الامن بديلا عن الدبلوماسية:-
منذ النكبة و ما بعدها من مراحل مر بها الشعب الفلسطيني لم يتم التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية حقوق وطنية و اجحاف دولي في انصاف الشعب الفلسطيني و لم تخضع القضية الفلسطينية لموجب القرارات الدولية المتعددة التي اصدرتها الامم المتحدة بجمعيتها العامة و مجلسها الأمني و لم تطبق قوانين و مبادئ جنيف و اتفاقياتها المختلفة على الشعب الفلسطيني بل نظرت الأنظمة المختلفة الى القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني كقضية أمنية من الدرجة الاولى و لم تكن الأنشطة السياسية او الدبلوماسية الى مزيدا من التغوط و الفشل لافساح الطريق للسلوك الأمني ان يطبق بشكل او بأخر و بأشكال مختلفة على الخطوط السياسية و على الأحوال الشخصية و المدنية للشعب الفلسطيني أينما وجد .
ليس هناك متسعا في هذا المقال للدخول في مراحل الإستهدافات الأمنية للشعب الفلسطيني و التي أثرت بشكل او بأخر على ثقافته و على حركته الإجتماعية و على سلوكياته من أجل استرجاع ارضه و حقوقه المسلوبة ، بل كانت هناك اوقات و اعتقد انه مازال معمولا بها في بعض الاحيان ان يطارد الفلسطيني فقط لانه يحمل هوية الفلسطيني و تعريفه و التي حدت من حركته و نشاطاته ايضا .
و لكن ما يخصنا الأن ان الملف الفلسطيني دائما هو ملف أمني تتناوله الأنظمة كل حسب توجهاتها و برامجها ولم ينظر للملف الفلسطيني من الجانب السياسي او الدبلوماسي و بالتالي احيل هذا الملف دائما الى دوائر الأمن و بالمقابل فإن ما يسمى دولة اسرائيل التي بنت وجودها على النظرية الأمنية و العسكرية قد كرست السياسة و الدبلوماسية في خدمة قضاياها الأمنية ووجودها في المنطقة عبر اتفاقيات و معاهدات رسمت خطوط أمنية في المنطقة و يعني ذلك مزيدا من حصار الشعب الفلسطيني وبرامجه السياسية و توجهاته النضالية ، قد يكون النظام الفلسطيني قد اتبع الدبلوماسية و بدون الخوط في الفجوات و مناطق الفراغ التي تركها في اعداد البنية او الجبهة الداخلية و اهتمامه بالعمل الخارجي و بالتالي لم يحصد نتائج قد تذكر و ان كان هناك عدة قرارات اصدرتها الامم المتحدة و الجمعية العامة و منظمة الوحدة الافريقية و اليونسكو و منظمات حقوق الانسان الا ان كل تلك القرارات قد اصطدمت بالمفهوم الامني الذي يعمل به في منطقة الشرق الاوسط و قلبها القضية الفلسطينية وقد تزايد الاهتمام الأمني و التعاون الامني بين كل دول المنطقة حيث فواصل التاريخ و العداء قد انهارت بين اسرائيل و دول الجوار بعد اضعاف الدولة الوطنية او انهيارها او تعرضها لهزات اقتصادية عنيفة ، و برز ذلك بشكل جلي بعد ما يسمى بالربيع العربي عام 2011 حيث تغيرت قائمة الاعداء و قائمة الاصدقاء و ايضا بمحاورها الامنية و هي الرئيسية .
يهمنا الان ان نتحدث بشكل اساسي حول صفقة القرن و التي اغنيناها بعدة مقالات حول نتائجها و محاورها و ارهاصاتها و مفرداتها التي تتغير و تتبدل بناءا على الرؤية الامنية و مراكز القوى الاقليمية في المنطقة و الدولية ايضا ، الا ان صفقة القرن و ان كانت القضية الفلسطينية هي المستهدفة النهائية فالتسويات الاقليمية قد بدأت على قدم و ساق منذ اجتياح العراق وما تلاها من ربيع عربي لاحداث توازنات جديدة وتعديلات على سايكس بيكو و نتائج الربيع العربي بجغرافيات امنية ينتج عنها ديموغرافيات جديدة في المنطقة .
من الخطأ ان نتحدث عن صفقة القرن و انها تقع في مربع ضيق هو القضية الفلسطينية وان كانت هي الوحيدة التي ستدفع الثمن الباهظ و ستعزز نظرية الامن الصهيوني وجودا و قوة فالعالم يتغير في شبه الجزيرة الكورية و في اوكرانيا و سوريا وليبيا و منطقة الخليج و اليمن و هناك انسحاب من الاتفاق النووي مع ايران و هناك انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي .
في مجال البحث في تطبيقات صفقة القرن قد تسير متوازية في كل انحاء العالم ، ففي سوريا التي تتعرض لهجمة كبيرة منذ عام 2011 عرض ترامب على الروس انسحاب كامل من سوريا مقابل اخلاء ايران و حزب الله من سوريا و الاعتراف بشرعية الأسد في حين ان الروس علقوا على زيارة مستشاري اترامب لاسرائيل و دول المنطقة في معرض حديثة عند استقبال مسؤول الامن القومي لترامب بأن امريكا لن تسطيع ابرام تسوية وتطبيق صفقتها في فلسطين اي بين الفلسطينيين الاسرائيليين ( بمفردها ) و هنا انذار روسي للامريكان بأن روسيا قد تبطل هذه الصفقة ما لم تأخذ بالحسبان المصالح الروسية في المنطقة .
لم يأتي ترامب الى صدارة البيت الابيض الامريكي بناءا على خيار انتخابي بحت بل يقود امريكا مؤسسات امنية لها رؤيتها في الرؤساء و من يستطيع ان يتولى رئاسة امريكا في تطبيق البرنامج الامني الامريكي على المستوى الدولي و على المستوى الداخلي ايضا ، فما صنعه اوباما و من قبله بوش الابن و الاب و كارتر و كلينتون هو يصب رسميا و باستكشاف واضح التعامل الامني الامريكي بخصوص توثيق وجود اسرائيل امنيا و اقتصاديا في المنطقة مع اهمال دعم اي وجود لفضاء عربي يعزز من قوى مقاومة المشروع الصهيوني ، وبالتالي اتى ترامب بشخصية المعروفة الحادة التي يغلب عليها سلوك المقاول رجل المليارات و الذي بدأ حملته الانتخابية "أمريكا اولا" و احياء الشعور لدى المواطن الامريكي بأن أمريكا هي أولا في العالم .
لم ندهش فيما تناقلته وكالات الانباء عن اجتماعات هنا وهناك لرؤساء الاجهزة الامنية في المنطقة ، فالمنطقة تقسم بخطوط العرض و الطول و اداة هذا التقسيم هو الذراع الامني والقوى الامنية و ان كانت مصحوبة بالقوى الناعمة وهو الذراع الاقتصادي لبعض التسويات السياسية ودون البحث في الجوهر التاريخي للصراع العربي الاسرائيلي ، او كما تم تعريفه الان و اصبح دارجا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، وهو تعريف يعزل العمق الرعبي من دارة الصراع الى دائرة الوسيط في حل الصراع ، ليس غريبا ما يعرض من حلول انسانية تأخذ الطابع الاولي لنشآة النكبة الفلسطينية اي بمعنى خمسون عاما من النضال الوطني الفلسطيني قد ضاعت هباءا لتعود المشكلة كما صورتها النكبة بأنها قضية لاجئين و قضية اونروا و خدمات و في هذا السياق تتم رسم الخطوط الامنية للقضية الفلسطينية لتصبح واقعا جغرافيا و ديموغارافيا و تاريخيا يحمل اجحافا مضاا و مدمرات لأي وحدة للشعب الفلسطيني لما تبقى من الجغرافيا الفلسطينية ليعيش الشعب الفلسطيني حقبة جديدة في معاناته بمسميات جغرافية جديدة و بتاريخ جديد و بثقافة جديدة و بنشئ جديد ، فهل الفلسطينيون يناطحون طواحين الهواء و هل يناطحون العجلة الامنية الدولية و الاقليمية و ما هي مقدرتهم على المجابهة في عالم يحكمه المال والاقتصاد و الامن ، المعادلات قد تغيرت من الخمسينات الى الستينات الى اعلان الاستقلال الى اوسلو الى الحلول الانسانية و لكن قد اكون على قناعة بأن اي جزء من الفلسطينيين صامدا على ارضه ستبقى هي البؤرة الدائمة التي تذكر بالحقوق التاريخية و تبقى شوكة في وجه كل الأنشطة الأمنية وبرامجها .
بقلم/ سميح خلف