إجتماع المجلس المركزي الفلسطيني

بقلم: حمادة فراعنة

تتميز الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أنها كانت دائماً مع الشرعية، تدافع عنها، وتعمل على حمايتها بما تملك، وتصر على أنها جزءاً منها، كانت كذلك في كل محطات خروج فصائل دمشق عن الشرعية، رغم حرصها ومحافظتها على عدم قطع الصلة مع العاصمة السورية، في عهدي الرئيس الراحل والرئيس القائم، وتم ذلك في دورة انعقاد المجلس الوطني السابع عشر في عمان عام 1984، حين انتظر ممثلوا الجبهة أعضاء المجلس في فندق الريجينسي لتكملة النصاب اذا غاب أو أخل النصاب في عضوية المجلس لاستكمال شرعيته ودعماً لها، رغم أن موقف الجبهة ضد انعقاده في ذلك الوقت، وتم ذلك أيضاً حين أقر المجلس المركزي اتفاق أوسلو، وكان موقف الجبهة عدم التشكيك بشرعية قرارات المنظمة ومؤسساتها رغم أنها كانت ضد أوسلو ولا تزال، وأخيراً كان موقفها ضد انعقاد المجلس الوطني في رام الله يوم 30/4/2018، ومع ذلك لم تتردد في المشاركة لأنها تعتبر أن هذا هو المجلس الوطني، وليس أي طرف أو مؤسسة نقيضاً عنه، أو تلك المؤتمرات المؤامرات التي عقدت ضده في اسطنبول أو بيروت أو غيرها من المؤتمرات المؤامرات الانقسامية .
ومع ذلك تتم معاقبة الجبهة الديمقراطية بحجب ادارة دائرة المغتربين عن عضو مكتبها السياسي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تيسر خالد، فهل القرار له علاقة بالجبهة فقط أم أنه قرار سياسي له علاقة بقضية أكبر من معاقبة الجبهة الديمقراطية كما تُقدر الجبهة ؟؟، هل القضية لها علاقة بشطب قضية اللاجئين، وشطب قضية المغتربين، وشطب قضية الأسرى والمعتقلين، وشطب قضية فلسطين الداخل أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة باعتبارهم أحد مكونات الشعب الفلسطيني وأحد أعمدته وأحد أبرز أجزائه الفاعلة ؟؟، هل القصد تقزيم الشعب الفلسطيني ليكون مقتصراً فقط على أهل الضفة والقدس والقطاع، نزولاً عند القرار الاسرائيلي والتوجه الأميركي، وأوهام الحالمين بتحقيق تسوية مع العدو الاسرائيلي المتطرف الذي يقوده اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو وليبرمان وبينت !!.
وينعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله يومي 15 و 16 / أب الجاري في ظل استمرار الانقسام وازدياد حدته، بعد انعقاد المجلس الوطني يوم 30/4/2018، برؤية أحادية ينقصها الاجماع الوطني وغياب فصائل أساسية، حماس والجهاد والشعبية وقطاع واسع من المستقلين، اضافة الى القيادة العامة والصاعقة مما أخل بصيغة الائتلاف الوطني التي حافظت على مكانة منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وزادها انحداراً أن النتائج التنظيمية لمخرجات انعقاد المجلس الوطني شكلت بونا شاسعاً لما كانت عليه منظمة التحرير وما وصلت اليه، فالتمثيل للخارج بات ضعيفاً باهتاً مع أنهم يمثلون نصف الشعب الفلسطيني، بدلاً من أن تكون مؤسسات المنظمة مناصفة بين الداخل والخارج، والذي تم تعينهم أعضاء بالمجلس المركزي لا صلة لهم لا بالنضال ولا بالثورة ولا بالتاريخ الفلسطيني المدفوع الثمن من حياة الناس وتضحياتهم، بل مجرد موظفين أو رجال أعمال « بصيمة « للسياسة الرسمية وللقائمين عليها .
الخطورة في اجتماع المجلس المركزي أنه سيسرق مهام المجلس الوطني ويتطاول على وظيفته، مثلما سيلغي دور المجلس التشريعي، باعتبار المجلس المركزي هو المرجعية للسلطة الوطنية، بدون أي اعتبار لتلازم المؤسستين معاً : مؤسسة الرئاسة ومؤسسة المجلس التشريعي وهما عماد السلطة الوطنية ومصدر شرعيتها ولا شرعية لواحدة بدون الأخرى، رغم تطاول مؤسسة الرئاسة وتعطيلها المتعمد للمؤسسة التشريعية منذ الانقلاب الذي قادته حماس عام 2007 ولايزال، وشكل حجة للرئاسة للتمادي على المجلس التشريعي، اذ كان من الواجب ورداً على الانقلاب تفعيل المجلس التشريعي لتبقى أعمدة الشراكة قائمة ويتم معالجة ذيول الانقلاب وتداعياته عبر المجلس التشريعي، لا أن يكون الرد على انقلاب حماس بالانقلاب على المجلس التشريعي وتعطيله.
لقد شاركت الجبهة الديمقراطية بانعقاد المجلس الوطني يوم 30/4 والاسهام بالحفاظ على الشرعية، وتوفير النصاب السياسي الى جانب النصاب القانوني وهو خيارها بعد أن أثبتت ممارساتها بالانحياز للشرعية ولكن يبدو أن معاقبتها تجاوزت الحدود المعقولة والمقبولة فقررت مقاطعة اجتماع المجلس المركزي، ولم يكن موقفها منفرداً بل شاركها المقاطعة حركة المبادرة الوطنية، بهدف توصيل رسالة أن التفرد والأحادية سياسة غير مقبولة، غير مجدية، وضارة لأصحابها، كما هي ضارة لمجمل الشعب الفلسطيني وحركته السياسية، ومفيدة، بل ومفيدة جداً للعدو الاسرائيلي! .
تتوهم الجبهة الديمقراطية التي ما تزال قياداتها أبرز مفكري الشعب الفلسطيني بعد رحيل جورج حبش وخالد الحسن، وتغييب ياسر عبد ربه وسلام فياض، وتنصيب موظفين تخلوا عن ماضيهم ليصنعوا مستقبلهم بالتوافق مع الأميركيين وبدون التصادم ما أمكن مع الاسرائيليين، قد تبدوا لضيقي الأفق على أنها توجهات اجرائية أو اجراءات تنظيمية تسهيلاً للعمل ولكنها تعكس توجهات سياسية بامتياز ستظهر نتائجها مع انعقاد المجلس المركزي وما سيفرزه من نتائج تنسجم والدوافع لعقد المجلس الوطني بتغليب أهل الضفة الفلسطينية على عضويته والموظفين على مؤسساته.

حمادة فراعنة
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.
16/8/2018- الدستور