في العقود الثلاثة الماضية ٱصبحت الحروب إعلامية أي مفضوحة وعلي الهواء مباشرة أحيانا أكثر منها صامتة أو مفاجئة مثل حروب الماضي.
لقد تطورت وسائل الحرب حتي أخذ الإعلام دورا متقدما جدا في إدارة الحروب الآنية خاصة ما رأيناه في العقود القليلة الماضية رغم أن دور الإعلام في الحروب كان قائما وفاعلا علي مدي التاريخ، إلا أن الثورة الرقمية الحديثة قفزت بالإعلام بكل فروعه الحربي والمدني والتجاري والفني لمستويات غير مسبوقة.
في الإعلام الحربي خاصة موضع حديثنا أصبح للإعلام أهمية قصوي في إدارة الحروب وأما التطور التكنولوجي الرقمي فقد قفز أيضا بفاعلية العتاد الحديث والأسلحة الموجهة والطائرات والغواصات والدبابات لمستويات غير مسبوقة.
في الإعلام الحربي الحديث جدا ما بعد انتصار العولمة وتعميم وسائل الإتصال وتطويرها هناك أحيانا حسم للمعارك قد يحدث إعلاميا قبل بدئها بالأسلحة الأخري وذلك بسلب الخصم قدراته النفسية والدعاية المصاحبة وتكبير مساحة وصول التأثير النفسي علي صمود الجيوش والمواطنين في الدولة أو الجماعة الخصم والنتيجة الطبيعية من هذا التقدم في وسائل الإتصال والإعلام أن تكون الدول المتقدمة علميا والمنتجة لتطورات الثورة الرقمية هي الأكثر قدرة علي التلاعب والتأثير علي خصومها في حالة شنها الحرب علي الخصوم.
ما نتحدث به هنا علميا وعمليا مفيد للبشرية ولا غبار علي تطور العلوم وأدوات الاتصال والتأثير ، أما في حالة الحروب المكروهة طبعا لغالبية البشر نجد أن الحروب الكلاسيكية أي التي تخوصها الجيوش ضد الجيوش ذات العتاد الحربي واللوجستي والفني والتكنولوجي المتطور التي تم توطينها مبكرا في أذرع وفروع الجيوش العسكرية والأجهزة الأمنية المتطورة والمواكبة للتطور التكنولوجي وبتكامل وحدات البث والتعزيز والخطط البديلة لإدارة شؤون الاتصال ودوائر التأثير في إعلام الحرب لهزيمة الخصم من ناحية ورفع الروح المعنوية لمواطني تلك الجيوش من ناحية أخري أصبحت حالة تحاول معظم الدول القادرة الوصول إليها.
في فلسطين التي لا تملك جيوشا حقيقية بل تملك منظمات وميليشيات تحصلت علي بعض السلاح البسيط ومكمن الفعل المقاوم المفروض هنا له علاقة بحرب العصابات والقيام بعمليات كر وفر يجب ألا تكون مشابهة لمواقع الجيش النظامي في تلك الدول من مراكز تدريب ومباني ثابتة كي لا تصبح أهدافا للإحتلال والأهم هنا في فلسطين تلك الحاضنة لهذه الجماعات والفصائل المقاومة وهو الجمهور الفلسطيني وهو هدف المقال.
الجمهور الفلسطيني الذي حمي وبحمي المقاومة هو بيئة مستهدفة من الإحتلال كما المقاومين سواء عبر مواقع التواصل الإجتماعي أو وشائل الإتصالات الرقمية والذكية ولذلك فإن خطط تطوير الوعي للجمهور وحتي المقاومين لابد أن تتطور نحو الأفضل وللتنويه فإن جيش الإحتلال المنظم وصاحب العتاد الأقوي والتطور الرقمي والسايبري في المنطقة أسهل عليه مواجهة التجييش الضعيف كما في عتاد التنظيمات سواء بالتأثير علي الجمهور أو المقاومين بعكس فشله سابقا أو قديما من عمليات المقاومة قبل ثورة الاتصالات التي كانت مفاجئة وغير متوقعة وبعيدا عن التأثير الإعلامي السلبي علي الجمهور الحاضن وهذا ما كان يسمي سابقا حرب العصابات.
لفهم طبيعة العلاقة بين ما نريد الحديث عنه في الحروب المفضوحة إعلاميا وبين ماهية تكوين وتركيب المنظمات الفلسطينية وعتادها وأسلحتها والأهم كما قلنا الحاضنة المجتمعية لها وتأثير الإعلام عليها وكيف يمكن خدمته لها بفرعيه الفاعل والموجه نحو الاحتلال والفرع الوقائي المتعلق بالتصدي للأثر السلبي أو المتوقع علي الجمهور في مواجهة إعلام الاحتلال الأكثر تطورا .
نقول هذا لشيء هام جدا لفت نظري في بوست للكاتب د. حسام الدجني عاتبا أو منتقدا المشاركات لأهل عزة علي مواقع التواصل الإجتماعي التي فسرها بالمهزومة وهنا سأنقل البوست وبعض التعليقات ثم نعود لمناقشة موضوع الحرب والإعلام المتعلقة بعنوان مقالنا.
د. حسام الدجني كتب
#غزة_تحت_القصف
تخيل معي أنك قائد وحدة متابعة ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي بشعبة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي، وبدأت تقرأ ما يكتبه النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما في قطاع غزة، وكانت النتيجة أن أغلب المنشورات تعبر عن نفسية مهزومة خائفة ضعيفة تريد الاستسلام بأي ثمن وتفكر بالهجرة من الأوطان، ما هو تقدير الموقف الذي ستكتبه لقيادة الكابنيت؟
بالتأكيد استمروا في سياسة الحصار والعدوان كونه يحقق الأهداف المنشودة...
والعكس صحيح، ينبغي أن نعرف ما نكتب ونعمل في مثل تلك الأوقات على التوحد خلف المقاومة ودعمها ونركز في خطابنا على تعزيز الروح المعنوية وأن نشكل جبهة جامعة لفضح جرائم الاحتلال ...
إنتهي كلام د. حسام وهناك تعليقات كثيرة يغلب عليها الرد والنقد متعلقة بالحالة المأساوية التي يعيشها سكان القطاع وهي إنتقادات مقبولة من سكان فقدوا الأمل بالمصالحة وتجنب الحرب، لكن ما لفت نظري تعليقان لهما علاقة بحديثنا عن الحرب والاعلام جاءا كالتالي التعلق الأول من محمد الحاجة يقول:
الصح انه نكابر ونبالغ ونجخ ولا نموت حزانى ونعمل فيها أبطال صح؟ مع احترامي لحضرتك اطلع على الاعلام العالمي واقرأ القليل عن سياسة الإعلام المضاد لتميز بين الصواب والخطأ..
والتعليق الثاني كان من محمد أمين الجعبري يقول:
أدوات قياس الرأي العام متعدده . إحداها مواقع التواصل .
العدو خبيث وله قدرات كبيره . نحن أصحاب الحق حتى والحق سينتصر ولو بعد حين...
والسؤال هنا هل لدي د. حسام كل الحق في توجيه اللوم للجمهور مها كانت تعليقاتهم؟
وهنا نقول ما طرحه الدكتور حسام صحيح فيما يتعلق بحديثنا عن الحرب الإعلامية بشقيها الموجه للخصم وشقه الوقائي لحماية الجمهور من التأثير السلبي لإعلام الخصم أما فيما يتعلق بوضع السكان التوعوي والحياتي المهيئ للحرب مسبقا بمعني الرضا والقبول بالسياسة التي إتبعتها حماس والتنظيمات فهذا موضوع آخر رغم علاقته غير الظاهرة بمحاذير الإعداد للجبهة الداخلية للصمود وعدم افتضاح الاحساس بالهزيمة التي تحدث عنها د. حسام.
رضي الجمهور من عدمه هنا قضية هامة وعدم العناية بها وتقدير حساباتها بدقة قبل الحرب قد يحدث شرخا موجعا في الجبهة الداخلية أثناء الحرب وخاصة في وضع ذبح فيه المواطن حياتيا من قبل قياداته كلها، ولذلك يجب علي أي قيادة تتوقع أو تريد دخول الحرب فأول أولوياتها هو قياس رضي الجمهور عن القيادة والادارة للقبول بالتضحية ومن أجل المشاركة الايجابية ودون الوصول لحالة النقد السلبية التي سماها د. حسام بالهزيمة التي سيرصدها العدو.
إذا هناك تساؤل كبير هل تقوم حماس بالحرب دون رضا الشعب في ظل ما لاحظه ولاحظناه في تعليقات الجمهور علي بوست د. حسام، وفي ظل علاقة غير سليمة مع الجمهور والمواطنين أي الحاضنة لها أصلا كما قلنا أعلاه، وتجاهلها من قبل حماس مرات ومرات وتظهر الآن كما رأيناها ورآها د. حسام ولكي ننصف د. حسام في نقده للجمهور بعدم الوعي نقول هو ليس عدم وعي بل هو علاقة غير سوية بين القيادة والجمهور وإهمال حالة عدم رضا من غالبية الناس عما تقوم به حماس حتي لو رضي به جمهور حماس فالرصاص والقصف لا يميز وليست عدم التمييز هنا هي القضية بل القضية هو الخطأ القاتل الذي لا تعيره حماس اهتماما بأن جزء كبير وغالبية كاسحة من الجمهور لا تقبل طريقتها في ادارة الصراع والحرب وقتما تشاء في ظروف معاناة الجمهور من سياساتها وسياسة سلطة رام ألله ودون اعتبار لحالة الرضا من عدمه والإهتمام بمصالح الجمهور قبل وأثناء وبعد الحرب وهذا يجب أن يلفت نظر حماس لإعادة حساباتها بطريقة أكثر واقعية. والنتيجة هنا أن حالة الإعلام المفضوح لا تناسب حالة المقاومة والمجتمع الفلسطيني أولا من ناحية عدم رضا الغالبية العظمي من السكان من سياسات حماس وعدم قبول برامج التوعية وإعلامها الموجه من قبلها ومن إعلام سلطة رام الله أيضا وثانيا لنجاعة العمل المقاوم البعيد عن تجييش الحالة الفلسطينية كما هو حادث الآن لوجود فجوة هائلة في التقدم التكنولوجي في الإعلام والعتاد لدي دولة الإحتلال.
د. طلال الشريف