أنا المتفائل الفلسطيني العربي الإنسان

بقلم: عدنان الصباح

أصدقائي يتهمونني بالتشاؤم زورا وبهتانا بل ويكادوا لا يرغبون بقراءة ما اكتب ولا بسماع ما أقول خوفا على أنفسهم من التشاؤم والنكد وخشية أن اقضي على تفاؤلهم بنكدي وتشاؤمي وتجهمي ولذا قررت أن أبين لأصدقائي حجم تفاؤلي ليس كفلسطيني فقط بل كعربي وكانسان وذلك بعد أن قمت بمراجعة نقدية لما اكتب وإعادة قراءة العالم بروح من التفاؤل.

نعم أنا متفاءل كانسان فالعالم استعاد عافيته من جديد ولم تعد الولايات المتحدة تتحكم بمصير دول العالم بمجرد قرار, وهي اليوم لا تستطيع أن تفعل مع إيران ما فعلته مع العراق وليس بإمكانها أن تبقي على تحالفها مع إسرائيل بعد أن أدركت أن مصلحتها أكثر مع نصف مليار عربي ومليار مسلم, ولا يعقل أن تدير ظهرها لكل هؤلاء مقابل خمسة ملايين مستوطن يحتلون ارض غيرهم بالقوة خصوصا وان الولايات المتحدة نفسها قامت بمراجعة نقدية لتاريخها وأعادت الحق لأصحابه من الهنود الحمر وقررت تكفيرا عن ذنوب الأجداد الأوائل إعطاء صفة مواطن من الدرجة الأولى لما تبقى من الهنود الحمر واعتبار البلاد وثرواتها ملكهم بالكامل, ولذا أصبح التعليم والصحة والمسكن والملبس لهم إلى الأبد بالمجان بل وأكثر من ذلك فان حصتهم من الدخل القومي تتجاوز كل حدود بحيث تصل إلى حساب مفتوح إلى الأبد يغطي كل احتياجاتهم كل ذلك تكفيرا عن تلك الجريمة النكراء التي ارتكبها أجدادهم الأوائل وذلك بعد أن قرر العالم مقاطعة الولايات المتحدة بعد اقتناعه بأنها أول دولة الاحتلال في هذا العصر.

العالم بالإجماع فعل نفس الشيء وقد ألغيت كل أنواع قيود التنقل بين الدول ولم يعد هناك حاجة لتأشيرات السفر من والى أي بلد ولا تأشيرات العمل وقررت الأمم المتحدة إعادة توزيع الثروة بين دول العالم بحيث تصبح حصة الفرد من ثروة الأرض متساوية بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو المنشأ أو القومية أو الجنسية وما إلى ذلك.

فرنسا مثلا دفعت تعويضات لكل الذين سقطوا برصاص جيشها في كل المستعمرات وكذا فعلت بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرهم بلا استثناء وأعادت الولايات المتحدة كل ما نهبته من شعوب الأرض بما في ذلك العراق والكويت وقررت الخروج من كل البلدان التي تحتلها بما في ذلك ألمانيا واليابان ولم يعد للجيوش الاستعمارية أي سبب للتواجد خارج حدودها واعترف العالم بجريمته في تمييز الدول الخمس الكبرى وألغى حق الفيتو ووحد حقوق الشعوب وساوى فيما بينها دون أي تفريق ولم يعد احد يتعرض للتمييز لا كمسلم ولا كعربي عند الآخرين والعكس بات صحيحا أيضا فلا يقتل المسلم غير المسلم فأمر عقاب البشر حق خالق البشر ولا احد سواه.

أنا متفائل كعربي فحال العرب بات اليوم في أبهى صورة يمكن أن يصل العرب إليها فلا اقتتال ولا قتال ولا تحالفات مع الأعداء على الذات ولا مع الذات ضد الذات وتنعم ليبيا بسلام غير مسبوق وتتوحد سوريا بالورد ولا تعرف اليمن طعم البارود والعراق آمنة كل شوارعها وبيوتها وخيرات العرب للعرب كل العرب وتدفع السعودية زكاة أموالها لفقراء اليمن عبر براميل من النقود والطعام تلقى عليهم يوميا وبدل أن كانت التكلفة اليومية للحرب على اليمن مائة مليون نتيجتها الدمار والخراب قررت السعودية أن تجعل طائراتها تلقي بمائة مليون دولا يوميا لأهل اليمن ليبنوا بلدهم ولم تعد السعودية تشتري سلاح أمريكا لتحارب إيران وسوريا ولا تشتري قطر سلاح أمريكا لتحارب السعودية وصارت ارض العرب جنة يلجأ الناس إليها من كل أنحاء العالم للتخلص من بطش الامبريالية والعنصرية والظلم وصار الحصول على جنسية أي بلد عربي حلم كل شباب الأرض وصارت الحريات في الوطن العربي مضربا للمثل والحديث عن سماحة الإسلام جعل منه ملاذا لكل الفارين من ظلم الكنيسة والكنيس ومن محاكم التفتيش ومن صكوك الغفران ومن تسلط طبقة الاكليروس, وقد لجأت جامعة الدول العربية أخيرا إلى تشكيل هيئة لإغاثة اللاجئين الأوروبيين الفارين من ظلم الامبريالية وجورها.

أنا متفائل كعربي لان رئيس الولايات المتحدة مجبر على توقيع اتفاقية إذعان مع خادم الحرمين الشريفين لشراء ملايين النوق بخمسمائة مليار دولار لاعمار صحراء أمريكا ولان الدول العربية النفطية صادرت الأموال التي سرقها حكام الغرب من شعوبهم وخبئوها في بنوك العرب.

أنا متفائل كعربي لان المدن العربية نموذج يحتذى في النظافة والانتظام والجمال ولان ميزانيات البحث العلمي عند العرب اكبر من ميزانية أي دولة في العالم ولان العرب ينشرون كتبا أكثر من كل دول العالم ولان العرب يقرؤون أكثر من كل شعوب الأرض ولان الحكام العرب يحاكمون على أي فساد وأي تجاوز ويطردون من مناصبهم بل ويجري تقديمهم لمحاكمات تأمر بحبسهم ولان القذافي وصدام حسين و حسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح معتقلين الآن بناء على قرارات محاكم بلادهم.

أنا متفائل كعربي لان المعارضة العراقية والسورية والليبية لم تتحالف مع أمريكا وإسرائيل ضد بلادهم بل هي معارضة وطنية صادقة مؤمنة بحقوق شعوبها وهي تقاتل فقط على قاعدة الانتماء للوطن في الوطن وتسعى لبناء بلادها لا لتدميرها وانه لا يوجد مرتزق واحد يقاتل في سوريا والعراق وليبيا.

أنا العربي المتفائل لان لاءات الخرطوم الثلاث ( لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات ) لا زالت حية حتى الآن ولا زالت فلسطين قضية العرب الأولى ولا زالت إسرائيل تخضع لمقاطعة كل العرب وهي تتمنى كلمة سلام واحدة من أي حاكم عربي وهي اليوم معزولة كليا في العالم ولا احد يقيم معها علاقات دبلوماسية بل هي اقرب إلى أن تكون دولة مصابة بداء الجرب لا يجرؤ احد على الاقتراب منها.

وأخيرا أنا الفلسطيني المتفائل وأنا أرى منظمة التحرير وطنية ديمقراطية وبيت للكل الفلسطيني بكل ألوان الطيف, والمجلس التشريعي مجلس فاعل ونشط وموحد على قاعدة المواطنة والوطن, وغزة اقرب إلى القدس من رام الله وجنين اقرب إلى رفح من خانيونس, وفلسطين تتوسط بين الدولة والمعارضة في مصر وسوريا والعراق وسويسرا وروسيا وتركيا وإيران وتفرض مقاطعة على أمريكا ولا احد يقاطع احد ولا احد يختلف مع احد إلا داخل قبة منظمة التحرير والمجلس الوطني والمجلس المركزي والمجلس التشريعي, ولا احد يشتم ولا يخون ولا يكفر احد على الإطلاق, وقد صرنا في النزاهة والشفافية مثلا يحتذى في كل بقاع الأرض, والوزير في بلادنا يذهب إلى مكتبه على دراجة هوائية ويقضي وقته بين الناس ويسافر من بلد لبلد بالمواصلات العامة بلا حرس ولا صافرات ولا دراجات ولا ما يحزنون, ولا تغلق الطرق في بلادنا إلا لمرور طفل عائد إلى بيته, وحرية الاعتقاد مطلقة ولا احد ينفرد بشيء ولا تجد إسرائيل من يكلمها هنا أوهناك منفردا إلا بصوت وطني واحد موحد ينظم الجميع من خلفه وينتظم هو على رأسهم معبرا عن إرادتهم ومصالحهم وحقوقهم الوطنية المطلقة وغير المنقوصة ولا احد في بلادنا يفكر بالانقسام ولا بالتركة ولا يتربص شرا بأحد ونختلف فيما بيننا ولا نختلف على ما بيننا.

أنا الفلسطيني المتفائل بالمطلق لان دمنا حرام على بعضنا واحترامنا لبعضنا مطلق ولأننا بتنا نموذجا يحتذى في الوحدة والاختلاف على قاعدة المواطنة والوطن, وباتت تجربتنا في ذلك نموذج يحتذى, ويضرب بنا المثل وتغار منا إسرائيل وتقف عاجزة لكونها غير قادرة على تمزيق سياج وحدتنا وهي لا تجد فينا من يخاطبها ولا من يسعى إليها ونحن ننتظر انهيارها من الدخل بعد أن استشرى في أوساطها الفساد والانقسام بين أحزابها وتياراتها فالصراع على أشده بين الحكومة والمعارضة والمتدينين والعلمانيين والشرقيين والغربيين وكل منهم يعد العدة للانقضاض على الآخر وكل ما نفعله نحن فقط أننا ننتظر إسرائيل حين تنقسم وتنهار من داخلها وتظهر مملكة يهودا ومملكة إسرائيل وقد نجد مملكة مستوطنين هنا ومملكة مستوطنين هناك ومملكة للشرقيين وأخرى للغربيين وحينها ستنهار أكذوبة الاحتلال وحدها أمام صلابة وحدتنا وصدق انتماءنا ووجودنا وهشاشة وجودهم وأسطورتهم الكاذبة جملة وتفصيلا.

أنا الفلسطيني العربي الانسان إذن المتفائل والمنتصر بوحدته وبصلابة جبهته الداخلية ومتانتها ومن خلفه كل العرب وكل أحرار الأرض في مواجهة أسطورة من الكذب والانقسام والاختلاف والفساد والتي تسمي نفسها إسرائيل كدولة باتت اليوم مصابة بالجرب ولا يسعى احد على وجه الأرض على الإطلاق للاقتراب منها خشية أن يصيبه الداء وبالتالي فان مسالة الانتصار عليها ودحرها إلى مزبلة التاريخ باتت مسالة وقت لا أكثر ولا اقل, ونحن نراقب استشراء الفساد والانقسام فيها حد تدمير ذاتها بذاتها.

بقلم/ عدنان الصباح