسلوب متطور لدى الدول الاستعمارية ، وهو استعمار واحتلال الدول من خلال استخدام شعوب هذه الدول كأداة لاحتلال دولهم ، وهذا ما تعمل كل من الولايات المتحدة والعدو الصهيوني على أن يكون الاحتلال الصهيوني لفلسطين احتلال رخيصاً ، بل احتلال غير مكلف ، بل أكثر من ذلك على الشعب الفلسطيني أن يقوم بدفع فاتورة احتلال أرضه من خلال منح الاحتلال الأمن والسلام ، لذلك فالولايات المتحدة تريد من الشعب الفلسطيني أن ينصاع لواقع الاحتلال وأن يكون في خدمة الاحتلال .
وفي معرض رفضها للمشروع الكويتي الذي طُرح على مجلس الأمن الليلة الماضية بشأن تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ، هذا الشعب الفلسطيني دفع في مسيرة العودة السلمية أكثر من مائة وثلاثين شهيدا وآلاف الجرحى ، فإنّ نيكي هيلي مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن تعلن بكل وقاحة أنّ بلادها ستستخدم -ق النقض ( الفيتو ) ضد مشروع القرار الذي تقدمت به الكويت لمجلس الأمن ، بل وطالبت الدول الأعضاء حفي مجلس الأمن بالتصويت ضد مشروع القرار ، وذلك كما عللت وبررت نيكي بأنّ الاحتلال الصهيوني هو في حالة دفاع عن النفس اتجاه العدوان الفلسطيني المستمر على الاحتلال ، لذلك فإنّ نيكي هيلي طرحت مشروع قرار يدين استخدام حماس الصواريخ في قطاع غزة ، حيث سقط مشروع القرار هذا بحصوله على صوت واحد فقط هو الصوت الأمريكي واعتراض ثلاثة أعضاء مع امتناع أحد عشر عضوا عن التصويت .
هذا الموقف الأمريكي ليس جديدا وليس مفاجئاً ، حيث تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية لكل العرب والفلسطينيين خاصة بأنها لم تكن في يوم من الأيام دولة محايدة أو طرفاً نزيهاً في الصراع العربي الصهيوني ، بل هي اليوم تؤكد وتصر وبشكل واضح علني وصريح أنها هي صاحبة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني والحامية له .
هذا الموقف الأمريكي المتجدد يؤكد للذين راهنوا على الولايات المتحدة بأنها يمكن أن تساند أي حق فلسطيني ، إنما كانوا واهمين ، وقد خرجوا من دائرة الصراع العربي الصهيوني ، بل أكثر من ذلك أصبحوا أدوات ضغط على الفلسطينيين لمصلحة الاحتلال الصهيوني ، ودفعوا بالفلسطينيين للقبول بأي تنازل يطلب منهم تحت مبدأ لنعطي الصهاينة الفرصة ، أنها سياسة منح الفرص المتكررة للعدو الصهيوني دون الحصول على أي حق من الحقوق الفلسطينية .
هذا الموقف للعدو الأمريكي الصهيوني يتطلب مجابهة فلسطينية حقيقية بعيدة عن أوهام أمريكية تم تسويقها والتعامل معها على أنها حقيقة مطلقة ، فلم يعد ما سمي بحل الدولتين حلاً ممكن الإنجاز والتطبيق ، بل أنّ حل الدولتين الوهمي كان مقدمة لصفقة القرن التي تأخذ طريقها على الأرض ، وذلك بتكريس الولايات المتحدة الأمريكية القدس عاصمة للاحتلال الصهيوني ، والمضي العربي بالتطبيع مع الاحتلال ، الذي تتطلب مواجهته إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني النقيض المطلق للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني ، والتأكيد على أنّ نضال الشعب العربي الفلسطيني هو نضال تحرري وطني ، وأنه ما زال في مرحلة التحرر الوطني ،مع ضرورة الخروج من وهم السلطة التي هي بدون سلطة كما يقول الرئيس الفلسطيني الأخ أبو مازن.
بقلم/ صلاح صبحية