وقفات تربوية: شباب غزة إلى أين؟

بقلم: حكمت المصري

قال تعالي {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً}
تسبب الواقع الاقتصادي والحصار المفروض علي قطاع غزة إلي ظهور مجموعة من المشاكل الاجتماعية الخطيرة والتي تندر بمستقبل خطير، أثر بالتأكيد بشكل سلبي على الحياة الاجتماعية في السنوات الحالية وسيؤذي إلي تدمير حياتنا القادمة إن لم نقم بوضع حد لهذا الأمر من خلال تضافر الجهود التربوية والأسرية والتعليمية والإعلامية ، هذه المشاكل نتج عنها ازدياد ما يسقط علي مسامعنا من قصص وحكايات كثيرة لم نكن نسمع عنها من قبل بهذا الكم المخيف، خصوصا المشاكل التي تحدث بين فئات الشباب ما بين عمر 12 حتي25 عاما وأكثر هذه الحالات هي حالات الانتحار والعنف الجسدي والسرقات و التدخين وتناول العقاقير الممنوعة والمخدرات وغيرها، وقد سُعقنا من كم المشكلات التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية بالتحديد خلال إجازة عيد الأضحى ، لذلك لابد من وقفه صريحة أمام هذه الإشكاليات الخطيرة من اجل معرفة أسبابها ودور التنشئة التربوية الصحيحة في الحد منها. وبالتأكيد العبء الأكبر في الوقوف ضد هذه المشاكل يقع بالبداية علي الأسرة وبالتحديد الوالدان اللذان يبدأ دورها مبكرا من خلال متابعتهم وملاحظتهم المستمرة لأطفالهم صغارا ، هذا الأسلوب التربوي يعرف بأسلوب المتابعة والملاحظة المباشرة و يعتمد على متابعة الأبناء من أجل تنشئتهم التنشئة الصحيحة و ملاحظة ميولهم الشخصية وقدراتهم ، ومراقبة حالتهم النفسية والجسمية، ومدى تحصيلهم العلمي، حتي يتم معرفة مواطن القوي والضعف في شخوصهم ومعالجة الخلل منذ بدايته مع متابعة أصدقائهم بشكل دوري فالمثل يقول الصّاحب ساحب، إمّا أن يكون صالح فيعينك على عبادة الله، فينجوا وتنجوا معه وهما الأخلاء المتقين، وإمّا أن يكون طالح فيُهلك وصاحبه معه وهاذان الأخلاء ، وقد قال عليه الصلاة والسلام-: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) ، ثم يأتي بالتزامن مع هذا الأسلوب اتباع أسلوب القدوة الحسنة وهو اهم و أنجح وأفضل الأساليب، الذي يحتاج إلى النصح والإرشاد بالكلام اللين والرفق والموعظة الحسنة لما لهذا الأسلوب من عظيم الأثر في التنشئة الصحيحة ، فطبيعة المراهق لا تتقبل النقد وإصدار الأوامر بطريقة تسلطية ، بل يجب أن يستخدم الوالدان والأخوة ومن لهم سلطة علي الأبناء أسلوب الوعظ والإرشاد وهو اهم الأساليب والوسائل التي لها تأثير في توجيه الطفل والمراهق ، متوازيا مع أسلوب الترغيب والترهيب والذي يمكن تسميته بأسلوب الثّواب والعقاب التّربوي، حيث من خلاله يتم ترغيب المراهق إلى كل ما هو خير ، ويجب أن يكون ذلك بطريقة ذات حكمة تتصف بالصبر واللين والمرونة، لكي يعلق في ذهنه الشيء لتحقيق نتائج حسنة. إن أسلوب الثواب له وقع في داخل الطفل ويعمل على تحفيزه، والعقاب له شروطه وضوابطه. والثواب يترافق مع السرور الذي يداخل نفس الطفل بعد نجاحه في القيام بعمل أو أداء مهمة ما. وهناك أسلوب تربوي من الأساليب التي كنت منتشرة قديما في المجتمع الفلسطيني وكان يمارس هذا الدور علي الأغلب من قبل الجدات اللواتي لديهن القدرة العجيبة في تربية النّشء باستخدام الأسلوب القصصي الذي يعتبره البعض من الأساليب الحديثة في تربية الأبناء لوقع تأثيره النفسي عليهم، خاصة إذا كانت الرّاوية بارعة في فن الإلقاء القصصي، حيث أنّ التّعليم بالأسلوب القصصي أكثر نفعاً ويؤتي ثماره على النشء ويمتد معهم، لأنّه كالنقش على الحجر، وفي هذا الشأن قال العالم سميت" يعتبر أسلوب القصة من أهم أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة. فمن خلال الأسلوب القصصي يتم تلقين الطفل العادات والتقاليد والمُثل والقيم التي يجب على الطفل معرفتها من اجل الاستفادة واخذ العبر في قالب قصصي هادف وبنّاء تمتد معه طول حياته". أما أسلوب الإقناع بالحوار البناء فيعد هذا من ضمن الأساليب التي تعتمد على الحكمة والموعظة، خصوصا إن تم استخدامه في مرحلة مبكرة من العمر لأنه يساهم في بناء الشخصية المستقلة القادرة على اتخاذ القرارات واحترام آراء الآخرين. كل هذه الأساليب وغيرها من أساليب التنشئة الاجتماعية الأخرى إن لم تكن مقرونه بالمساندة العاطفية و توفير الحب والدفء العاطفيّ والقبول للأطفال من قبل الوالدين لن تؤتي ثمارها ، لان التوافق الأُسري بين الأزواج يساهم في إنشاء العلاقات العاطفية التي تساهم في نمو شخصيّة الطفل بشكل سليم، أما الحرمان العاطفي للطفل فيؤدّي إلى التنشئة غير السليمة ونموه في بيئة مليئة بالمخاوف وانعدام الأمن خصوصا إن كان سلوك الأبوين عدائيّاً ويعتمد على العقاب الجسماني فيصبح سلوك الطفل عدوانيّاً ومضطرباً. يضاف إلي ذلك تسلّط الوالدين وإهمال الوالدين للطفل وعدم الاهتمام بحاجات الطفل الشخصية. عدم توجيه ونصح الطفل. الإهمال في مكافأته أو مدحه عندما يتصرّف أو ينجح بأمر ما. كل هذه السلوكيات تتسبب في تشكيل شخصية سلبية لا تستطيع التكيف مع المواقف الصعبة والمشاكل الاجتماعية، مما يسبب في حدوث سلوكيات خطيرة لم نسمع بها من قبل، ولعل أكثر ما أثر على حياتنا الاجتماعية بالشكل السلبي هو الإفراط في استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة دون وعي أو إدراك لمدي خطورتها، ودون متابعه من الأبوين لما يشاهده الطفل من مواقع مفتوحة ومتاحه مع انتشار الهواتف النقالة وانتشار للأنترنت وقد سمعنا مؤخرا عن بعض التطبيقات التي تندرج تحت مسمي العاب للأطفال مثل لعبه الحوت الأزرق ، لعبة مريم ، لعبة البوكيمون غو، لعبة جنيّة النار ولعبة تحدّي شارلي وكلها العاب مجانية يستطيع الطفل أو المراهق تحميلها بسهوله من خلال برنامج جوجل بلاي هدفها الأساسي هدم حياة الطفل وتشجيعه علي التخلص من حياته . من هذا أوكد علي دور الأسرة الأساسي في التنشئة الاجتماعية الصحيحة وضرورة متابعه تصرفات الأبناء وتقييمها بشكل مستمر من خلال اتباع أسلوب النصح والإرشاد خصوصا أن أطفال هذا العصر يحتاجون للكثير من الصبر والتريث في تربيتهم .أما عن أساليب التنشئة الاجتماعية الأخرى مثل المدرسة والمسجد والنادي والأقران ووسائل الإعلام فسيتم الحديث عن أدوارهما التفصيل في حديث قادم .

د.حكمت المصري