هناك ما يزيد عن 200 ألف مُدرج أمني في قطاع غزة، هم ضحايا صراع الأحزاب والتنظيمات والمناكفات بين غزة ورام الله، ممنوعين من السفر للعلاج أو الدراسة، منهم نسبة كبيرة مريضة بالسرطان، محرومين من الالتقاء بالأقارب في الخارج، هؤلاء أناس عاديون وقعوا فريسة لبعض المغرضين من كُتاب التقارير الكيدية، وكتصفية حسابات، ويمثلون ظاهرة تدمي القلب والعين. وتلقي بظلالِ كئيبة على المشهد الفلسطيني وتطال أغلبية الأسر الفلسطينية، وغالبيتهم فقراء، يعملون ألف حساب لتذكرة المسافر ورسوم التنقل وأجرة التاكسي، وهناك من الخريجين المُعدمين الفقراء من جاءته فرصة عمل في الخارج، فيكتشف بأنه ممنوع من السفر فتتحطم آماله على صخرة الظلم والانقسام الفلسطيني البغيض، مما يزيد في مشكلة البطالة. وكثير منهم حتى محسوبين على حركة فتح نفسها، أو ليست لهم أي علاقة بأي فصيل. وحتى المختلفون إيديولوجياً على تراب نفس البلد يتساءلون: "إلى متى سنظل المُبعدون؟ المُذنبون؟ المتهمون بالعبادة؟ والمحكومون "حبساً" بالإبادة؟"
سيادة اللواء المحترم ماجد فرج، سأنقلها لكم بأمانة واعتبرني ساعي البريد "بوستجي": هؤلاء يرون ويقولون بأنكم في رام الله وفي أجهزة أمنها ترسلون تقارير للمصريين والأردنيين لتمنعونهم من السفر كعقاب لاختلاف في الرأي.
وكباحث ومهتم بالشأن السياسي والمجتمعي والإعلامي، وجدت أن الأمن يحيط بحياتنا إحاطة السوار بالمعصم، ويؤثر علينا، ويتحكم بمصير العباد. لذا، أحببت أن أزيح الستار عن هذه الأزمة وتداعياتها وخطورتها. لثقتي بأنكم ستتحركون من اجل حلها.
وباستطلاع بعض الآراء من خلال اعتمادنا على منهج المسح الاجتماعي، فقد أكد المواطن (أ. ح.) وهو مريض بالسرطان يريد السفر للعلاج بأنه تم إرجاعه للمرة الخامسة خلال عامين، وفي كل مرة يقول له الأمن المصري متعاطفاً معه: "حل مشكلتك مع الأمن الفلسطيني وتعال سافر". ومثله أيضا المواطن المُرجع المصاب من الاحتلال الإسرائيلي (ب. ش.) حيث أكد لي بأنه لم يسئ لمصر إطلاقاً ولكن له قريب يعمل في حماس.
والطالب (ف. ج.) 19 عاما يحاول السفر للجزائر منذ عامين، ويتم إرجاعه لان والده يعمل في وزارة خدماتية في غزة وعلى رأس عمله. والتاجر (ص. أ) يقول لي بان شريكه السابق سرقه ووشى بوشاية كيدية ضده للأمن الفلسطيني لكي يمنعه من عبور عمان ورام الله واسرائيل.
وعلى سبيل المثال لا الحصر أخذنا عينات عشوائية من كشوفات السفر وأعداد المسافرين والمرجعين، وتبين التالي:
• باختيار يوم عشوائي في فتحة المعبر مارس2017، تم إرجاع 85 مسافرا من أصل 585، وبذلك تكون النسبة المرجعة هي 15%.
• وفي مايو 2018 سافر 275 وتم إرجاع 40 بنسبة 14.5%
√ سيادة اللواء ماجد فرج، وانتم تمثلون المؤسسة الرسمية الوحيدة للشعب الفلسطيني وبيدكم كل الصلاحيات والاتصالات،، إن سياسة العقاب العشوائي للشعب الفلسطيني ووضعهم على قوائم المنع من السفر تباعد بين القيادة والشعب، وتزيد حدة التوتر والاحتقان والتباغض، وتذهب بكثير من فئات الشعب إلى التشدد والتطرف والعنصرية،، فحرمان الناس من أدنى حقوقها تجعلها تكفر بالوطن الذين تسعون لبنائه وتعملون على استقلاله، إن من البديهيات أن هذا المنع والحرمان من السفر ورؤية العالم الخارجي الجميل تزيد درجات الجهل والكره والتمركز حول الذات. وهذه كلها أمراض مجتمعية تتسبب بها القرارات الخاطئة التي تتخذها القيادة.
√ سيادة اللواء ماجد فرج، إن هذا ظلم كبير جداً يقع على جزء أصيل من أبناء الشعب الفلسطيني. نرجو من حضرتك إصدار بيان توضيحي الرأي العام بالخصوص، و التدخل لإنقاذ هذه الفئة وجعلها في أعلى سلم أولوياتك وترفع الحظر عنهم، وخاصة انك تلتقي بوزير المخابرات السيد عباس كامل كثيرا، وانه متعاطف جداً مع القضية الفلسطينية ويقدر ظروفنا.. وبكل صدق وأمانة اغلب هؤلاء الممنوعين من السفر يعشقون تراب مصر ويفدونها بأرواحهم ويدركون أهمية الأمن القومي المصري وضرورة المحافظة عليه. ولم ينتقدوا مصر، لا نظاماً ولا قيادة ولا شعباً.. قد يكونوا انتقدوا أداء السلطة الفلسطينية فقط.
شخصياً، أعرف عشرات الأفراد ينتقدون سياسة مصر ليل نهار، ولكنهم لا ينتقدون السلطة. وهؤلاء يسافرون بأريحية ولا يعانون.
√ هؤلاء المحرومون من السفر يا سيادة اللواء، أناس مثلكم، يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا.. وخير وصف لهذه الفئة المظلومة ما قاله الممثل المصري والنجم الرائع أحمد حلمي في فيلم "عسل اسود"، عندما قال لزميله "ادوارد": ( يا سعيد، الناس الي بترفضهم السفارة الأمريكية مش الناس الزبالة ولا حاجة،، دُول أحسن ناس).
بقلم/ فهمي شُراب