دي أمريكا يا بابا !!!

بقلم: رامي الغف

كلمة أطلقها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في احد لقاءاته التلفزيونية قبل ١٥ عاما، اثر سيل من الأسئلة من محاوره في محاولة منه لإفهامه بان أمريكا لا تواجه ولا تناقش ولا تـفهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هل أمريكا كما تعتقد الأنظمة العربية ورؤسائها وملوكها ؟!! وحيث إني لست بالخبير السياسي ولا امتلك المقدرة في تحليل تصرفات دولة عظمى !! سأتجه لحوار القارئ بما يجول بخاطري ولربما تشابهت محتويات الخواطر والأفكار او ربما تقاطعت وبتقاطعها ينجلي الوهم وتظهر الحقيقة او ما يكون اقرب للمنطق والحقيقة.

إن من يراقب تصرفات هذه الدولة العملاقة يلاحظ انه يراقب طفلاً تارة وشيطان تارة أخرى، فهناك معتقد أن أمريكا لا تخطيء إلا ما ندر وإنها تخطط لمئات السنين وان كل خطاها مدروسة وفي جانب آخر فإنها تتصرف بحماقة منقطعة النظير وبغباء وتناقض تصرفاتها كلامها ! نستغرب أن تظهروه علناً وتساورنا الحيرة هل أن هذا الغباء متعمد ويقع ضمن خططها !!!

ومن هنا كان لابد لنا من دراسة غباء او دهاء هذه الدولة !! وصولاً لمعرفة الأرضية التي نطأها وكيف نتعامل مع هكذا واقع صعب حتى في مفاهيمه، وهنا جاء السؤال هل أمريكا تتغابى أم إنها فعلا غبية أم أن لها شطحات غبائية؟! وكما نعلم أن الله عز وجل قد ابتلى أمريكا بأعاصير وزلازل تكسر عنجهيتهم بين فترة وأخرى، وحيث إنهم لا يتمكنون من إرسالها لغيرهم فها هم يصنعون أعاصير إعلامية في نسق وتوقيت محدد فنجد العالم قد قام ولم يقعد بداية من موضوع الجمرة الخبيثة وثم أنفلونزا الطيور ومن بعدها فيروس الخنازير وموضوع الإرهاب والشرق الأوسط الجديد واخيرا الصفقه المعلنه المسماه بصفقه القرن، ومن ثم يهدأ الإعصار الأمريكي ليتجه نحو موضوع آخر يشغل العالم فيه، وربما يتكرر بعد فترة تجدها أمريكا مناسبة وهكذا.

إن السياسة الأمريكية الخارجية هي سياسة ثابتة، وأهدافها واضحة، ولم تتغير مع تغير حكامها أو اختلاف أحزابها، معتمدين بذلك على التنظير السياسي المستقبلي للعالم، وعندما يقدمون على شيء يبدؤون بالتمهيد له عبر تصريحات مبطنة ومتكئين على جهل من يروج لبضاعتهم السياسية أو من أتفق معهم على مبدأ العداء المشترك أو بعض الجبناء الذين يلوذون بهم عند الشدائد ولا يطيح أحد بالقناع الذي ترتديه أمريكا إلا العقلاء والراسخون بالعلم.

إن عداء أمريكا للشعوب العربية والإسلامية بات واضحاً، من خلال دعمهم لإسرائيل ومن ولاهم، والتغطية على جرائمهم البشعة ضد شعبنا الفلسطيني بشكل خاص، حيث ومنذ احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية لم يتكلم احد عن هذه الجرائم إلا القليلين من الحكام والملوك والرؤساء العرب، فالمواقف تاريخية وكثيرة ولا يمكن الإيجاز بها، ولكن أشير إلى ما وصفت به أمريكا، خلال خطاب للرئيس الشهيد صدام حسن، والذي قال فيه مخاطباً أمريكا:(فإنكم تضربون العرب بأرجلكم ورجالكم وتصفعونهم على عيونهم بيد، وتمسحون رؤوسهم باليد الأخرى).

والأمر الغريب هو أن أمريكا تعلم بجرائم أصدقائها وحلفائها وتعلن إنها تعلم بهذه الجرائم، ولكنها في الوقت ذاته ترفض اتخاذ أي قرار من شانه أن يؤدب هذه الدول او يمنعها من تكرار جرائمها او تفرض عليها قيود او عقوبات مالية او اقتصادية او عسكرية، وهذه العقوبات هي السلاح الأمريكي الأكثر استخداما، لكن ليس لمن بينها وبينه عقد زواج دائم إنما تتخذ مثل هذا السلاح ضد الدول التي لا تدخل بسهولة في بيت الطاعة الأمريكي.

لا نبالغ لو قلنا أن أمريكا هي الشرطي الوحيد في العالم، والازدواجية وجه من وجوه أمريكا التي تدعي أنها راعية للديمقراطية والحرية في العالم بالإضافة إلى العديد من وجوه القباحة التي يندى لها جبين الإنسانية والحضارات لما فيها من متناقضات وسلبيات كارثية على الديمقراطية نفسها وعلى المفهوم الفلسفي للإنسانية وعلى إرادة الشعوب المغلوبة على أمرها من النظام العالمي الجديد، وعلى تطلعاتهم وطموحاتهم في تحقيق الأهداف والغايات النبيلة والمشروعة بما ينسجم مع المصالح الوطنية العليا لتلك الشعوب، وهذه الوجوه قد تم صنعها من قبل القوى المتنفذة وأصحاب القرار التي هي متعددة ومتدرجة من حيث المسؤولية والقوة السياسية والاقتصادية، وتستخدم الوجوه وفق متطلبات وحاجات ومتغيرات الأوضاع السياسة الأمريكية والعالمية أو مستجدات الأحداث أو الضرورات العسكرية والاقتصادية وكل ما يهدد ويؤثر على المصالح العليا والأمن القومي لها وفق رؤيتها وتخطيطها، وفي فلسطين وفي هذا الوقت بالذات تستخدم أمريكا الازدواجية في المواقف من حيث المعايير والأسلوب والسلوك, فقد لعبت لعبة خبيثة وانتهكت القانون, ففي الوقت الذي تنفس فيه شعبنا الفلسطيني الصعداء في فتره الرئيس السابق باراك اوباما، عادوا مرة أخرى إلى حالة اليأس والإحباط بعد ما اعتبروه تراجعا كبيرا لموقف الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب إزاء أملهم في إعلان دولتهم الفلسطينية المستقلة التي طال انتظارها، ودفعوا أغلى ما يملكون من أجل تحقيق هذه المناسبة.

إن الأمر الذي يثير للسخرية حقا أن الرئيس الأمريكي ترامب يحاول أن يلاءم خططه وسياساته الخاطئة في منطقة الشرق الأوسط عامة وعلى منطقتنا الفلسطينية على وجه الخصوص على معايير فهم القيادات الإسرائيلية وتصوراتها لحسم الصراع، ولهذا يمكننا القول أن الأرعن ترامب لن يجبر أو سيؤثر على القيادة الإسرائيلية مطلقا أيا كان لونها الحزبي على دفع استحقاقات السلام العادل والشامل في المنطقة، متلهيا بأرجوحة ما يسميه بمكافحة الإرهاب وذلك بصورة مقصودة للقفز عن المحرك الأساسي لكل أعمال العنف في منطقة الشرق الأوسط وهو الكيان الصهيوني بالتحديد.

هذا التجاهل الأمريكي قد يسعر ويلهب المنطقة بأكملها في المستقبل القريب، ويبدو أن الرئيس الأمريكي ترامب لا يرى الواقع إلا بعين واحدة بعد أن دك الشعب الفلسطيني مرارا وتكرارا ومزقت جرافات الاحتلال خارطة الطريق التي وضعها الرئيس الاسبق بوش الإبن, وسقط آلاف الشهداء والجرحى من شعبنا الفلسطيني، وهذه بحد ذاتها كافية لرفع وتيرة الكراهية والحقد مما يذخر الأجيال القادمة بالطاقة اللازمة لاستمرار الصراع الدموي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

إن الخطابات والبيانات التي يلقاها الرئيسين الأمريكي ترامب والإسرائيلي بنيامين نتنياه تضع عملية السلام في مأزق أكثر من قبل ولا يرون بديلا لأن تسعى القيادة الفلسطينية من جانب واحد للحصول على اعتراف بالدولة، وهو ما يشجع تبني إستراتيجية جديدة تنطوي على ممارسة ضغوط دبلوماسية على مستوى العالم الحر والديمقراطي على إسرائيل وممارسة النشاط السياسي او المقاومة الشعبية على الأرض.

فإذا أرادت أمريكا أن تحسن صورتها في العالم وتبتعد عن لغة الغلبة للقوة وتغيير العالم بالقوة واقهار إرادة الشعب الفلسطيني، فعليها أن تعيد حساباتها في علاقاتها مع قضايانا وحقوقنا والابتعاد عن كل مصادر الظلم، فان لغة الظلم هي لغة الضعفاء وليست لغة الأقوياء، فإن القوة مهما كانت قوتها هي ضعيفة أمام إرادة شعبنا وقيادتنا وفصائلنا، وإرادة شعبنا سوف تنتصر على سيف الظلم مهما بلغ بطش الظالمين.

إن الشعب الفلسطيني المضطهد متعطش إلى نيل حريته من ظلم الظالمين، لذلك فإن لغة الحوار الحضاري هي البديل الأفضل للصدام الحضاري، لان إرادة الفلسطيني هي المنتصرة مهما طال الزمن وسوف ينتصر الدم النازف من اجل الحرية على كل سيوف الظالمين وفي كل مكان مهما طال الزمن وهذا وعد الله.

 

بقلم/ رامي الغف*


الاعلامي والباحث السياسي