شفاعمرو.. أي رئيس تريد؟

بقلم: زاهد عزت حرش

وطرح هذا السؤال ذاته ينطبق على معظم قرانا وبلداتنا العربية هنا. اذ انه يحاور ظاهرة عامة دون الدخول في لعبة محاورة اي رئيس من اي بلد كان.

وهنا سأتناول الموضوع من النهاية حتى أصل إلى البداية، أي بعد فوز المرشح بالرئاسة وما يتبع ذلك مباشرة. فما أن تعلن نتائج الانتخابات حتى تقوم الافراح والليالي الملاح، وتبدأ مراحل الاحتفالات بهذا الفوز على كل صعيد، حتى على صعيد القوائم التي عقدت اتفاقيات مسبقة مع الرئيس الفائز وضمنت لمرشحيها مواقع وامتيازات في عهده الميمون. ويعلن الفائزون عن موعد اقامة الاحتفالات في غضون أيام قليلة بعد فوزهم. وتتجلى هذا الظاهرة في أبهى مظاهرها، خاصة بما يعلنه الرئيس الفائز ومقربيه وعائلته ومأيديه. فمنذ ما بعد الساعات الأولى لإعلان الفوز، تبدأ وفود المهنئين من أفراد وعائلات وقوائم انتخابية بالوصول إلى دارته، للقيام بواجب تقديم التهاني والولاء. ولا يمضي يوم أو يومين حتى يعلن الرئيس الفائز عن إقامة يوم الاحتفال الكبير وعن موعده ومكانه، فربما يقام حفل العشاء وتقديم التهاني في ساحة واسعة بالقرب من بيته، أو حتى أن يقام في ملعب لكرة القدم كي تستوعب مساحاته الواسعة الوفود والشخصيات المشاركة في الاحتفال.. كما يسبق ذلك ارسال الهدايا من لحوم ومواد غذائية وصناديق من الفاكهة والحلويات والمشروبات الغازية إلى الرئيس.. فتمتد في المكان في ساحة الاحتفال موائد الطعام وسط صوت عريف الحفل الذي يرحب بالجماهير المتدفقة، ناشراً الفرحة والبهجة بين القوم. فيما يقام ما يشبه ببيت العزاء في بيوت المرشحين الذين خسروا الجولة ولم يكن لهم في الطيب نصيب.

هنا أود ان أُذَكر، علها تنفع الذكرى، أنه يوم انتصرت الجبهة في الناصرة، وكان انتصارها عظيم بكل المقاييس، بقيادة طيب الذكر القائد توفيق زيّاد، لم تكن هذه الظاهرة قد غزت مجتمعنا بأي شكل من الأشكال، رغم أنه كان انتصاراً له ما بعده، وقد فتح آفاق جديدة أمام المجتمع الفلسطيني في البلاد، وغيّر واقع مناهج عمل البلديات والمجالس المحلية، من مواقعها التابعة لأحزاب صهيونية وقوى عميلة، إلى واقع قيادات وطنية مسؤولة تعمل لخير البلد والناس.. إلا أن هذا الواقع لم يستمر بعد أن غيّب الزمن والسنين تلك القيادات الوطنية وأضعف أحزابها.

وأسأل نفسي والأخرين.. هل الفوز برئاسة البلدية يستوجب هذا الفرح وهذه الاحتفالات التي تكلف أموالاً باهظة وجهداُ كبير؟ وما الداعي لها؟.. وتحت أي بند من بنود الربح والخسارة تكمن ماهيتها؟ لا يمكن أن نستنتج من تفاقم وتعميم هذه الظاهرة سوى شيء واحد. هو أن الفائزون يعلمون علم اليقين أنهم استولوا بذلك على مقدرات مؤسسة البلدية والبلد معاً، وأن فوزهم سيحقق لهم أضعاف ما خسروه أو بذلوه من أجل هذا الفوز. وإلا لماذا كل هذه الافراح والاحتفالات الباذخة، فإنها وأن دلت على شيء فأنها تدل على ما يَكمُن خلف هذا الفوز من أرباح مادية وامتيازات ومقدرات هائلة. وهي الصورة التي تحمل في طياتها شخصية ونوعية الرئيس القادم وسلم أولوياته. حتى أن حَملة الشهادات العُليا من أبناء مجتمعنا ينخرطون في هذه الظاهرة ويحملون لوائها ويسيرون مبتهجين فرحين في ركابها، وكأنهم يصبغونها بصبغة شرعية واجتماعية لا غبار عليها، ويُعَظموّن بدورهم نهجها ويقنعون الناس أن هذا هو البديل، وهذا هو واقع مستقبلنا الذي نصبوا اليه.

فأي رئيس للبلدية نريد؟

حتمًا سيختارون رئيساً "مختار" لا كمخاتير أيام زمان، بعباءته وديوانه وصبيانه الذين يقدمون القهوة السادة لضيوفه، ويمدون السجاجيد والدواوين والمتكئات لراحتهم.. ولا كما كانوا ينتظرون صوت دقات مهباشه "المهباج" حتى يتوافدون إلى ديوانه، لمعرفة أخر الأحداث أو للاعلان عن أمر هام للبلد والناس.!! أنه "مختار" عصري من نوع جديد.

يريدون رئيساً يفتح باب مكتبه لاستقبال الوافدين إليه، وأول الوافدين عليه، هم من يأتون لتقديم الولاء والطبطبة له، لكي يكونوا متطلعين على أهم الاحداث والمشاريع القادمة، وقريبون من الكعكة حتى ينالون نصيبهم منها. فما أن يأتي مواطن ما لمكتب الرئيس، لقضاء حاجتة ما، حتى يجد مكتب الرئيس عامر بمقربيه، عندها يتلعثم المواطن ويضيع نصف مطلبه أمام هذا المشهد الكوميدي العبيط. وعلينا إلا ننسى حسن الضيافة والاستقبال، إذ يقوم الرئيس نفسه في كثير من المرات، بصب فنجان من القهوة السادة، من مصب القهوة الجاهز على زاوية طاولته، ويقدمه ببتسامة وعظمة للمواطن القادم إليه.. فيضيع النصف الآخر من ذاك المطلب الذي جاء المواطن من أجله، ويكتفي هذا البائس بأن الرئيس استقبله وأحسن ضيافته، فتضيع معظم قضايا الناس بين وعود وآمال، ربما يتحقق بعضها وربما يضيع في متاهات القادم من الأيام.

يريدون رئيساً يشاركهم أفراحهم ليتباهون بحضوره ومشاركته فرحتهم، ويشاركهم أتراحهم ليخفف من وطئ أحزانهم.. ويعوض عليهم فقدانهم لعزيز من ذويهم، بحضوره وطلته البهية، وكأنه زارهم النبي على حد قول المثل "زارنا النبي".. والأبهى من ذلك، حين يزورهم ومعه لفيف من حاشيته حتى تصبح الزيارة والمشاركة أكثر هيبة ووقار، خاصة حين يرافقه بعضاً من رجال الدين، كتعبير عن تعاضد السياسة والايمان، ووحدة "أطياف" المجتمع وأركانه.

يريدون رئيساً قوياً، حوله مجموعة من "القبضايات" ينثرون الهيبة حوله، ويهبون لنجدته إذا ما تعرض لإسائة أو اعتراض أحد على ما يقوم به. ويمكنه استخدامهم لحل المشاكل بين الناس، إذا ما لزم الأمر، بإستعمال القوة والعنف للحد من تفاقم أمر ما أو مشكلة اجتماعية "طوشة"، وهم أيضاً عيونه وأذانه، يطلعونه على ما يدور بين الناس من حديث واقاويل، ليكون دائم الاطلاع على أحوال البلد ومجريات الأمور فيها.

يريدون رئيساً يتحدث إليهم بلغتهم ومفرداتهم، رئيس يواجه الأحداث ببديهية وعفوية، يهدد إذا لزم الأمر، ويساند ويدعم كيفما اتفق له ذلك إذا لزم الأمر أيضاً. رئيس يتعامل مع الأمور برد فعل مباشر دون دراسة أو بحث عميق، يعطي اجابات فورية لأي حدث طارئ، وبعدها يحلها ألف حلال. ولا يهم إذا ما تابع الأمر، أو إذا ما انتهى الأمر على خير أو على شر، او تفاقم وخربت مالطا من بعده.. المهم أنه حَضر عند وقوع الحدث وأعلن أمامهم بما يريدون سماعه، أما بعد، فلكل حادث حديث.

يريدون رئيساً دائم الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى صفحات الجرائد الاسبوعية المحلية، وأن لا يغيب خبر عنه من على صفحاتها الأولى، ولا بد أن يكون الخبر مرفق بصورة لطلعته البهية. بداية من إعلان أو تصريح عن أمر عادي، مروراً بإفتتاح مشروع إن كان هناك من ثمة مشروع، أو عملية تزفيت شارع، أو مشاركة في إحتفال أو حدث فني أو ثقافي.. المهم أن يكون حاضراً كيفما كان، المهم أن يكون. وربما ظاهرة الرئيس ترامب أحسن مثال لذلك.

لا يريدون، ولن يختاروا، رئيساً عملي، رئيساً ينظم عمل البلدية على أساس عصري، ويوزع مهامه الأسبوعية بين أيام محددة لاستقبال المواطنين، وأيام اهم لدراسة واقع البلدة والعمل على إيجاد الحلول والميزانيات لتطويرها. رئيساً يجمع حوله لفيف من الخبراء والمستشارين لدراسة كيفية إعداد المشاريع الحيوية للانتقال بالبلدة إلى واقع أفضل، من خلال دراسة المشاريع وكيفية تقديمها بصورة مهنية إلى الوزارات ومكاتب الحكومة المختصة، من أجل المصادقة عليها. وإن رُفضت من قِبَلهم (من قبل الوزارات) يستطيع أن يتوجه من خلال مهنيتها ومصداقيتها إلى القضاء من أجل تحصيلها وتنفيذها. ولا يعتمد على واسطة هنا وعميل من هناك، ليسهل له تنفيذ مشاريع محدودة ووقتية لا تصلح إلا لمدة قصيرة، وتتلاشى أو تصاب بعد مدة بالخلل والخراب. إذ ان بلداتنا تحتاج، وشفاعمرو خاصة، إلى مشاريع بنيوية وانشائية عمرانية، من مؤسسات خدماتية وبنى تحتية ومرافق ثقافية، وإلى الكثير من الجهد والعمل من أجل تحسين الاجواء العامة، وفتح أفاق جديدة أمام الاجيال الشابة في كل المجالات.. عل ذلك يساهم في لجم ظاهرة العنف المتزايد في كل مكان!!

فكفى تذمر وشكوى من واقع أنتم جلبتموه على أنفسكم. فكما تكونوا يوَلّى عليكم.

بقلم/ زاهد عزت حرش