لا يمكن أن نتوقع من أن المصالحة الوطنية، والتي صدع القادة والساسة رؤوسنا بها، ممكن أن تؤتي ثمارها وتكون نافعة دون أن يرافقها إيمان بمفهوم العدالة الانتقالية والتبادل السلمي للسلطة، حيث أن ثقافة طي صفحات الماضي بكل آلامها وآثامها والتي يروج البعض لها هي التي تحكم تفكيرهم، الأمر الذي يعمق الجراحات بدلا من أن يعالجها، لكي نمضي قدما لبناء مستقبلنا.
فإذا كان الساسة وأصحاب القرار يظنون بان حفنة من القبلات الاستعراضية أمام شاشة التلفاز والقنوات الفضائية يطبعها هذا على وجه ذاك، كما نراها في معظم اللقاءات والاجتماعات التي يلتقي بها المسؤولي في حركتي فتح وحماس، يمكن ان تحل الأزمات المستعصية التي تعصف بوطننا أو تخلصنا من حالة التشرذم والانقسام، فلماذا إذن تأخروا علينا كل هذه السنين في تنفيذ ما خطوه بأقلامهم في معظم لقاءاتهم المكوكية، ولتتفاقم الأزمات التي تزداد وتيرتها كل يوم؟ ولماذا يبخلون علينا بحياة هانئة ومطمئنة!!! ولماذا لم يتبادلوا القبلات لحظة بداية الأزمة والانقسام؟ فوفروا على جماهيرنا ووطننا الكثير جدا من الدماء والأرواح والويلات والهموم؟
بعد هذا وكل هذا وبعد الفشل الذريع بعدم إتمام المصالحة وتفاقم الأوضاع الداخلية منذ ما يقارب العشره سنوات، فلماذا إذا لا تشكل هيئة عليا للمصالحة الوطنية والمجتمعية، أو وزارة دولة للحوار الوطني؟ وأن تنشط وتفعل وتوسع عملها بكادر وظيفي مختص ومقرات وفروع أسوة ببقية الوزارات؟ وعلى الجانب الآخر تقابلها لجنة نخبوية وبرلمانية مكونة من شخصيات اعتبارية ومن الكتل في المجلس التشريعي الممثلة لمكونات الجماهير، تقوم بدور المساندة والمراقبة وتوفير الغطاء التشريعي والمجتمعي والشعبي وضمان عدم تجاوز الاتفاقيات، للوصول إلى توافق سياسي شامل ومن خلفه إجماع وطني وشعبي وعلى المستوى الجماهيري والفصائلي والديني، للقضاء على جملة المصطلحات والمفاهيم الهلامية والتي يختلف في إطلاقها واستخدامها في الساحة الوطنية كل حسب أجندته؟
إن الوطن لا يمكن ان يحكم بهذه الطريقة الغريبة العجيبة، ولم نقرأ او نطلع على مثيل لها، وما من تجربة سياسية او حاكمة وفق النظم الديمقراطية في العالم كتب لها النجاح حينما تحكمها شراكة أقطابها كل له أجندته وسياسته ورؤاه المختلفة والمتناقضة والمتصارعة فيما أهم مبادئ أي شراكة حقيقية سوية وفي أي مجال سياسي او اقتصادي ان يكون هناك تقارب كبير في الرؤى والبرامج وتطابق وتقارب عبر المشتركات واقتراب السياسات بعضها من بعض وان وجد اختلاف ما فيجب ان يكون مكملا للآخر.
أولا : دعوة حركتي فتح وحماس والفصائل والأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية والمستقلين ونخبة من الحكماء إلى اجتماع طارئ وعاجل يوضع له برنامج قوامه وعنوانه الكبير هو تخليص الوطن الفلسطيني من أزمته وانقسامه المتفاقم.
ثانيا : اعتبار المرحلة الماضية مرحلة مخاض طبيعي وكأننا مررنا بزلزال او أي كارثة وان يتقبل الجميع خسائرها ومآسيها على ان يكون القادم إرادة قوية تتجاوز المحنة وان يكون العمل لمنع أي خسائر جديدة مهما كان حجمها صغيرا والعمل لخدم الوطن وشعب الوطن.
ثالثا : الاتفاق على مبدأ الحكم وفق الأسس الديمقراطية الحقيقية المعمول بها في الدول المستقرة والمتحضرة واهم أسسها ان يحكم الوطن من يستطيع ان يؤهل ويقوي نموه واستقراره وازدهاره.
رابعا : يتم تشكيل لجنة من شخصيات اعتبارية ونخبوية دائمة ومختارة بعناية فائقة متفق عليها من قبل كل الأطراف الفلسطينية وخاصة من حركتي فتح وحماس تكون من الحكماء وذوي الخبرة والمستشارين والكفاءات المشهود لهم بالنزاهة والأمانة والإخلاص تكون مهمتهم وضع برنامج لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، يضاف إليه ما يتناسب مع الوضع الراهن ويحذف منه ما هو ملغم ومعرقل للمسيرة وتكون مهمة هذه اللجنة أيضا كتابة أسس متينة وضع القوانين والدستور.
خامسا : ترسيخ مبدأ اتفاق قوامه ان فلسطين كل فلسطين لكل شعب فلسطين وان التنافس السياسي فيه يكون وفق أساس إجماع الشعب على من ينتخبه وان يحترم الجميع نتائج الانتخابات وان يكون الحكم للأغلبية السياسية والبرلمانية.
سادسا : اعتبار الحكومة الحالية في كل من غزة والضفة حكومة انتقالية لإدارة الوطن لحين تشكيل حكومة وحدة وطنية.
سابعا : إنهاء حالة الاحتقان السياسي وعلى الجميع ان يعي ان تجربة السنين العشر العجاف الماضية كانت تجربة قاسية على شعبنا وقد استغل أعدائه هذا الوضع لنهب وسرقة خيراته وأفكار أبناءه.
يا قاده الوطن أخاطبكم بلغة العقل ولغة الحسابات البسيطة التي يفهمها أي مبتدئ في عالم السياسة عليكم باستفاقة ضمير واستفاقة غيرة وحمية وانتم تدعون حب فلسطين وان صراعكم من اجل إنقاذه وان كنتم كما تدعون لنعمل جميعا من اجل إنقاذ وطننا وننهي انقسامنا ونمتن بيتنا الداخلي ونحمي جبهتنا الفلسطينية، واقسم إن بقي الحال على ما هو عليه سنبقى ندور وندور وندور حتى نصاب بالموت المفاجئ وبالجملة وسينتهي الوطن إلى نهاية مأساوية لا يقبل حر أو شريف ان نصل إليها.
بقلم/ رامي الغف