بعد فوز أردوغان بات غير قلق من علاقته مع إسرائيل , لأن هذا الفوز منحه ثقة كبيرة ودفعة أكبر لإستمرارة في سياساته التطبيعية مع إسرائيل , علما بأن الشعب التركي كان يعلم مدي قوة توجه أردوغان للتطبيع مع العدوا الأوحد للعرب , ولكن الشعب التركي بطبيعته لا يعنيه العرب كثيرا مثلما يعنيه إختيار الرئيس المناسب الذي يتناسب مع طبيعة المجتمع التركي والذي لا يختلف عن مجتمع أوروبا .
من المؤكد أن أردوغان له شعبية واسعة في تركيا لأنه الرجل المناسب في المجتمع التركي والذي يختلف كليا عن المجتمع العربي , وهذا ما يؤكده فوزه في الإنتخابات الرئاسية بحلتها الجديدة والتي تعتبر نقلة نوعية في نظام الحكم في تركيا منذ عقود طويلة , والعلاقة الجيدة التي تربط تركيا مع إسرائيل والتي تتمثل في التطبيع الكامل والتبادل التجاري والسياسي والعسكري ليس جديدة , بل هي قائمة منذ زمن طويل , ولكن حصلت بعض الإطرابات بين الدولتين عندما ضربت إسرائيل سفينة مرمرة التركية في عرض البحر , ومع ذلك وبعد الضربة التي وجهتها إسرائيل لتركيا أصر أردوغان أن يعيد العلاقات كما كانت من قبل وبل أفضل من قبل , مكتفيا بجواب الإعتذار التي قدمته إسرائيل لتركيا , وبالتأكيد فوز أردوغان لم يأتي بشيئ جديد في العلاقة الحميمة بين تركيا وإسرائيل بل وسيعزز هذه العلاقة الى مدى بعيد .
إن المشكلة الحقيقية ليس في علاقة أردوغان بتركيا وإسرائيل , لأنه من الواضح جدا أن أردوغان هو الشخص المناسب لتركيا ولإسرائيل أيضا , المشكلة في بعض المخدوعين من العرب وخاصة في فلسطين الذين يراهنون دائما على أردوغان وكأنه المخلص الوحيد لمشاكلهم مع أنظمتهم الفاسدة على حد تعبيرهم ومع إسرائيل أيضا , وبالرغم من العلاقة الجيدة بين تركيا وإسرائيل لا زالو هؤلاء المخدوعين يراهنون على أردوغان معتقدين أنه يفعل ما يقوله في شعاراته المشهورة والتي بات الجميع يحفظها عن ظهر قلب .
إستطاع أردوغان أن يشغل العالم ويلفت أنظارهم من خلال شعاراته الرنانة وخاصة بما يخص القضية الفلسطينية , والتي لم يقدم لها شيئا سوا بعض الشعارات الثورية والمساعدات الخفيفة والكابونات التي تمت سرقتها من الجمعيات الخيرية والمؤسسات الفاعلة في غزة , والأخطر في الموضوع أنه يتبنى الفكر الإسلامي المعتدل ويحارب الفكر العلماني برغم أنه علماني بإمتياز .
قبل أن نعرف أردوغان جيدا يجب أن نحرر بعض المصطلحات التي يتغنى بها , وخاصة مفهوم العلمانية , فالبعض يعتقد أن العلمانية مجرد مصطلح نطلقه على بعض الأشخاص أو بعض الأنظمة وهذه هي المشكلة التي يقع فيها الكثير من الناس , فيجب أن نعلم أن العلمانية هي سلوك سياسي يمارس على أرض الواقع , ويتمثل في فصل الدين عن السياسة , فمن لا يحكم بما أنزل الله ولم يطبق الشريعة الإسلامية حرفيا فهو علماني بإمتياز , وبناء على هذا التعريف فإن أردوغان يمارس العلمانية بإمتياز , وتطبيعه مع إسرائيل هو جزء كبير من مفهوم العلمانية وأيضا الجزء الأكبر من خداع العرب المطبلين له وخاصة في قطاع غزة .
إن شرح العلمانية بتفاصيلها وشرح سياسات أردوغان وعلاقته بالإسلام والعلمانية يحتاج منا عشرات المقالات لتوضيح ذلك , ولكن وضحنا هذا الموضوع في سطور قليلة وعناوين عريضة , ومن يريد التعرف على علمانية أردوغان عليه أولا أن يتعرف على المجتمع التركي والذي لا يختلف عن المجتمع الفرنسي أو البريطاني أو الأمريكي .
بإختصار إستطاع أردوغان إقناع بعض البسطاء من الشعوب العربية وخاصة بسطاء قطاع غزة بأنه يؤمن بالإسلام المعتدل , وأنه يحارب العلمانية مع العلم بأن كثير من الناس لا يحاولون معرفة الفرق بين الإسلام المعتدل والعلمانية , والإسلام المعتدل بالنسبة لأردوغان هو ترخيص بيوت الدعارة والملاهي الليلية والخمارات .. ومنح الحرية الكاملة لمجتمعه بالتزامن مع وجود المساجد والحرية الكاملة للعبادة , هذه هي العلمانية بحد ذاتها .
نحن كفلسطينيين لايعنينا من علمانية أو أسلمة أردوغان شيئا , بل يعنينا علاقته مع إسرائيل وتداعياتها علينا كفلسطينيين , لأن علاقة التطبيع التركية الإسرائيلية ليس ظاهرة جديدة , بل هي متطورة شيئا فشيئا الى أن وصلت الى حد التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين , وهذا يعني تبادل سلاح وخبرات , وهذا يعني أنه في حال حدوث أي حرب على غزة ربما تكون القذائب التي تسقط على غزة صناعة تركية , وتطلق علينا أيضا بخبرات تركية .
هل يعلم الفلسطينيون المحتفلون بفوز أردوغان وخاصة في غزة , أن فوز أردوغان سيكون مشجعا له أكثر في التطبيع مع إسرائيل , يجب على الشعب الفلسطيني دراسة الواقع جيدا للتعرف على تداعيات الأمور , ويجب إمعان العقل أكثر من المشاعر الجياشة التي تقودنا .
الكاتب الصحفي : أشرف صالح
غزة – فلسطين