نحن الفلسطينيون نتحدث كثيرا عن المعارك بيننا وبين الإحتلال ولكننا لم نتحدث عن المكسب والخسارة , ونعرف جيدا ماذا قدمنا ولكننا لا نعرف الى أين تقدمنا , وللأسف الشديد نفتقد الصراحة في بعض الأحيان ونفتقد المصداقية في تقديم الإحصائيات والأرقام الصحيحة للرأي العام , والتي بدورها توضح للناس ماذا قدمنا والى أين تقدمنا . وهذا بسبب أننا نتعامل مع ملف الصراع مع اليهود بالقلب قبل العقل , وقد تسوقنا عواطفنا الجياشة الى المزيد من الخسارة ونحن لا ندري , فمنذ بداية صراعنا مع اليهود ووصولا الى يومنا هذا , للأسف الشديد لم نتقدم خطوة واحدة الى الأمام رغم أننا قدمنا الكثير من الشهداء والجرحى والأسرى , وأخص بالذكر مسيرات العودة والتي إنحرفت عن مسارها رغم أن أهدافها نبيلة .
يجب أن نجلس على الطاولة بعد كل معركة ونفتح دفتر حساباتنا وندقق فيه جيدا , وندرك تماما أن الحروب مكسب وخسارة , ونحن لم نقاتل من أجل القتال بل نقاتل من أجل المكاسب المادية , فإذا كانت معاركنا ذات نتائج مادية وملموسة فكلنا جنود في هذا الوطن , وإذا كانت معاركنا خاسرة فعلينا أن لا نخرج من بيوتنا كي نتجنب الخسارة .
فعلينا كفلسطينيين أن ندرك جيدا أننا نقدم كي نتقدم , فلا يجوز أن نقدم في كل مرة دون أن نتقدم خطوة للأمام .
حسب ما قرأت في وسائل الإعلام وما شاهدت أيضا على أرض الواقع , وجدت أن المشاركين في مسيرات العودة لا يتجاوز عددهم مئة ألف مشارك موزعين على خمس نقاط في محافظات غزة , بحيث أن كل نقطة تحظى بعدد عشرون ألف شخص تقريبا , وهذا يعني أن نسبة المشاركين في مسيرات العودة الكبرى لا يتجاوزون الخمسة بالمئة من سكان قطاع غزة , مع العلم بأن سكان القطاع تجاوز إثنين مليون نسمة , وهذا يعني أن خمسة وتسعون بالمئة من سكان غزة غير مقتنعين بمسيرات العودة , وفي حال أنني أخطأت في تقديم أرقام وإحصائيات غير دقيقة فهذا لا يعني أن يتجاوز عدد المشاركين عشرة بالمئة في أحسن الأحوال , وهذا ايضا يعبر عن ضعف المشاركات على مستوى القطاع .
والسؤال هنا , لماذا السواد الأعظم من سكان قطاع غزة لم يشاركون في مسيرات العودة الكبرى ؟ برأيي أن عدم المشاركة الكافية لمسيرات العودة تعود لسببين رئيسيين , بالإضافة الى الأسباب الفرعية والتي تعود الى الهموم اليومية وضيق الحياة .
أولا : عدم المشاركة الكافية لمسيرات العودة بسبب أنها إنحرفت عن مسارها الطبيعي والمتفق عليه من البداية , وهو أن تكون سلمية , فأدك الناس أنها ليس سلمية , وأن في كل مرة نقدم الشهداء تلوا الشهداء والجرحى تلوا الجرحى , حتى أصبح الإقبال عليها يقل بشكل تدريجي , وهذا ما يجعلنا نعود الى فحوى حديثنا في السياق عن المكسب والخسارة , وبالطبع أدرك الناس أن الخسارة أكثر من المكسب .
ثانيا : هناك أزمة ثقة بين الشعب وا لفصائل , فمن الطبيعي جدا أن الشعب البسيط لا يثق في مصداقية الفصائل , فهناك فجوى كبيرة والجميع يعرف الأسباب , وعندما تكون الفصائل هي المحرك الأساسي لمسيرات العودة بالطبع سيدرك الشعب أنها ستعود للحزبية والمكسب الحزبي دون أن تعود للشعب , وهذا ما يعانيه الشعب في كل مراحل الصراع مع الإحتلال , المكاسب الحزبية وإقصاء الشعب .
برأيي أن الشعب أصبح يدرك تماما أن حسابات المكسب والخسارة مهمة جدا في ملف الصراع , وأن الحسابات الدقيقة يجب أن تكون حاضرة بعيدا عن الشعارات الرنانة التي لا تغني من جوع , فلا يجوز للفلسطيني أن يقدم ولا يتقدم , لأن هذا يعني أننا نخوض المعارك من أجل المعارك فقط .
بقلم/ أشرف صالح