لا يخفى على أحد ما تعيشه الساحة الفلسطينية من حالة تأزم وإنسداد للأفق , مما يهدد قضيتنا الوطنية للضياع , بينما الأنياب المسمومة لصفقة القرن تنهش في ثوابت القضية ورموزها الرئيسية , ممثلة بمدينة القدس المحتلة وما قرار الإعتراف الأمريكي بها كعاصمة لكيان الإحتلال عنا ببعيد , ورفع المدينة المقدسة عن طاولة أي مفاوضات مستقبلية وفقاً لرؤية ترامب ,وكذلك ما تتعرض له قضية اللاجئين ووكالة الأونروا , بهدف شطب حق العودة والتلويح بقرارات أمريكية جديدة لتعريف اللاجئ الفلسطيني , ومحاولة تمرير هذا التعريف وفرضه على المؤسسات الدولية والدول العربية , في مقدمة لتصفية قضية اللاجئين وما تحمله من شواهد على مظلومية تاريخية وقعت على الشعب الفلسطيني , وما تؤكده من حقوق راسخة لشعبنا في العودة إلى أرضه ودياره , كما أن قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن مقدمة لتصفيتها كممثل لشعبنا الفلسطيني في داخل فلسطيني وخارجه , وبالتالي حصر الفلسطيني بمن يقيم في أراضي الضفة وقطاع غزة تحت رعاية السلطة الحكم الذاتي , مع السعي لتوطين اللاجئين في البلدان المقيمين فيها أو ترحيل بعضهم إلى الدول الغربية التي تحتاج إلى أيدي عاملة في إطار تسوية دولية بإشراف أمريكي.
هذا الخطر الداهم الذي يهاجم القضية الفلسطينية بأنيابه الحاقدة المسمومة , يجب أن يشكل للكل الفلسطيني مدعاة للمسارعة في تحصين قضيتنا من الهجمات الخارجية المعادية , فلم يعد هناك مجالاً لترف الخلاف الحزبي وقد استعرت نيران المؤامرة , ولم يعد مجدياً تقمص دور الحكومة والسلطة في ظل الهجمة الشرسة على صمود شعبنا ومقومات بقائه , ولم يعد مقبولاً التفرد بالقرار السياسي والسيطرة على مؤسسات شعبنا الفلسطيني , بعيداً عن الإجماع الوطني والشراكة الحقيقية, فمن يقاتل بسلاح التجويع وأدوات الحصار لفرض رؤيته الضيقة على شعبنا وقواه الحية هو الخاسر المنبوذ , ومن يسعى إلى وحدة حقيقية تذوب من أجلها المصالح الحزبية من أجل مواجهة الأخطار المحدقة بقضيتنا ووطنا , هو القائد الفعلي والأمين الحقيقي على الشعب وأجياله والقضية وثوابتها.
والعجب العجاب أن تفرض السلطة عضلاتها على أهل غزة بإستمرار العقوبات الظالمة , بينما يرتع العدو آمنا في تنفيذ مخططاته التهويدية في القدس المحتلة عبر جريمة إقتلاع أهلنا في الخان الأحمر من أراضيهم , وكذا بالإقتحام اليومي للمجسد الأقصى في إطار السعي لتقسيمه , ولقد أصبح ذلك واضحاً بممارسة الطقوس التلمودية وإدخال الخمور في باحات الأقصى مؤخراً, والهجمة الإستيطانية بإقامة مزيداً من المستوطنات في الضفة المستباحة , والإعتقالات اليومية وعربدة المستوطنين التي لم تتوقف ضد أهلنا في قرى الضفة الصامدة , ويزداد العجب بقيام السلطة بقمع المقاومة وقتل كل فكرة ثورية لمواجهة الإحتلال والإستيطان في مدن وقرى الضفة المحتلة بينما ترفض التهدئة في غزة ! , أليس الضفة الجريحة بحاجة أيضا إلى ثورة لا تهدأ الا بعد طرد المستوطنين وإقتلاع المستوطنات ؟! .
وتبقى الضفة الثائرة ضفة " الكرمي , طوالبة , عبيات , وأبو الهنود وجرار " هي الحزام المتفجر الذي سيخنق الإحتلال ومستوطنيه ويفشل مخططاته العدوانية , ولن تستطيع قنوات التعاون الأمني والتواصل اليومي ما بين قادة الأجهزة الأمنية وقادة الشاباك – بإعتراف رئيس السلطة - في منع إنطلاقة الثورة القادمة , التي ستحطم أصنام وأوهام يحاول البعض عبثاً ترسيخها في واقعنا الفلسطيني المتعطش للثورة والإنتفاضة ضد الإحتلال الغاشم , ولعل نماذج أبطال إنتفاضة القدس المباركة , خير دليل وشاهد على حيوية وعنفوان شعبنا البطل, في الدفاع عن قضيته.
يواصل شعبنا في قطاع غزة , قتاله على جبهة الحقوق الوطنية , رافعاً حق العودة كأصل من أصول الوحدة عبر مسيرات العودة وكسر الحصار , الذي يلتف حولها شعبنا في كافة أماكن تواجده , وتقاتل غزة في المشهد الأخر على مطلب الحياة الكريمة بكسر الحصار الظالم والمجرم , الذي يفتك بها منذ أكثر من إثني عشر عاما , في محاولة لثني شعبها عن مواصلة التمسك بالبندقية كأحد الوسائل المركزية والإستراتيجية في مشروعنا الوطني التحرري على طريق الإنعتاق من الإحتلال وإقامة الدولة الحرة المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني بلا نقصان أو تفريط بذرة تراب واحدة .
غزة رغم آلامها وجراحها تقول بأن " التهدئة " إن تمت فهي عارضاً طارئاً , لا يمكن أن يغلب على عزمها الأصيل في إستكمال مسيرة المقاومة والتحرير , وإستراحة المحارب في غزة لا تطول دائما , فلا غفله ولا عين تنام في غزة , والزحف الفلسطيني الغزي القادم لن يكون الا شمالاً حيث بوصلة الأطفال والشباب والرجال والنساء في غزة لن تحييد أبداً عن وجهتها نحو القدس .
بقلم/ جبريل عوده