الفلسطينيون حائرون بين حل الدولة أو الدولتين

بقلم: عامر أبو شباب

لم يقبل العرب والفلسطينيون عام 1948 بالتقسيم شبه المتساوي بين الفلسطينيين واليهود، بعد النكبة نفس العام؛ حيث هزمت منظمات يهودية جيوشا عربية، وبقي الشعار يدندن: “فلسطين عربية من البحر للنهر”، وعلا صوت المذيع المصري أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب: سنلقي بالغزاة في البحر…

ثم كانت الصدمة في نكسة حزيرانيونيو 1967، حيث استولت إسرائيل على كل فلسطين وسيناء والجولان وبعض لبنان. لم يمض وقت طويل حتى ثأر المصريون لأنفسهم في أكتوبر 1973 بانتصار عسكري في ستة أيام، وعبر مسيرة مفاوضات استمرت ست سنوات لاسترداد سيناء وعقد صلح مع دولة اسرائيل.

رفض غالبية العرب المسار المصري، الى حين أعلنوا منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وبقيت المنظمة تطالب بفلسطين كاملة الى حين طردها من لبنان، أهم معاقل الثورة الفلسطينية.

غالبية دول العالم، بما فيها الإتحاد الأوربي وروسيا والصين، أيدت حق الفلسطينيين في دولة كحل لأهم صراع في العالم والعمل على استقرار الشرق الأوسط وضمان أمن اسرائيل

بعدها، بدأت المنظمة تميل للرؤية المصرية بقبول دولة فلسطينية على 22% من فلسطين التاريخية على الأراضي التي احتلت عام 1967، وذلك ضمن ما أطلق عليه في المجلس الوطني الفلسطيني “البرنامج المرحلي” لإقامة دولة على جزء من فلسطين، واستكمال برنامج التحرير على مراحل.

عجل سقوط الاتحاد السوفيتي وهزيمة العراق بمفاوضات دولية في مدريد ثم أوسلو لإعلان اتفاقية أوسلو وعودة السلطة الفلسطينية إلى جزء من فلسطين عام 1994 في مدينتين هما غزة وأريحا. مقابل ذلك، كانت فصائل المعارضة الفلسطينية، وأبرزها الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي -بدعم من سوريا وايران-، تصر على فلسطين الكاملة. بمرور الوقت، أعلنت قيادة حماس -التي أصبحت سلطة حاكمة في غزة- من قطر عام 2017  أنها تتبنى فكرة دولة على حدود 1967 تحت ضغوط كبيرة؛ ولكن…

منظمة التحرير التي أصبحت سلطة وطنية ثم دولة مراقب في الأمم المتحدة، اصطدمت بإعلان إسرائيل رفضها لحل الدولتين ( 78% لإسرائيل و22% لفلسطين) رغم تبني رئيسها محمود عباس الكامل لمبدأ السلام ورفض العنف والاعتماد على الحراك الدبلوماسي والمقاومة الشعبية السلمية، وذلك من خلال إعلان رئيس حكومة الاحتلال في حملته الإنتخابية أنه يرفض دولة فلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين، ثم جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعلن تملصا أمريكيا من تبني فكرة حل الدولتين إلى فكرة “حل يقبله الطرفان”، مما يعني، بالطبع، حلا يفرضه الطرف القوي.

غالبية دول العالم، بما فيها الإتحاد الأوربي وروسيا والصين، أيدت حق الفلسطينيين في دولة كحل لأهم صراع في العالم والعمل على استقرار الشرق الأوسط وضمان أمن اسرائيل. لكن هذا الموقف العالمي بقي حبرا على ورق أمام استمرار اسرائيل في الاستيطان على أرض الدولة الفلسطينية والقدس الشرقية والكثير من الإجراءات التي تحول دون قيام دولة فلسطينية على أرض الضفة الغربية التي تمثل 21% من فلسطين التاريخية.

كما ظلت حكومة الاحتلال تطلق على الضفة اسم “يهودا والسامرة”، باعتبارها أرض إسرائيل دون سكانها الفلسطينيين البالغ عددهم 3 مليون فلسطيني.

مؤخرا، أعلنت إحصائيات فلسطينية أن عدد المستوطنين في الضفة يصل إلى 30 مقابل كل 100 فلسطيني، فيما يوجد في القدس الشرقية 70 مستوطنا مقابل 100 فلسطيني، في دلالة على تسارع التغيير السكاني لصالح إسرائيل؛ بعد تغيير جغرافي خطير لصالح إسرائيل التي تستولي على كل القدس الشرقية ونحو 70% من الضفة الغربية.

في السنوات الأخيرة، بدأت تعلو أصوات فلسطينية سياسية وأكاديمية وحتى من الطبقة المتوسطة تدعو إلى التحول من حل الدولتين الذي ألغته إسرائيل بالاستيطان والإجراءات الأحادية، وتبني حل الدولة الواحدة الديمقراطية بعد حل السلطة الفلسطينية، وتفعيل النضال السلمي ضد العنصرية الإسرائيلية وإجراءات الأبارتهايد؛ وذلك عبر تبني نموذج جنوب أفريقيا الكفاحي. الرئيس الفلسطيني لوح بهذا الخيار في خطاب له داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عامين. خيار يعتمد على وجود ما يقارب ستة ملايين فلسطيني مقابل مثلهم من الإسرائيليين على أرض فلسطين.

هذا الخيار الذي يزداد انزياح الفلسطينيين له باعتباره خيار المستقبل وسقفا سياسيا نضاليا ضد عنصرية حكومة إسرائيل المؤلفة من أحزاب يمينية دينية، واجهته إسرائيل بمشروع الدولة اليهودية كقومية لليهود فقط، وسنت مؤخرا قانونا يؤكد على هوية الدولة اليهودية وتقليص الحريات الممنوحة للأقليات الأخرى من فلسطينيين ودروز وبدو. قانون رفضته أصوات إسرائيلية حتى داخل حزب الليكود الحاكم، باعتباره يمس ديمقراطية الدولة.

طبعا، هذا القانون يشكل خطرا حقيقيا على قرابة مليون ونصف فلسطيني داخل الأرض المحتلة عام 48 ويمثلهم 13 نائب في الكنيست الإسرائيلي.

بعد 70 عام من الصراع، يعود الفلسطينيون لفكرة فلسطين من البحر إلى النهر… لكن مع عدد موازي لهم من الإسرائيليين، ليطالبوا بدولة واحدة ديمقراطية تساوي بين سكانها في جنوح للسلام؛ فيما يتجه المجتمع الإسرائيلي إلى مزيد من التطرف جراء قوة الأحزاب اليمينية التي تعتمد على المستوطنين وخوف الإسرائيليين، للتوسع في الحكم والاعلام والجيش والقضاء؛ بعدما أصبحت أحزاب اليسار والوسط الإسرائيلي، خاصة حزب العمل الذي طالما حكم إسرائيل، جزء من الماضي القريب.

بقلم/ عامر أبو شباب