بالأمس كان آخر ما قرأناه عن صفقة القرن في الصحف , أن ترامب سيعلن رسميا عن المرحلة الأولى من صفقة القرن خلال شهر , وقبل ذلك كنا نقرأ عن صفقة القرن الكثير من الأخبار , والتي تؤكد إسرار ترامب على هذا المشروع .
تارة نقرأ أنها باتت جاهزة , وتارة نقرأ أنه تم تأجيلها , وتارة نقرأ بعض التعديلات عليها , وتارة نقرأ بعض ملامحها وبنودها ..إلخ .
كيف إستطاع خادم إسرائيل المخلص "ترامب" أن يخدع العرب , على إعتبار أن العرب شريكين في صفقة التسوية مع الفلسطينيين , ومهمتهم الأساسية هي الضغط السياسي على الفلسطينيين , وأيضا تمويل مشروع التسوية بإيعاز من الولايات المتحدة .
من الواضح أن هناك خدعة كبيرة إستطاع ترامب أن يوقعنا بها جميعا , وهي أن صفقة القرن بحد ذاتها ليس المراد منها التحقيق , إنما هي تعتيم على ما يخطط له ترامب , وهو يخطط لما هو أخطر من صفقة القرن , وسنقع به جميعا في حالة الهروب من صفقة القرن , وفي كلا الحالتين نكون قد وقعنا في المحظور ونحن لا ندري , فالعملية أشبه بشخص قد حفر لنا حفرتين , فلو هربنا من الحفرة الأولى سنقع في الثانية بالتأكيد , فالحفرة الأولى التي حفرها لنا ترامب هي صفقة القرن , أما الحفرة الثانية فهي الأهداف الحقيقية لصفقة القرن وهي "تسوية غزة مع إسرائيل بعيدا عن الضفة" .
ترامب كان يعلم أن القيادة الفلسطينية سترفض بنود صفقة القرن , ولكنه إستمر بتسويقها , وأيضا السعودية ومصر والأردن رفضوا صفقة القرن , ولا زال ترامب مستمر بتسويقها , فهذه المعطيات تدل على أن ترامب مستمر في التعتيم على المشهد السياسي الحاضر , من خلال تسويقه المستمر لصفقة القرن رغم الرفض الصريح لها فلسطينيا وعربيا .
أين يكمن الخطر؟ الخطر الحقيقي يكمن في الحفرة الثانية , وهي مشروع التسوية التي تقوم به الفصائل , تحت مسمى الهدنة مع إسرائيل , وهذه الهدنة بحد ذاتها هي تسوية وضع غزة مع إسرائيل , وترك الضفة بعيدة عن أي حلول , بالتزامن مع بناء المستوطنات وسلب الأراضي وتهجير السكان , وتهويد القدس وسن القوانين العنصرية ... إلخ , وهكذا تكون إنفصلت غزة عن الضفة بشكل كامل بعد أن فصلها الإنقسام الأسود .
أصبح لدينا تطابق كبير بين أهداف صفقة القرن وأهداف تسوية غزة مع إسرائيل , وبما أن جميع الفصائل تتجه الى القاهرة لمشروع التسوية مع إسرائيل , فهذا يعني أننا حققنا صفقة القرن دون أن نشعر ودون أن نوقع عليها .
هناك إعتراض من الفصائل على حوارات القاهرة ولكنه لا يشفي الغليل , فحركة فتح تعترض على عدم وجود منظمة التحرير على رأس الوفد بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني , والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفرعها الآخر القيادة العامة , إعترضوا على مضمون الحوار جملة وتفصيلا , وإعتبروا الهدنة تخلي عن البندقية , ولكنهم لم يتطرقوا للضفة والقدس , وباقي الفصائل كانت إعتراضاتهم متشابهة وهي رفع سقف المطالب , أما حركة حماس وهي الأكثر إستسلاما للتسوية مع إسرائيل , أصبحت تتناغم مع ضغط الفصائل بعد أن كادت تقع في المحظور .
جملة الإعتراضات التي تقدمها الفصائل لموضوع الهدنة " مشروع تسوية غزة مع إسرائيل بعيدا عن الضفة" تنحصر في رفع سقف المطالب بما يخص غزة , وأيضا إختلافهم على من سيمثل الوفد ومن لا يمثل , فلا زالت الفصائل الفلسطينية برعاية العرب تقع في خديعة ترامب , وهي الحفرة الثانية التي حفرها ترامب بديلا عن الحفرة الأولى .
بالتأكيد أن كل مشروع تسوية يخص غزة , أو حتى تحت مسمى هدنة أو غيرها من المسميات , بعيدا عن الضفة الغربية والقدس , فهذا بحد ذاته وقوعا في المحظور .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
فلسطين – غزة