ابو مازن في 27 من هذا الشهر سيلقي كلمته أمام الجمعية العامة ، وليست المرة الأولى التي يلقي فيها أبومازن كلمة بهذه المناسبة ، في المرات السابقة و التي القى فيها مثل تلك الخطابات كانت لا تخرج عن نهج تعودنا عليه و سياسة تعودنا عليها وهي نسيج لغة التاريخ و العواطف و دعوة المجتمع الدولي للإعتراف بدولة فلسطين مع تأكيده على أن السلام هو خيار استراتيجي ضمن ثوابت خارطة الطريق و المبادرة العربية مع التزامه المطلق بشعار الأرض مقابل السلام و الذي تحول ربما الى الأمن مقابل السلام ، ولكن هذه المرة خارطة الواقع قد تغيرت و تبدلت لمعطيات كثيرة أضيفت الى الاستيطان المستفحل في الضفة الغربية و استعصاء الوصول الى مصالحة مع حماس في غزة ، ولا نريد هنا ان نفصل لماذا ، ولكي لا نخرج عن فحوى المقال ، ولكن من المؤكد أن اللعب على قصة التمكين و اعطاءها أهمية أكثر و أكبر من أهمية استحقاقات اخرى فرضتها المرحلة ، تحتاج الى تبديل البرامج الى برامج توافقية تحفظ ما تبقى من البرنامج الوطني و تحفظ بعض اوراق القوة التي يمكن استخدامها أمام قرارات ترامب و الخطوات التي تقوم بها اسرائيل على الأرض ، بالتأكيد أن اوراق المصالحة ليست كلها بأيدي الفلسطينيين بل هناك ما هو مهم من اوراق و مؤثرة جدا تخرج عن الإرادة سواءا في الضفة او غزة و هي قوة الاحتلال و امتداداته الدولية و الإقليمية و بعض البرامج البديلة التي تخرج عن سياق حل الدولتين و الوحدة الجغرافية و السياسية بين غزة و الضفة .
البعض تحدث عن ان خطاب عباس أمام الجمعية العامة سيكون مختلف تماما ، فمنهم من قال أن عباس سينوه الى حل السلطة و ارجاع مفاتيحها للإحتلال و هنا يبين هذا التفسير و هذا الوصف و هذا السلوك و خاصة أنه خرج من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ليبين ان واقع السلطة كانت مجرد وسيط وظيفي أمني في الضفة الغربية في ظل فشل اي برامج تقوم بها السلطة للدفاع عن ذاتها و صلاحياتها و ماهمها التي تدعي انها مسؤولة عن الشعب الفلسطيني و تمثلة ، في كل الأحوال العودة الى نقطة الصفر قد يشكل كارثة للفلسطينيين ايضا ووجود السلطة ببرنامجها الحالي و منظمة التحرير بسلوكها ايضا و قيادتها يمثل كارثة ، اي اصبح الواقع الفلسطيني امام كارثتين و كلاهما مر ، ولكن هل فعلا عباس بمقدوره حل السلطة ، لا اعتقد ذلك ، فالسلطة هي طرف فقط و هناك الاحتلال طرف و امريكا و المجتمع الدولي و الدول المانحة طرف ، و في ظل الانقسام يصبح توفير بديل للسلطة أمرا سهلا اي اقصد هنا القيادة السياسية للنظام السياسي ، فلا اعتقد انه سيطرأ اي تغيير على المنظومة الأمنية ووظيفتها في الضفة الغربية اذا قررت امريكا و الدول المانحة و اسرائيل التخلص من رأس القيادة الفلسطينية ، و هذه احدى البدائل التي تفكر بها اسرائيل و امريكا لتكريس انفصال الضفة عن غزة من خلال كانتونات و روابط مدن في الضفة الغربية تعمل اسرائيل حثيثا على تنفيذها على أرض الواقع من خلال انشاء عدة طرق للمستوطنات تعزل المدن الفلسطينية ، و من المؤكد ان ما يثار عن صفقة القرن و مواجهتها بحالة بلاغية و ليست عملية لاعداد الجببهة الداخلية ضمن منظومة تعبوية وحدوية ، و كما طرح بعض الاخوة ان يقفز عباس عن كل الضغوطات و يأتي الى غزة و يضع العالم امام مسؤولياته لاعلان الدولة من غزة ، ضمن برنامج منظمة التحرير المقر من مجالسها الوطنية .
السيد عباس قد يستعمل بعض الكلمات الحادة العاطفية ولكن لن يتجاوز الخطوط الحمر الدولية وخاصة الامريكية و الاسرائيلية فهو مازال يطلب لقاء ناتنياهو للدخول في المفاوضات من جديد ، قد يستخدم عباس الاسلوب العاطفي مخاطبا العالم لحماية السلام و انقاذ العملية السلمية محذرا من الارهاب و انتشاره باعتبار ان السلطة هي حلف في محاربة الارهاب و سيعيد التذكير بما قاله سابقا حول اسرائيل و امنها باعتبارها دولة جاره ايضا و ان ناتنياهو هو المعطل لعملية السلام ، سيتحدث عن فشل عملية المصالحة ويثني على الدور المصري و الدول الاخرى التي تساهم في انهاء عملية الانقسام و في النهاية سيطالب باعتراف العالم بدولة فلسطين مع حل عادل و متفق عليه لقضية اللاجئين و القدس ايضا باعتبارهما ملفين قد تم تأجيلهما للمرحلة النهائية من المفاوضات .
بالتأكيد أن عباس لن يأتي بكلام او مصطلحات جارحة كما ذكر البعض في موقع كموقع الجمعية العامة و التي سيكون مسؤول عن كل حرف او كلمة يأتي بها .
ولكن ما اثير حول قرارات حاسمة حول غزة سيتخذها عباس باجتماعه مع المجلس المركزي في منتصف الشهر القادم كوقف التحويلات ووقف الرواتب و التي يستثنى منها قطاع الكهرباء المغذي لغزة من اسرائيل باعتبار ان هذا الخط يتم خصم تكاليفه من المقاصة مباشرة وهو خارج سسيطرة السلطة بالاضافة الى وقف موازنة الوزارات .
ايضا من الصعب ان يتخذ عباس مثل هذه القرارات وبهذا الحسم مع حماس وبوضوح جدا ان تلك القرارات تعني ان عباس قرر فصل غزة عن الضفة و بالتالي فتح الأبواب مشرعة امام خيارات دولية و اقليمية مطروحة سواءا بصدد عدة قرارات ستتخذها اسرائيل بحق الضفة الغربية و قرارات خاصة بغزة تأخذ الطابع الانساني و طابع الهدنة او التهدئة بين مفهوم الدولة و اللادولة وهو خيار تعمل اسرائيل عليه و امريكا في ظل ما يسمى صفقة القرن و اطروحاتها التي تنفي وجود دولة فلسطينية و في نطاق الحل الاقتصادي الأمني لكل من الضفة و غزة ، وامام ما يمكن ان يتخذه عباس من قرارات هناك تصعيد في غزة تقوم به حماس و القوى الفلسطينية الاخرى على الحدود مع غزة لفرض قضية فك الحصار و ابرام هدنة او تهدئة و في كل الاحوال فهو تحديد الخيارات و الممرات اذا فعلا اتخذ عباس مثل تلك القرارات و اشك انه قادر على فعلها على الاقل لكي لا يخرج من الساحة الفلسطينية متهم بمزيد من التهم التي يمكن ان تنسب اليها و لسياساته و لفترته الرئاسية .
مازال هناك مسحة لمواجهة صفقة القرن و انهاء حالة الانقسام اذا توافرت الارادة الوطنية و كل ماهو مطلوب من عباس ان يفعله ان يأتي من الجمعية العامة مباشرة الى غزة وعقد مجلس وطني يضم كل القوى الوطنية و الفصائل و كل مكونات المجتمع الفلسطيني ليعلن حالة الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين وتحويل كل المؤسسات الى مؤسسات دولة و من خلال برنامج يقره المجلس الوطني بالأخذ بالشرعية الدولية لمقاومة الاحتلال في الضفة الغربية باعتبارها جزء محتل و كذلك القدس و عدم التنازل عن قضية اللاجئين و خطوة اخرى اعادة وحدة حركة فتح ولملمة طاقاتها و كوادرها وقياداتها المنتشرة و الغاء كل القرارات السابقة التي اضعفت فتح و اضعفت الحركة الوطنية الفلسطينية .
سميح خلف