إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن أمس الإثنين 10/9/2018م، لم يكن مفاجئاً للمراقبين والمتابعين لتطورات الهجوم الأمريكي على الشعب الفلسطيني وقضيته ... بعد سلسلة الإجراءات والخطوات العدائية التي أقدم عليها الرئيس ترامب منذ توليه مقاليد السلطة في البيت الأبيض، والذي بدا لي وللعديد من المراقبين منذ حملته الإنتخابية التي قادته للبيت الأبيض أنه سيكون رئيساً فجاً بكل ما تعني الكلمة، وكان تعليق أحد الزملاء الباحثين على هذا الوصف أنه بحاجة إلى مركز أبحاث لتفسير هذا المصطلح، وقد صدق في ذلك.
الرئيس ترامب يجهل حقيقة ماذا تعني القضية الفلسطينية وماذا تعني الصهيونية التي يقع أسيراً لتصوراتها وأساطيرها وعدوانيتها وفاشيتها ولا شك أن الكثيرين من الشعب الأمريكي ومن نخبه من يدركون حق الإدراك ماذا تعني القضية الفلسطينية وبالتالي لهم مواقف عادلة من هذه القضية تتفق والشرعية الدولية على الأقل، ويعرفون مدى سطوة الصهيونية على الإقتصاد والإعلام والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ويسعون ويناضلون ضد هذه السطوة وهذه الهيمنة وبعضهم يراوغ خشية منها لما تملكه من قوى ضغط فاعلة ومؤثرة في صناعة القوانين والسياسات العامة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة ... وقد تعاقب الرؤساء الأمريكيون على البيت الأبيض ولم يقدم أي منهم على ما أقدم عليه السيد ترامب عبر خطواته المتلاحقة التي باتت محل إستهجان أقرب حلفاء الولايات المتحدة نفسها فما بالك بالآخرين.
السيد ترامب أعلن منذ تسلمه مقاليد السلطة أنه سوف يأتي بالسلام للشرق الأوسط وسوف يتمكن مما لم يتمكن منه أسلافه من رؤساء الولايات المتحدة السابقين، في إقرار تسوية تاريخية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تؤدي إلى إقرار السلم والأمن للطرفين، وأعلن أنه لديه رؤيا متكاملة أطلق عليها تسمية (صفقة القرن)، ولأجل ذلك عين فريقاً متصهيناً أكثر يمينية من نتنياهو وحكومته المتطرفة من أجل إعداد هذه الصفقة، هذا الفريق الذي أصبح معروفاً لأطفال فلسطين كما لسياسيي العالم أنه فريق لا يرى سوى تحقيق أحلام الحركة الصهيونية في تصفية القضية الفلسطينية وشطب الحقوق الوطنية الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني والغير قابلة للتصرف إلا لدى السيد ترامب وفريقه، فبدأ في 06/12/2017م بإعلان القدس عاصمة (لإسرائيل) وبناء عليه تم نقل سفارة الولايات المتحدة للقدس، في خطوة فاجئت حكومة اليمين الصهيوني برئاسة نتنياهو، ثم تبعها بوقف الدعم عن السلطة الوطنية الفلسطينية متنصلاً من إلتزامات الولايات المتحدة بموجب تلك الصفقة البائسة المسماة إتفاق أوسلو الذي أكمل ربع قرن من الزمن على توقيعه وهو يراوح مكانه، ثم خطى خطواته العدائية الأخرى فيما يتعلق بتقليص ثم توقف الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا) لإعتباره أن هذه الوكالة لم يعد لها لازمة وأن اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948م لم يعد منهم على قيد الحياة أكثر من عشرات الألوف، وأن صفة اللاجئ لا تورث وبالتالي إعتبار عدد اللاجئين بما يربو على خمسة إلى ستة ملايين لاجئ ينتظرون حل قضيتهم بالعودة إلى ديارهم لم تعد قائمة، يضاف إلى ذلك دعمه للإستيطان الصهيوني اليهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين وأن هذا الإستيطان عمل طبيعي أن يبني الإنسان في أرضه وفي وطنه، وتوجت هذه الخطوات بقانون القومية (يهودية الدولة) الذي أقره كنيست الكيان الصهيوني، فيكون حسب رأي السيد ترامب قد حل أعقد العقد التي طالما بقيت محل تفاوض وخلاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد أنهاها هذا الرئيس الفج الأكثر صهيونية في تاريخ الرؤساء الأمريكان وهي قضايا القدس واللاجئين والإستيطان، ومازال يدعي أنه يريد إقرار السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأن إجراءاته هاته من وقف دعم الشعب الفلسطيني وسلطته ووكالة الأنروا وإغلاق مكتب م.ت.ف في واشنطن كلها إجراءات ضاغطة كي يأتي بالفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات للتوقيع على تصفية قضيتهم من أجل إقرار الأمن والسلم للكيان الصهيوني في المنطقة..!
فماذا بقي بعد كل هذه الإزاحات عن طاولة المفاوضات يا سيد ترامب حتى يفاوض عليه الفلسطينيون ...؟!
الفلسطينيون الذين رفضوا هذه المواقف والإجراءات والسياسات التي إتخذتها إدارة السيد ترامب ليسوا بحاجة لهذه الطاولة التي يدعي إعدادها، وليسوا بوارد حتى التحدث أو اللقاء مع السيد ترامب وفريقه للسلام وكافة عناصر إدارته ... الفلسطينيون يعرفون طريق السلام وطريق المفاوضات التي تفضي إلى السلام الحقيقي لذلك لن يذهبوا في طريق الضياع وتصفية الحقوق التي يرسمها لهم السيد ترامب تحت مسمى صفقة القرن ...
الرئيس ترامب لم يعد بإمكانه وإمكان الولايات المتحدة أن تكون راعية لعملية السلام تحت أي مسمى، مالم تتراجع الولايات المتحدة وعلى رأسها السيد ترامب عن كافة الخطوات والإجراءات المتخذة من طرفه والإعتذار للشعب الفلسطيني وقيادته عن صفاقته وفجاجته وإنحيازه الصارخ لصالح العدوان الصهيوني على حقوق الشعب الفلسطيني.
إن عملية السلام التي لا تفضي إلى إعادة الحقوق لأصحابها لن تجد من يتعامل معها أو يقبل بنتائجها ...
الولايات المتحدة بهذه الإجراءات لا تتحدى الشعب الفلسطيني وحده وإنما معه الأمة العربية والإسلامية وكافة دول العالم التي إعترفت بدولة فلسطين والتي إعترفت بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بدءاً من حق العودة وصولاً إلى حق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، ويتحدى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي أكدت على هذه الحقوق.
لذا كان الموقف الثابت والصارم من القيادة الفلسطينية وعلى رأسها السيد الرئيس محمود عباس برفض هذه الترهات والسفاهات الصهيونية الترامبية ورفض التعامل مع مبعوثيه مطلقاً لعدمية الحديث مع هؤلاء بعد كل هذه الإجراءات والمواقف الفجة والعدائية تجاه الشعب الفلسطيني، والسلبية تجاه عملية السلام وتجاه القانون الدولي والشرعية الدولية.
فماذا يمكن أن يقول السيد ترامب بعد كل هذه المواقف المجافية والمدمرة لعملية السلام في المنطقة ..؟!
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس