إسرائيل رسميا نظام أبارتهايد عنصري، وسنواجهه

بقلم: مصطفى البرغوثي

أقرت الحكومة والكنيست الإسرائيلي سلسلة قوانين عنصرية غير مسبوقة، لكن ذروتها كانت إقرار ما سموه قانون القومية، الذي كرس إسرائيل ككيان لليهود فقط وحصر حق تقرير المصير فيها حصرا باليهود فقط، وحصر أرض فلسطين بأنها لليهود فقط، وفي ظل حقيقة أن الفلسطينيين المقيمين على أرض فلسطين التاريخية يمثلون أكثر من خمسين بالمئة من السكان، وأن الفلسطينيين من حملة جوازات السفر الإسرائيلية يزيدون عن عشرين بالمئة، فإن هذا القانون قد كرس إسرائيل رسميا، بعد أن كرستها الأفعال عمليا، كنظام أبارتهايد عنصري هو الأسوأ في تاريخ البشرية.

وبذلك فإن الحكومة الإسرائيلية وكنيستها الإسرائيلي إنحدروا إلى مستوى غير مسبوق في العنصرية المكشوفة والوقحة، وأقرا نظاما يخرق القوانين الدولية وعهد حقوق الإنسان، ويغلق الباب نهائيا أمام ما يسمى " بجهود السلام" "و"حل الدولتين" .

فهذا القانون يجعل نظام الإبارتهايد العنصري الإسرائيلي أسوأ بألف مرة وأشد عنصرية ودناءة، من نظام الأبارتهايد الذي أسقطه مانديلا وشعبه في جنوب إفريقيا.

وبغض النظر عن الإدعاءات الميثولوجية، وتزييف التاريخ الذي تمارسه إسرائيل، بما في ذلك الإنكار الكامل لوجود و حقوق الشعب الفلسطيني وتاريخه، فلا بد من توضيح المعالم السياسية الخطيرة لهذا القانون.

وأولها أنه يمثل الخاتمة الطبيعية لتطبيق الفكر الصهيوني بطابعه العنصري،وهو فكر ناور طوال مائة عام لإخفاء مقاصده الحقيقية، وطابعه التوسعي، وأخفى مخططاته خلف الإدعاء بأنه الضحية وهو المسبب لمأساة الشعب الفلسطيني، مستغلا معاناته، وحتى معاناة اليهود أنفسهم في اوروبا ، إلى أن حقق ما أعتقد أنه قوة كافية تسمح له أخيرا بكشف وجهه الحقيقي وعنصريته بالكامل، الأمر الذي تجلى في ما نص عليه القانون بأن ممارسة حق تقرير المصير محصورة باليهود فقط.

المعلم الثاني بالغ الأهمية، ما نص عليه القانون بإن الإستيطان اليهودي ( لاحظوا اليهودي وليس الإسرائيلي) هو قيمة قومية وستعمل إسرائيل على تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته . والسؤال الجوهري هنا اين سيتم ذلك؟ إذ لم يحدد القانون العنصري مثلما لم تحدد أي قوانين إسرائيليةحدود دولة اليهود، وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تحدد حدودها، وذلك يعني أولا أن القانون العنصري ونظام الأبارتهايد يشمل كل أراضي فلسطين بما فيها الضفة والقدس وغزة بالاضافة الى  الجولان السوري المحتل ، وأكثر ، فالباب مفتوح لاحقا إن توفرت الفرصة للأطماع الصهيونية للإستيطان والتهويد في الأردن ولبنان.

بعض العرب للأسف كانوا يظنونا نبالغ حين كنا نحذر من مخاطر الحركة الصهيونية على بلدانهم،و اقتصادياتهم،وثرواتهم ، واليوم تبدو الصورة واضحة في محاولة إسرائيل جعل نفسها القوة الإقليمية المسيطرة على كل المحيط العربي عسكريا، وإقتصاديا، وسياسيا.

أما المعلم الثالث الخطير، فهو ما نص عليه القانون بأن القدس الكاملة الموحدة هي عاصمة إسرائيل، وهذا هو الرد على دعاة الإستسلام الذين قالوا أن نقل السفارة الأميركية للقدس يخص فقط جزءها الغربي.

وإذا أردتم المزيد فإن القانون يعتبر تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني، العيد القومي الرسمي للدولة، ويلغي مكانة اللغة العربية، ويلغي فعليا أي حقوق قومية أو مدنية للفلسطينيين الذين يسميهم ( غير اليهود) أي الأغيار الذين حسب أعرافهم التلمودية يجوز قتلهم ، بل يتوجب قتلهم ، واضطهادهم.

سيأتي يوم يندم فيه من صاغوا هذا القانون وأقروه، على أنهم بإقراره كشفوا عورة الصهيونية وووجه إسرائيل العنصري بالكامل، وثبتوا نظامهم كنظام أبارتهايد عنصري ، وفتحوا الباب على مصراعيه لنجاح حركة المقاطعة و سحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضده.

وإذا كانت إسرائيل قد حجزت لنفسها بهذا القانون وبسياساتها، مكانا مضمونا في معسكر الفاشية والعنصرية الشوفينية عالميا، وهو معسكر مصيره الزوال، فإنها ساعدتنا فعليا على تأكيد إدراكنابأننا شعب واحد، نعاني من إضطهاد واحد، ومصيرنا ومستقبلنا واحد، ونضالنا واحد بكل مكوناتنا سواء من يعيش في أراضي 1948، او في الاراضي المحتلة، أو في الخارج.

ولا توجد سوى إستراتجية واحدة لتوحيد هذا النضال، إستراتجية الجمع بين المقاومة الشعبية ، وحركة المقاطعة ، ودعم الصمود والبقاء، والوحدة ، وتكامل نضال كل مكونات الشعب الفلسطيني .

اليوم إكتملت الصورة، ولا فائدة من المراوحة في الماضي ومشاريعه،و مفاوضاته، وأساليبه، وتسوياته، و اتفاقياته، فهدفنا الجامع يجب أن يكون إسقاط نظام الأبارتهايد والاحتلال العنصري بالكامل و بكل مكوناته.

 

بقلم د. مصطفى البرغوثي

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية