خطاب هنية وعقلية حماس التي لاتتغير

بقلم: سميح خلف

عندما تلعثم رئيس المكتب السياسي السابق لحماس  في رده على مداخلة لي  عند الاعلان عن وثيقتهم والتي ترجع غالبية بنودها للميثاق وادبيات فتح ، وبرنامج منظمة التحرير ، ايقنت بما لا يدعو للشك  ان حماس تذهب للانفصال عن التاريخ الفلسطيني وعن الحركة الوطنية الفلسطينية ، ووضعت وثيقتها كأنه ابتكار فكري وتنظيمي لها ، وهذا بمعنى مباشر سرقة التاريخ  بدلا من البناء عليه ، فحينها اوضحت للحضور جميعا ان تلك الوثيقة هي نتاج  تجربة تراكمات للتجربة الفلسطينية .

وعلني لم اخطيء التقدير ،  ففي خطاب هنية في المؤتمر العلمي الاول لحماس  اكد ما ذهبت اليه ، وما جاء من طرح  لايعلو من التعالي  بل النكران للحالة الوطنية  والتجربة الفلسطينية ، وكأن التاريخ اغلق الابجديات والافعال الفلسطينية الى حين ان انطلقت حركة حماس ، ولا اعتقد ان السيد هنية  وهو الذي ولد وكبر وترعرع في معسكر الشاطيء  كان قد فقد حواسه عندما سمي هذا المخيم بمخيم الثورة  وعلى غراره كل مخيماتنا في الوسطى والجنب والشمال ، واعتقد قد تناسى حينها عندما افردت صحيفة النيويورك تايمز الامريكية المشهورة مقالة بعنوان " الاسرائليون يحكمون نهارا في غزة ويحكمها الفدائيون ليلا "" ولم يسمع عن ما اشيع بان قبور الشهداء تتحرك في الشجاعية .

عموما خطاب هنية  ومؤشراته السياسية هو خطوة بل خطوات لاغلاق ملف المصالحة والابقاء على ملف الانقسام ولصنع متغيرات بديلة  عملت عليها حماس منذ زمن ، فاذكر في عام 1988 في الجزائر عرض ابو جهاد على حماس الدخول  في منظمة التحرير والتوقف  عن اثارة الانقسام وشعائره في شارع الانتفاضة  حينها طلبت حماس نسبة على ما اذكر 51% اي توفر لها الاحلال والبديل ، ولا اريد ان اسجل هنا  حالات ضرب الوحدة الوطنية في  وبالتحديد في جامعة الازهر بعد سنوات قليلة من ولادتها ، فقط احتراما للسواعد التي تقبض على الزناد  من مقاومي الشعب الفلسطيني المنتميين لحماس وشهدائها وقادتها الشهداء المخلصين .

لقد حذرنا مرارا من حالة الغرور المصابه بها حماس وكيفية تعاملها مع القوى الوطنية بل مع الشعب الفلسطيني ، ومن يعتقد انه اكبر من الشعب واكبر من المركب الوطني  فهو في ضلال  وغطرسة  ، نهاية قد لا تكون حميدة ولنا في التاريخ الامثلة المتعددة .

كنا نعتقد ان وثيقة حماس ستغيرها  ولكنها عمليا وسلوكا حماس كما هي  سلوكا وممارسة وطموحات لا تخلو من القاعدة الحزبية الاساسية  وحماس تجعل من نفسها مرشدا بقوة الامر الواقع رافضة سلوكيا مبدأ الشراكة مع الحركة الوطنية  وهذا ما عبرت عنه احدى فقرات خطاب هنية .

تكبر حماس حينما تنتمي للتجربة الفلسطينية ولا تكبر بسواها مهما امتلكت من قوة  ففي هذه الحالة فقط هي حزب يعزل نفسه عن التاريخ وعن الشعب  ولا يعترف الا بذاته وهو الغرور بحد ذاته ايضا .

كنا نطمح من مؤتمر حماس العلمي الاول  ان تعزز مبدأ الشراكة الوطنية وتدس بدقة مكامن الاخطاء ومسبباتها وفشلها في ادارة قطاع غزة ، فان قلنا وهذا بالتاكيد  بان السلطة فشلت في ادرة الملف الفلسطيني فايضا حماس قد فشلت ، واذا كانت حماس التي انخرطت في مؤسسات اوسلو  ضمن برنامج وتوجهات امريكية استقبلها عباس وحماس سويا ، فان هناك من الحركة الوطنية الفلسطينية من كافة مصنفاتها  قد رفضت اوسلو منذ ولادتها بل ارهاصاتها  وما زالت تتحدث بكل شفافية وطنية  عن كارثة اوسلو .

فشل المصالحة وتمزيق ما تبقى من الوطن لا يتحمله عباس وحده او فتح عباس فايضا حماس لها مسؤلية المناصفة في ذلك .

وقفنا مع حماس في محطات متعددة ودعمنا المقاومة وحاربنا فساد السلطة  وبرنامجها  ولعل حماس تتيقن وتعدل سلوكها الاحلالي والتشرذمي  ولكن  يبدو ان العقلية لا تتغير ، مشكلة حماس اصبحت في قيادتها وكادرها وثقافتها التي وضع خطوطها واكدها خطاب هنية .

وكلمة اخيرة : قطر وسلوكها لن يعطينا وطنا ولن  يصنع لنا معجزة اعادة وحدة ما تبقى من ارض الوطن  بل تمضي قطر قدما  لفصل غزة عن الضفة من خلال ، بل قطر تعمل لتحقيق رؤية نتنياهو والقيادة الاسرائيلية بان يبقى الوضع كما هو عليه  سياسيا  لا دولة  ولا حكما ذاتيا  ولا فك الحصار بل  قليل من الخبز لافواه جائعة ، وكل شيء له ثمن ، وهنا اشير فقط  لعملية احتواء البلالين والاطباق الطائرة اليس هذا ثمن .؟ وان كان بسيطا ، ولكن مهما  من حيث الموقع المفهوم الامني والسياسي ، اعتقد  على حماس ان تعيد حساباتها بعد هذا الخطاب وان لا تدفع لمزيد من الخسارة لها على المستوى الوطني والشعبي ، فكفا ما يتحمله المواطن من فساد  واساءة ادارة الحكم والسلطة في غزة .

بقلم/ سميح خلف