لم نعد ندرك ما طعم المصالحة، وما مفعولها وسحرها؟!

بقلم: أحمد الأسطل

لطالما جاءتنا تمد يد الاستبشار وذهبت بكل الخيبات، ولم نشعر بلذتها أو بالرغبة تجاه استقبالها أو وداعها لا لشيء سوى لأن طرفي المعادلة (فتح وحماس) أدخلا الشعب في رحلة من البلادة الوطنية والاجتماعية والسياسية.

لقد قام الرئيس محمود عباس باتخاذ سلسلة من الخطوات التي يراها الطريق المناسب لإنهاء الانقسام، ومن باب اعتقاده الجازم بأنها ستأتي أكلها يوما، وفي المقابل تقوم حركة حماس بالصمود الأسطوري في وجه الإجراءات وبأريحية شديدة وهنا من يتألم بحرقة سوى المواطن العادي؟!

لا أفهم لماذا صبر الرئيس أكثر من إحدى عشر سنة على الانقسام وهو يعلم آفته على الوطن والقضية الفلسطينية دون معالجة جذرية؟ ولماذا الآن يصر على انهائه؟!، ولو سألنا السؤال نفسه من ناحية أخرى لحركة حماس لماذا لم تذهب يومها إلى صندوق الانتخابات كملاذ للتخلص من عبء ومسؤولية القاعدة الشعبية التي منحتها الثقة؟! ولماذا تصر حتى هذه اللحظة على رهن الشعب وفقا لمعطيات ليست له دخل فيها؟!

على أية حال؛ طرفي الأزمة هما الأزمة نفسها، ولم نصل لهذه المرحلة من التوريط السياسي إلا بفعل انحراف سياستهما عن بوصلة العقد الاجتماعي التي ارتكزا عليها، وترتب على هذا التوريط أبعاد عديدة إنسانية، واجتماعية واقتصادية؛ فأصبح التسول ظاهرة، وسيصبح يوما الانحراف ظاهرة كما ستصبح السرقة ظاهرة وسيتغلغل الإجرام في المجتمع إن لم يتوقف هذا العبث.

طرحت مصر مؤخرا مبادرتها لإنهاء الانقسام، وكان شعار الرئيس تمكين الحكومة أولا، ويبدو هنا أنه يراهن على ثني حماس عن موقفها، أو إخضاعها لإملاءاته، وكنا نرجو مرونته في التعاطي مع هذا الملف، وهو البدء بدمج الموظفين وفقا لما يسمى باللجنة القانونية والإدارية كخطوة مهمة لإثبات حسن النية، ومن ثم استكمال مسألة تمكين الحكومة لاسيما أن حماس خطت خطوات جيدة في ملف المصالحة دون أن يخطو خطوة واحدة.

سينعقد المجلس المركزي الفترة المقبلة ولربما الشهر القادم لخوض سلسلة جديدة من الإجراءات وعلى رأسها التوصية بانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة ليبرر الرئيس خطواتها فيما بعد بغطاء منه، وهذه خطوة متوقعة لتفويت الفرصة على تفكير حماس بالاستحواذ على الحكم بطرق معينة وإن كانت وفق القانون، ولكن في الوقت نفسه قد تعزز الانفصال التام.

مشروع صفقة القرن وقتل القضية الفلسطينية بات وشيكا ولربما بأيدي فلسطينية؛ فلو نلومن حركة حماس إن ذهبت نحو تحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة بمنأى عن السلطة الفلسطينية.

ومن هنا من أجل عدم تمرير صفقة القرن يجب التوجه لمصالحة حقيقية تهدف إلى العودة لصاحب السلطة الأول وهو الشعب من خلال عدة خطوات أولاها تمكين الحكومة وفي الوقت نفسه معالجة دمج الموظفين، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة تساهم في طي صفحة الانقسام، وضرورة معالجة ملف منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة الشراكة، ويجب أن يكون لمصر دور رئيس في متابعة هذا الملف ناهيك عن دور الجامعة العربية التي منحت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها الشرعية، وما دون ذلك هو هدر لوقت القضية وقتلها وتسريع خطوات مشروع فصل غزة عن الضفة، وبهذا تصبح صفقة القرن تحصيل حاصل.

بقلم/ أحمد الأسطل