إنَّ كل ما يجري بشأن وكالة (أونروا)، محاولة أميركية، ومطرقة جديدة من الضغوط، على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، تسقط هذه المرة لتصيب اللاجئين الفلسطينيين، الذين يشكلون نحو 65% من أبناء فلسطين في الداخل والشتات. لكنها تأتي أيضا في إطار المساعي “الإسرائيلية” الأميركية المحمومة، القديمة/الجديدة، والهادفة لإنهاء ولاية وكالة الأونروا وإحالتها على التقاعد.
وكالة الأونروا، الشاهد الحي، الأممي، والتاريخي، على نكبة فلسطين، والحافظة لسجلات أبناء ولاجئي فلسطين بعد النكبة، ستبقى موجودة أيضا بقوة الحق والعدالة، ومن خلال إجماع الأسرة الدولية على ديمومة عملها إلى حين تنفيذ القرار 194 الخاص بتحقيق حق العودة للاجئي فلسطين. فالمواقف الأميركية بشأن قطع المساعدات عن وكالة الأونروا، مسألة سياسية وليست مالية فقط، وهذا ما يملي مسؤوليات مضاعفة على الأمم المتحدة صاحبة الولاية القانونية على وكالة الأونروا التي دائما ما كانت تحذر من عواقب نقص التمويل في ميزانية الوكالة السنوية جراء خدماتها التي تُقدمها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس (الضفة الغربية والقدس الشرقية + قطاع غزة + سوريا + الأردن + لبنان).
واستنادا إلى التجربة التاريخية في التعاطي الدولي مع أزمات وكالة (أونروا)، وبناءً على مختلف المعطيات المتوافرة حتى اليوم، هناك، من وجهات نظر مختلفة بالنسبة لمآلات الوكالة ومصيرها القادم، وفق ثلاثة سيناريوهات محتملة فيما يختص مستقبلها، ارتباطا بالأزمة الأشد خطورة التي تواجهها في تاريخها، حسب تعبير المفوض العام للأونروا بيير كرينبول. حيث لا توجد حدود قاطعة بين السيناريوهات الثلاثة، حيث يمكن أن ينفتح أحدها على الآخر، وفقا لتطورات الأزمة، والسيناريوهات الثلاثة هي:
السيناريو الأول: يفترض هذا السيناريو المتفائل تمكّن وكالة (أونروا) من تجاوز أزمة التمويل الراهنة، استنادا إلى الدعم السياسي والمعنوي الذي حصلت عليه من المجتمع الدولي ومن عموم الدول المانحة باستثناء الولايات المتحدة، وحرصه على استمرار عمل الوكالة انطلاقا من ضرورة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، في ظل غياب فرص فعلية لحل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي 194 القاضي بحقهم بالعودة إلى أرض وطنهم. وتُرجّح مختلف المصادر نجاح هذا السيناريو، حال قامت الدول العربية بالمساهمة برفد ميزانية الوكالة إلى جانب باقي الدول المانحة.
السيناريو الثاني: يفترض هذا السيناريو فشل الوكالة في تعويض التمويل الأميركي لميزانيتها، وبأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” ستواصلان حملتهما المحمومة ضدّ وجودها، بهدف الابتزاز السياسي في إطار الرؤية المتصلة بما يسمى مشروع “صفقة القرن” للتسوية في المنطقة، وباشتراطات عملية التسوية. كما يَفترض أن الفلسطينيين لن يعودوا إلى طاولة المفاوضات مع بالشروط الأميركية “الإسرائيلية” التي لا تلبي الحدّ الأدنى من المطالب الوطنية الفلسطينية. وهنا فإن الولايات المتحدة ستتعامل مع الوكالة من خلال التبرع بــ”القطارة” مما سيحدث تراجع في خدمات الوكالة، وتلكؤ في إنجاز مهامها تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات.
السيناريو الثالث: يفترض هذا السيناريو نجاح الولايات المتحدة و”إسرائيل” في تغيير أو تحوير “تفويض” مهام وكالة (أونروا) المُحدد بالقرار الأممي 302 الصادر عام 1949، عبر الحصول على موافقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة على دمج هذا التفويض ضمن صلاحيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الأمر الذي يعني عمليا إلغاء القرار 302، ونعتقد بأن هذا السيناريو سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر وإلى ولادة أزمات لا نهاية لها خاصة في قطاع غزة.
في هذا السياق، كشفت مصادر في وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عن الشروط التي حددتها واشنطن لضمان استمرار دعمها لنشاطات الوكالة في الأردن والأراضي الفلسطينية (قطاع غزة + الضفة الغربية والقدس الشرقية) دون سوريا ولبنان. والشروط التي حددتها الإدارة الأميركية للوكالة تتلخص في النقاط التالية أولا: تغيير المناهج التي تُدرس في مدارسها، لجهة شطب كل ما له علاقة بحق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإسقاط هوية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، وإلغاء ما يخص النضال أو المقاومة ضد الاحتلال، أو تعبير الانتفاضة الفلسطينية. ثانيا: إلغاء الأنشطة والفعاليات المتعلقة بمناسبات خاصة بالقضية الفلسطينية، مثل وعد بلفور والنكبة والعدوان “الإسرائيلي” العام 1967 وغيرها، وعدم التعاطي مع أي نشاط سياسي.
ومن جانب آخر، قالت القناة العبرية الثانية، إن الإدارة الأميركية أبلغت “إسرائيل” بأن واشنطن ستسمح لدول الخليج العربية بتحويل الميزانيات هذا العام لوكالة الغوث الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا). ونبهت القناة الثانية، إلى أن الإدارة الأميركية تقول إنها ستسمح بتمويل خليجي للوكالة من أجل ضمان استمرار نشاط الوكالة الدولية الفوري. وذكرت القناة أن هذه الموافقة ستكون بشروط أميركية، حيث تلتزم من خلالها الدول الداعمة والممولة بإعادة تعريف مكانة الوكالة، وتعريف اللاجئ الفلسطيني، وذلك بهدف تحقيق الإغلاق الكامل للوكالة في المستقبل، وفق زعمها.
وعليه، إنَّ كل ما يجري بشأن وكالة (أونروا)، محاولة أميركية، ومطرقة جديدة من الضغوط، على السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، تسقط هذه المرة لتصيب اللاجئين الفلسطينيين، الذين يشكلون نحو 65% من أبناء فلسطين في الداخل والشتات. لكنها تأتي أيضا في إطار المساعي “الإسرائيلية” الأميركية المحمومة، القديمة/الجديدة، والهادفة لإنهاء ولاية وكالة الأونروا وإحالتها على التقاعد. وكل ذلك بهدف تحقيق البُعد الاستراتيجي الأكبر والأهم، من الوجهة الأميركية “الإسرائيلية” بإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي تُشَكِّلُ العقبة الكأداء على طريق التسوية الأميركية “الإسرائيلية”، وتحطيم حلم حق العودة المشروع لغالبية أبناء فلسطين الذين شردتهم نكبة العام 1948.
وتتوهّم واشنطن أن هجومها الشرس على وكالة الغوث الدولية (أونروا)، ووقف تمويلها، سينجح في تصفية عنصر أساس من عناصر القضية الفلسطينية، وهو حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المقدس إلى ديارهم التي هجروا منها بقوة النار والبارود والمجازر. ويتوهم اللوبي الصهيوني، ونتنياهو، أن الكونجرس يستطيع بقرار منه، أن يقلص عدد اللاجئين الفلسطينيين من نحو خمسة ملايين ونصف المليون لاجئ فلسطيني مسجلين بقيود الوكالة إلى نحو أربعين ألفا فقط.
وخلاصة القول، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يضع وكالة (أونروا) تحت سقف المساومة أو الشطب، ويربط بين استمرار مساهمة الولايات المتحدة، المالية، بميزانية الوكالة وبين عودة الطرف الرسمي الفلسطيني لطاولة المفاوضات المتوقفة أصلا منذ عدة سنوات مع الطرف “الإسرائيلي”، مع القبول بتسخيف حق العودة وتقزيه لعودة محدودة لنحو أربعين ألف لاجئ فلسطيني فقط من كبار السن.
بقلم/ علي بدوان