إنها ستواصل المقاومة ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

يوم الأحد التاسع والعشرين من تموز الجاري، تنسمت الطفلة الفتاة عهد التميمي ووالدتها والأسيرة ياسمين عبير الحرية بعد أن أطلق سراحهن من سجون الإحتلال الإسرائيلي، وقد تفاجأ البعض حتى من المناضلين الفلسطينيين ذوي التاريخ النضالي الطويل من الحفاوة التي حظيت بها الطفلة (المناضلة عهد) التي صفعت الجندي الإسرائيلي أمام منزلها في بلدة النبي صالح على وجهه، وهو المشهد الذي وزع عبر فيديو مصور مستفزاً الكيان الصهيوني وغالة مستوطنيه، والذي لاقى إنتشاراً واسعاً بين الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية ...

وقد غدت عهد التميمي بعده أيقونة من أيقونات النضال الوطني الشعبي الفلسطيني بلا أدنى شك في ذلك، هذه الطفلة المناضلة إبنة المناضل باسم التميمي والمناضلة ناريمان التميمي، فقد عرف والدها كما والدتها سجون الإحتلال وقيود الأسر التي لم تثنيهما عن مواصلة درب النضال .. وقد إستشهدت عمتها أم نزار والدة المناضل نزار التميمي أثناء محاكمة ولدها نزار حين إعتدى عليها المستوطنون في قاعة المحكمة في القدس في تسعينات القرن الماضي، كما استشهد خالها وكذلك إبن عمها وأسر شقيقها وهي طفلة يانعة .. فكيف لا تكون الطفلة عهد التميمي أيضاً مناضلة ومتحدية للإحتلال وهي تشاهد يومياً المستوطنين وبحماية الجيش الصهيوني يعتدون على قريتها ويسرقون ماءها حيث سيطروا على عين الماء التي تروي بلدتها الجميلة، وترى جدار الفصل العنصري يتلوى كالأفعى حول منازل بلدتها وسرقة أراضيها لحساب الإستيطان والإستعمار الإسرائيلي .. لقد تظافرت كل العوامل والظروف لتصنع من هذه الفتاة الطفلة فتاة وطفلة غير عادية وأصبحت تحمل قلب الرجال الرجال بل قلب أسد في تحدي الإحتلال وجنوده وإجراءاته الغاشمة .. عهد نشأت في بيت مناضل والدها ينظم ويقود المقاومة الشعبية في البلدة ويتواصل مع النشطاء والقوى المناصرة للحق الفلسطيني في فلسطين المحتلة من اليهود المعارضين للإستعمار والإستيطان إلى النشطاء الدوليين الذين باتت بلدة (النبي صالح) محجاً لهم، وباتت بلدتها تقدم نموذجاً في الوحدة الوطنية ونموذجاً في المقاومة الشعبية .. نعم المرأة الفلسطينية تقف جنباً إلى جنب مع الرجل في النضال والمقاومة، فكانت الشهيدة دلال المغربي وآيات الأخرس ورزان النجار وغيرهن الكثيرات اللواتي قضين في معركة الحرية والإستقلال، كما الأسيرات من فاطمة برناوي إلى عهد وياسمين وناريمان وغيرهن المئات .. إنها معركة الحرية والإستقلال التي ينخرط فيها الشعب الفلسطيني رجالاً ونساءً شباباً وشابات أشبالاً وزهرات .. إنها الزهرة عهد التميمي باتت أنموذجاً وأيقونة لزهرات فلسطين وأطفالها وشبابها .. لقد كسرت كل عقد الخوف وضربت أسمى صور التحدي، فكان وقع صفعتها على وجه الإحتلال وكيانه الغاصب وقع الحسام المجرد، كان صاروخاً من طراز خاص لا يملكه غيرها، فأصبحت رمزاً من رموز التحدي، تردد صدى كفها الناعم في أرجاء العالم، وبات إسمها يقترن بأسماء كبار المناضلين من غاندي إلى مانديلا إلى تشي جيفارا فألهمت كل أحرار العالم ومناضليه من أجل الحرية والمساواة معنى التحدي للظلم وللإحتلال حتى دون أن تمتلك قنبلة أو رصاصة، فأنت قادر على مواجهة المحتل ومواجهة الظلم بالإرادة الصلبة والإيمان المطلق بالحق، نعم عهد التميمي باتت أيقونة نضالية عالمية وتلميذة متفوقة في مدرسة الكفاح الشعبي الوطني الفلسطيني ...

إذن لما المفاجأة من الإحتفاء بهذه الطفلة المناضلة الأيقونة الفلسطينية الحرة ...

إن عهد التميمي هي الصورة الحية المعبرة عن أطفال فلسطين وروح المقاومة المتواصلة والمتجذرة في الشعب الفلسطيني، إنها أيقونة الطفولة الثائرة والمرأة المكافحة من أجل حريتها وحرية شعبها وإستقلاله ...

لذا تحظى عهد بما حظيت به من حفاوة وإستقبال وتكريم لأنها باتت النموذج المحلي والدولي للطفولة في فلسطين المحتلة، ونموذج من نماذج التصدي والصمود ...

ثمانية أشهر في السجون الإسرائيلية لم تنل من عزيمة الطفلة عهد التميمي، فلم تلين ولن تستكين لبطش الإحتلال بل خرجت من السجن وهي أكثر تصميماً على مواصلة المقاومة والنضال الشعبي الذي تمرست فيه من خلال المسيرات الأسبوعية والمواجهات اليومية مع جنود الإحتلال، حتى تتحرر القدس وتتحرر فلسطين ويتحرر كافة الأسرى والأسيرات من سجون الإحتلال وينعم الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال ...

هذه الروح الكفاحية التي تتمتع بها هذه الطفلة المناضلة تستحق كل أشكال الإحتفاء لأنها قدوة للطفولة المناضلة ردت الإعتبار لكل الأطفال المضطهدين في فلسطين والعالم، وأحيت روح التضامن مع الطفولة المعذبة ومع شعب فلسطين الذي يكافح من أجل إنهاء الإحتلال وإنتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والمساواة والإستقلال، سيبقى الشعب الفلسطيني صامداً يقدم الشهيد تلو الشهيد والأسير تلو الأسير على مذبح الحرية والإستقلال، وجيل بعد جيل، وليس كما تنبأ فوستر دلاس في خمسينات القرن الماضي عندما قال عن شعب فلسطين (سيموت الكبار وينسى الصغار)، لقد أثبت الواقع عكس هذه المقولة وأسقطها أطفال فلسطين، يرحل جيل مقاوم، ويسلم الراية للجيل القادم كي يبقى يقاوم، فما مات حق وراءه مقاوم ...

فهنيئاً لعهد التميمي ولجيلها المقاوم ولشعبنا الفلسطيني الصامد والمقاوم ..

لذا فلسطين ستستمر تقاوم حتى تنتصر ..!

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس