اليوم قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أُن مقترحاً إسرائيلياً عُرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس من قبل أمريكا بإقامة كونفدرالية بين الضفة الغربية والأردن تخضع بموجبه الضفة – دون القدس – للرعاية الأمنية الأردنية، وغزة ستكون خارج هذه الكونفدرالية، بل ستخضع لرعاية أمنية مصرية.
وبالأمس صرحت تسيبي ليفني زعيمة المعارضة الإسرائيلية لقناة ريشت كان العبرية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد بقاء حكم حماس في غزة للتهرب من تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية، وربطت ليفني تصريحاتها بأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لابد أن يقوم على حل الدولتين، وأشارت ضمناً أن ممارسات نتنياهو ومن خلفه أمريكا فيما يخص الأونروا تجافي الصواب .
تصريحات ليفني بمثابة نتيجة لممارسات نتنياهو التعسفية ضد الفلسطينيين والتي تجهض فرص إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وتدرك زعيمة المعارضة أن نتنياهو يذهب بدولة إسرائيل للمربع الذي طالما هربوا منه، نحو الاصطدام دون مفر بحل الدولة الواحدة وواقع السكان الفلسطينيين على الأرض، إذا ما استمرت غطرسة نتنياهو وحكومته .
مُقترحات كونفدرالية الضفة وكيان غزة أو الامتداد في سيناء وغيرها ما هي إلا محاولات هروب لنتنياهو وحكومته من واقع ينتظر إسرائيل كنتيجة لممارسات قادتها التعسفية تجاه دولة الفلسطينيين التي باتت بلا مقومات، هم يدركون أنهم يدمرون هذه الدولة، لكنهم لم يتخلصوا من كابوس السكان، وهو الرعب الذي يهربون منه ولن يجدوا له حل كما يخططون .
وهنا لابد من ربط بين هذه التصريحات والأخبار وأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية وما يجري في أروقة السياسة من مقترحات لغزة ضمن ما يعرف بصفقة القرن، وما أُذيع في الأيام الماضية من محاولات تثبيت تهدئة ومن ثم هدنة بين إسرائيل وحماس، ومعارضة السلطة الفلسطينية لهذه المقترحات والحلول .
العالم عندما ضغط على الفلسطينيين الذين كانوا يردون كامل دولتهم التاريخية من البحر إلى النهر، ليقبلوا بدولة على حدود حزيران عام 1967 بعد السيطرة الكاملة لإسرائيل على فلسطين عقب النكسة وانفجار الصراع من جديد، أراد العالم الوصول لحل الدولتين كحل للصراع الاسرائيلي الفلسطيني وهو ما جسده قرار (242)، وبموجبه تقام دولة فلسطينية ذات سيادة ومقومات إلى جانب دولة إسرائيل، الفلسطينيون في البداية رفضوا لكن أمام التحديات والواقع العربي والدولي قبلوا، وأقرت ذلك منظمة التحرير عام 1974 رغم تشكيل جبهة رفض فلسطينية ضد هذا القبول، وأعلن الزعيم ياسر عرفات استقلال دولة فلسطين عام 1988 حيث تحدث حينها عن دولتين لشعبيين، وجاءت مفاوضات أوسلو عام 1993 لتتويج هذا القرار على الأرض ليُستكمل قيام الدولة الفلسطينية عام 1999، وتؤيد مبادرة السلام العربية عام 2002 حل الدولتين، كذلك الرباعية الدولية التي قدمت خارطة طريق في 2003 تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005، حتى حماس التي كانت ترفض ذلك تقبل اليوم دولة على حدود عام 1967.
لكن ممارسات قادة اسرائيل التعسفية أفشلت كل هذه الفرص وتُفشل أي جهود للحل العادل، خاصة عنجهية بنيامين نتنياهو الذي قال أن الظروف تغيرت وزاد من تدمير فرص إقامة دولة فلسطينية من خلال الفصل الجغرافي التعسفي لأرضي الدولة الفلسطينية ونهبها لصالح المستوطنات، وسرقة المياه، والسيطرة على المعابر والموانئ والمنافذ والأجواء واغلاقها، ونهب الثروات، والتهرب من كافة جهود السلام.
هذه الممارسات التعسفية دون أدنى شك تنهي قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، لكن إسرائيل بالمقابل ستواجه دون مفر واقع السكان على الأرض، وهو ما تدركه زعيمة المعارضة ليفني وما كانت تعنيه من تصريحاتها للقناة العبرية، وستكون البداية بمواجهة مليوني فلسطيني في غزة، أين ستلقي بهم ؟ وضعفهم في الضفة ، ولن يكون مفر أمام إسرائيل إلا حل الدولة الواحدة، دولة ثنائية القومية يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون ويتساوون أمام القانون، وهو ما لا تريده إسرائيل وتهرب منه بمقترحات كيان غزة وكونفدرالية الضفة وغيرها، وذلك بفعل العامل الديمغرافي الذي سيكون لصالح الفلسطينيين، مع وجود فلسطينيي الـ 48 والذين يشكلون زهاء 18% من عدد سكان دولة إسرائيل الحالية، اضافة لارتفاع معدلات الخصوبة والانجاب عند الفلسطينيين .
نتنياهو وحكومته الذين لا يريدون أن يعطوا الشعب الفلسطيني وقيادته شيء يدركون أن ممارساتهم نتائجها كارثية على دولتهم في المستقبل، لذلك يحاولون الابقاء على جهة وكيان مع بقعة جغرافية تُسند إليه ادارة الشعب الفلسطيني، والجهة المواتية لهم الآن هي غزة في المقام الأول، وامتدادها سيناء إن أمكن ذلك.
لذلك لن تُسقط إسرائيل حماس، ليس لأنها تحب حماس أو لا تستطيع اسقاطها ، لكن حتى لا يبقى قطاع غزة مصدرا للإزعاج وشاغرا الادارة، وهو الكيان المنشود ليعيش فيه جزءا من الشعب الفلسطيني ككيان منفصل بذاته، ويعفي اسرائيل من تبعات مسؤولية السكان، ويتم تسويقه من قبل إسرائيل كجهة وكيان فلسطيني للفلسطينيين، ليصار بعدها حلول للضفة، والكونفدرالية مع الأردن احدى هذه المقترحات، وذلك في ظل تعثر الحلول مع السلطة الفلسطينية ومن خلفها منظمة التحرير وفق الرؤية الاسرائيلية الحالية والتي أدت لتجميد المفاوضات باعتبارها لا تعطي حقوق الشعب الفلسطيني وفق مبدأ السلام العادل وحل الدولتين .
إسرائيل بهذه الالتواءات لن تنفك من المسؤولية ولن تتخلص من الشعب الفلسطيني لأنها غير جاهزة لتعترف بحقوقه ، حتى لو أقامت كيان منقوص السيادة في غزة، وسعت لكونفدرالية في الضفة، وستصطدم عاجلاً أم أجلاُ بكابوس السكان ولن يكون أمامها هروب من حل الدولة الواحدة، مالم تقبل بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة والحقوق .
لن يفلح أي حل دولي أو عربي أو حتى إسرائيلي فلسطيني دون أن يأخذ الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة ضمن حل الدولتين أو حتى حل الدولة الواحدة .
بقلم/ د. محمد قنيطة