“أيام دامية“

بقلم: علي حيدر

ما زالت مسلسلات  القتل والعنف والدم والموت و"حروب الشوارع" آخذة بالتصاعد والاتساع في المجتمع العربي؛ وقد قدمنا عدة مساهمات واقتراحات فكرية وعملية لكيفية  التعاطي معها ومعالجتها والحد منها. ولكن الواقع لا يعرف الراحة؛ ويعمل جاهدا على وضع ونصب  تحديات وجودية متسارعة ومتواترة  أمامنا في مجالات ومستويات عدة: داخلية وخارجية تحتم علينا العمل بسرعة ونجاعة ومسؤولية.

باعتقادي نحن المسؤولين أولا عن ايجاد حلول لظاهرة العنف ( طبعا هنالك عوامل أخرى تأثر فينا ونأثر فيها؛  تشكلنا ونشكلها؛ ) ولكن  علينا أن نكون شجعان( والشجاعة هي فضيلة تقع بين رذيلتين هما: التهور والجُبن)  ونأخذ مسؤولية  ونحل مشاكلنا بأنفسنا؛ لأنه لن يأتي أحد  من الخارج ليحل لنا مشاكلنا( لا الشرطة ولا الحكومة  ولا المحاكم، دون إعفاءهم من مسؤوليتهم المركزية)؛ والانتظار لن يجدي؛ والتشاكي وهجاء أنفسنا ولعن قامعينا ليست سوى محاولات للتنفيس. واستخدام نفس الادوات التي استعملناها حتى الان "وتوقع نتائج أخرى هو ضرب من الجنون". اذا ذوتنا الوعي بأننا نحن المسؤولين عن ايجاد حلول للمشاكل فسوف نكون قد وضعنا اللبنة الاولى في بناء جدار متين لصد العنف وتقليصه.


ليس هناك حلول سحرية لظاهرة العنف، هنالك حاجة لحركة مجتمعية شاملة لمواجهة العنف. لقد قيل الكثير عن اسباب وتبعات انتشار الجريمة والحلول الممكنة لظاهرة العنف المستشرية والآخذة بالاتساع والانتشار من جانب والتصعيد والقساوة والحدة من جانب آخر. ولكن يترتب علينا جميعا الانتقال من القول والتنظير والتباكي واللطم وجلد الذات والتوقع من الحكومة ان تحل لنا مشاكلنا الى الفعل الفردي والجماعي؛ بمعنى انه يجب العمل مع الفرد ومن ثم في جميع الدوائر المجتمعية الاخرى.

 العنف ليس منوطا على فعل عيني فقط ولكن هنالك منظومة مركبة تشمل العديد من العوامل الفاعلة ولذلك فالحلول هي ايضا مركبة. علينا اخذ المسؤولية على تقديم مشروع اخلاقي جامع وبث التفاؤل لدى جيل الشباب الذي يعيش حالة احباط وتوتر وضغوط وفي الغالب ينشأ ويترعرع في بيئة فقيرة تعاني من اوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة والكثير يبحث عن الغنى السريع دون التفكير للأمد البعيد.

 
 يجب عدم المبالغة بما يمكن ان تقوم به القيادة السياسية لحل مشكلة العنف ولكن بتظافر الجهود بين القيادات في جميع المجالات الدينية والتربوية والاكاديمية والاقتصادية والشعبية والعمل في مستوى الرؤيا من جانب والتنفيذ والتواصل مع الناس على مستوى الفرد والاسرة والحارة والبلدة من جانب اخر يمكن بذلك احداث تغيير ايجابي تدريجي. ان انتشار العنف هو دليل على فشل بعض الاجهزة في المجتمع العربي كالجهاز التربوي الرسمي والحكم المحلي وبعض المؤسسات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.

كما يبدو؛ فان الشرطة متواطئة مع ما يحدث فهي قادرة على الوصول الى المجرمين وعصابات الاجرام  ومقاضاتهم وجمع الاسلحة ومنع وصولها للمجتمع العربي ولكنها لا  تفعل ذلك. يجب مطالبتها بالعمل  وعدم السماح لها بالتنصل والتراخي ولكن عدم التوقع منها مساهمة جدية لحل مشكلة العنف، فالشرطة وحرس الحدود ومظاهر العنصرية والكراهية هي عوامل ناشطة في تفاقم ظاهرة العنف من قبل الدولة والكثيرين من ابناء المجتمع اليهودي وخصوصا في العقدين الاخيرين كما تابعنا وشهدنا ازدياد التنكيل بالعرب والاعتداء عليهم منذ سن قانون القومية مؤخرا.

العنف يساهم في عملية  التدمير الذاتي وتقويض المجتمع من الداخل.
يجب ان نتغلب على حالة العجز وأن نربي الامل ونستعيد الثقة بالذات وأن نخلص جميعا في مكافحتنا لهذة الظاهرة الخطيرة. من غير الممكن التسليم لهذا العنف المضطرم في النار  والذي اصبح جزءا من الحياة اليومية العادية. يجب ان يواجه العنف باستراتيجية مزدوجة: من جانب مواجه العنف بحزم كما اشرنا بالتفصيل في مواقع أخرى( أنظر مقالنا حول العنف)؛  ومن جانب اخر التأسيس والعمل على بلورة مشروح اخلاقي متكامل وصياغة  بيان تربوي عربي قابل للتطبيق والتنفيذ. فكل واحد منا مسؤول وكل واحد منا يجب ان يعمل. 

 


المحامي علي حيدر