منذ النكبة وما تلاها من احتلال فلسطين والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين والاضطرار إلى الرحيل واللجوء الى دول الجوار وغيرها هربا من الجرائم الاسرائيلية والحروب، فعاش الآلاف من الفلسطينيين في الشتات ظروفا صعبة فرقتهم عن الأحبة وعائلاتهم في الوطن، بل ومارس الاحتلال الإسرائيلي على مر السنين سياسة منعت الفلسطينيين بشكل شبه تام من التوحد مع أزواجهم/ زوجاتهم من سكان الضفة وغزة والشتات ولم شمل العائلات تحت حجج بررها الاحتلال بأن لم شمل العائلات ليس حقا مكتسبا للفلسطينيين بل مبادرة رحمة انسانية، وظل العديد من العائلات الفلسطينية مشتتة ما بين الداخل والخارج والعيش في اجواء عدم الاستقرار، وبقيت صلاحية تصديق لم شمل العائلات في يد الاحتلال الإسرائيلي حتى بعد اتفاقيات أوسلو، بالرغم من نقل الصلاحيات المدنية إلى السلطة الفلسطينية، وهناك الآلاف من العائلات تقدمت بطلبات لم شمل والحصول على الهوية وجواز السفر إلا أن اسرائيل منذ عام 2000 جمدت تقديم طلبات لم الشمل لأغراض ديمغرافية تتعلق بتقليص عدد الفلسطينيين، ومن وقتها لم تصدق على أي طلبات إلا في إطار ما يسمى بادرة حسن نية سياسية.
ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع عندما كنا جالسين مجموعة من الأصدقاء الشباب وكبار السن والحديث المستمر عن واقعنا المعاش باعتباره حديث الساعة وما آلت إليه الظروف الحالية والأوضاع السيئة ورحيل الشباب وعائلات كاملة عن الوطن إلى الخارج ودفع مبالغ كبيره من أجل الرحيل والهجرة الى بلاد أوروبية قبله الفلسطينيين للعيش بكرامة وأمن واستقرار، فإذا بأحد كبارنا رجل كبير في السن يقول "الدنيا دواره، زمان كان الواحد يدفع آلاف الدنانير من أجل يحصل على لم الشمل مع عائلته إلى أرض الوطن، أما اليوم يدفع آلاف الدنانير من أجل الرحيل عن الوطن، ماذا حصل لنا؟ وكيف وصلنا إلى هذا الحال؟!".
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا بالأمس كان للفرد الاستعداد والرغبة بدفع مبلغ مالي كبير من أجل لم شمل عائلته في الوطن، وما بين اليوم الذي يدفع فيه الفرد مبلغ مالي كبير للخروج من الوطن والرحيل عنه، مفارقات عجيبة ما بين الأمس واليوم، هذا المفارقات تجعلنا نقف أمام مفهوم الانتماء والولاء للوطن، بالأمس عندما كان الفرد من غزة يريد أن يدفع مبلغ مالي للحصول على لم الشمل بواعز الانتماء للأرض والهوية ورفض الاغتراب عن الوطن ولملمة شمل عائلته والحفاظ عليها متماسكة وموحدة بدافع وطني أصيل رغم وجود الاحتلال وفيما بعد مجيئ السلطة الى غزة وحالة الاستقرار النسبية، أما اليوم وفي ظل شعور العديد من الافراد بالاغتراب داخل غزة نتيجة الانقسام بين شطري الوطن بسبب الانقلاب الرئيسي على النظام السياسي الواحد بقوة السلاح وتبعيات ذلك من قيام حكومة داخل غزة وعدم الاعتراف بها نظرا لاعتراف المجتمع الدولي بسلطة واحدة في فلسطين ورئيس واحد وحكومة واحدة مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية، فكان الحصار وتوالت الحروب والاعتداءات على غزة والمناكفات السياسية مما تسبب للناس ضغوط نفسية مستمرة أضعفت لديهم الانتماء والتفكير بالهجرة من الواقع المعقد في ظل ارتفاع الفقر والبطالة وحالة التوهان السياسي، وشتان ما بين الامس واليوم.
وأمام هذا الحال الصعب الذي لا يسر عدو ولا حبيب، وحينما نقول حال البلد فهذا يعني الكثير كوطن وشعب سائر إلى الوراء، توقف به الزمن وفقد المسار الصحيح والدليل ما صلنا إليه من سياسة الهجرة المعاكسة من أجل إفراغ غزة من أبنائها، ألم يجعلنا هذا الحال نقف مطولاً أمام هذه الظاهرة الخطيرة وأسبابها وتداعياتها السياسية، فالمطلوب لملله شملنا يا مسئولين وقيادات الشعب من أحزاب ومؤسسات من أجل لم شمل عائلات غزة !! فالناس بحاجة إلى تأمين معيشة معقولة لها ولأبنائها في الوطن، الناس بحاجة الى حماية حقوق المواطنة من الملبس والمأكل والمشرب والمسكن وأمن والأمان والاستقرار والخصوصية، الناس بحاجة الى ممارسة حقوقها المدنية والسياسية بالمشاركة السياسية في صنع القرار وابداء الرأي والتعبير، الناس بحاجة الى حماية حقوقها الاقتصادية والاجتماعية من توفير فرص العمل والتأمين الصحي وتوفير الدواء والمستشفيات للعلاج المجاني وتعليم أبنائها في المدارس والجامعات، وتوفير الضمان الاجتماعي، الناس تنتظر لمله شمل أحزابها وقياداتها في بوتقة نضاليه واحده فماذا تنتظرون؟!
بقلم/ د. رمزي النجار